الجامع الذي جمع رصاصة الثورة ومكان اندلاعها

التاريخ شيء مقدس لدى الباتنيّة (سكان ولاية باتنة الأصليين) لا شيء يُقرأ من دون إسقاط تاريخي.هنا في عاصمة الأوراس باتنة تقترن معالم المدينة بكل ما هو تاريخيوحضاري، فكما يقترن ضريح “إيمدغاسن” و”تازولت” بالدولة النوميدية، و”تيمقاد” و”أريس”، و”نقاوس” بالحضارة الرومانية،اقترن أكبر مسجد في الجزائر بأعظم ثورة في القرن العشرين، وهو مسجد أول نوفمبر 54 بباتنة.تحفة العمارة الإسلامية التي تتوسط المدينة وتعتلي ترتيب أكبر المساجد بالجزائر.

لطالما انشغل أعيان أي منطقة بمشاكل ساكنيها وهو حال المجاهد البطل العقيد عبيدي محمد الظاهر المدعو الحاج لخضر الذي كان مهووسا بمشاكل أبناء وطنه حتى بعد الاستقلال، ونظرا لقلة المساجد بولاية باتنة واكتظاظها لتزايد عدد سكانها، لاحت فكرة ملحة وهي ضرورة الإسراع بإنشاء مسجد يحوي جموع المصلين الذين فاضت بهم بيوت الله.وفعلا اجتمع “سي لخضر” بمن يشاركونه نفس التفكير من شخصيات الولاية واتفقوا على إنشاء جمعية دينية تتولى مهمة بناء هذا المسجد. وتمت الموافقة على إنشاء هذه الجمعية يوم 24/07/1980.ولأن الأفكار العظيمة تلد صغيرة وتتدرج لتغدو بطموح أكبر،ارتأى أعضاء الجمعية أن يتسع المشروع إلى مجمع إسلامي وحاضرة دينية لا تقتصر على أداء الصلوات الخمس فحسب، بل وتشمل نشاطات تربوية تتمثل في: الاعتناء بتحفيظ القرآن الكريم وتدريس علومه بالوسائل السمعية والبصرية، ليتم بعد ذلك اختيار مكان جديد بحي النصر وعلى شارع التحرير بجوار الحي الجامعي، المكان الذي كان مطارا عسكريا تنطلق منه طائرات المستدمر الغاشم لضرب الثوار في جبال الأوراس الأشم، ومن على منارات هذا المسجد التي تكاد تعانق قمة الشلعلع بارتفاعها الشاهق يتمكن الناظر من رؤية جميع أحياء هذه المدينة وضواحيها ومنها ترتفع كلمة الله أكبر تدوي في أرجاء المدينة. وتبلغ مساحة المجمع الإسلامي 27580 م2.

يتكون المجمع من قاعتي صلاة للرجال والنساء.صحن المسجد، ومعهد إسلامي للجنسين (رجال ونساء) لتحفيظ القرآن وتدريس علومه بالوسائل السمعية والبصرية وقاعة محاضرات كبرى، ومكتبة للطلبة والأساتذة، وقاعة للمطالعة، ودورات مياه وقسم للطباعة والأرشيف ومائضة للرجال والنساء. وسكنات وظيفية ومكاتب للإدارة والمجمع.وقد قدرت تكاليف إنجاز هذا المشروع وقتها بـ5ملايير سنتيم، واستغرقت مدة إنجازه 36 شهرا،يشتمل المشروع على ثلاثة أجنحة:

*المسجد وهو الجزء الرئيسي للمشروع: بطاقة استعاب أكثر من 30 ألف مصل.

*المرافق الملحقة.

*الأقسام الدراسية.

*بالإضافة إلى قسم كبير مكشوف وهو صحن الجامع.

 ويتجلى الطابع الهندسي للمسجد في الطابع الإسلامي الأصيل وهو ما يميز المباني الإسلامية باعتبارها فنا متميزا له طابعه الذي يعبر عن خصوصيته، فهو ذاك الفن الذي يبعث في النفس هدوءا وسكينة فترتاح العين لرؤيته، ويأخذ النفس بعيدا لتسبح في الأجواء الروحية لارتباطه بالعقيدة الإسلامية السمحة.واعتمدت في مجملها على تكرار الأشكال الهندسية على الواجهات والتي تعبر عن الإخاء والمساواة الموجودة بين المسلمين، كما تبدو هذه الأشكال المتكررة وكأنها تقاسيم آيات قرآنية مكتوبة على الواجهات.كما يستمد الجامع جماله من عناصره ومفرداته على غرار أقبيته ومآذنه الأربع، وتعطي الأشكال الهرمية الخضراء التي تعلو أقسام الدراسة إسقاطا لصورة شجرة الأرز المميز للغابات الأوراسية. أما القبب الثلاث التي تعلو المرافق الملحقة بالمسجد لتزيد إثباتا للطابع الإسلامي للمسجد، وزيادة على الوحدة التي يجسدها الجامع في شكله وحجمه فإنه يستمد وحدته كذلك من الأشكال الهندسية المتكررة على واجهاته الأربع التي تظهر للوهلة الأولى وكأنها متشابهة وما إن تمعن النظر فيها يظهر لكاختلاف الأشكال جليا.

ويتكون المسجد من: أربع مآذن أنجزت الواحدة منها بطول 56م للواحدة تم إنجازها في ظرف 07 سنوات، وخزان مائي بسعة 300م3 وبعلو 30م لتغطية حاجيات المسجد ورواده من الماء.سكنات وظيفية.المرش ويحوي 28 بيتا للطهارة ومائضة تسع حوالي 300 شخص.ودار للإفتاء وإصلاح ذات البين، حيث تستقبل عشرات الأشخاص طلبا للصلح والفتوى وهي مجهزة تجهيزا عصريا كاملا.مركز للمولد الكهربائي يستعمل في حالة انقطاع الكهرباء آليا.

دشن المسجد رسميا من طرف رئيس الجمهورية يوم 23/09/2003 وُفتح أمام المصلين يوم 24/10/2003 المصادف للأول من رمضان بحضور حوالي 30 ألف مصل لم يسعهم المسجد رغم رحابته، جاءوا جحافل لإعلاء كلمة التوحيد “الله أكبر”. كما استقبلت المدرسة القرآنية ما يزيد عن 1059 طالبة وزعت على أفواج لحفظ القرآن الكريم، وتعليم أحكامه وأحكام الترتيل. ومن المواد الدراسية المبرمجة نجد: القرآن الكريم، تفسير الحديث، العقيدة، السيرة النبوية، اللغة العربية، أحكام الترتيل، التاريخ…كما تقام ندوات شهرية للمرشدات ولمعلمات القرآن الكريم بإشراف من المديرية الوصية.وفي ظرف 3 سنوات تم تخريج الكثير من الطالبات الحافظات للقران الكريم منهن: الحافظات لكتاب الله كاملا،ومنهن:القارئات له وفق الأحكام.

الحاضرة الإسلامية دُرست جيدا كمشروع استوفى كل شروط انجازه وإنجاح مساره، وفي هذا الصدد حسب أصحاب المشروع حساب المصاريف التي تغطي الحاضرة الإسلامية مستقبلا، وأنجزت الجمعية 14 محلا تجاريا وهذا لضمان مداخيل لتغطية نفقات المسجد، كما سعت الجمعية بكل مجهودها لضمان التكييف المركزي للمسجد، خاصة بالنظر لصعوبة المشروع من الناحية التقنية.

ولأن الطموح لا يعرف حدودا وأمام العدد الهائل من الطلبات التي تصل المدرسة القرآنية لأجل حفظ القرآن الكريم  ودراسة علومه ولأن المدرسة القرآنية حاليا ضاقت قدرتها الاستيعابية فإن الجمعية قررت بناء مدرسة قرآنية نموذجية، تستجيب للطلبات، وتبلغ المساحة الإجمالية لهذه المدرسة 1555.35 م2.أما المساحة المبنية فتبلغ 1011.00 م2  وتتكون من 4 طوابق إضافة إلى الطابق السفلي.

-الطابق السفلي: تحت الأرض يحتوي على مطعمين، تقدر طاقة استيعابه بـ110 مقعد لكل مطعم بالإضافة إلى كافيتيريا لكل فئة ومطبخ إضافة إلى بعض المراكز التقنية.

-الطابق الأرضي: يحتوي على قاعة كبرى للمحاضرات بـ362 مقعد مقسمين للتدريس نساء ورجال، ومكتبة، وقاعة إنترنات، إضافة إلى قاعة متعددة الاستعمالات.

-الطابق الأول: يحتوي على قاعتين لتدريس النساء و3 قاعات لتدريس الرجال و4 مكاتب للأساتذة وقاعتين للمطالعة وقاعة للمراجع.

-الطابق الثاني:يتكون من قاعتين لتدريس الرجال و03 قاعات لتدريس النساء و3 مكاتب إدارية و4 مكاتب للأساتذة.

-الطابق الثالث: عبارة عن إقامة للطالبات بـ42 سريرا وأخرى للطلبة بـ42 سريرا.

-الطابق الرابع:مسكنين وظيفيين للقائمين على شؤون المدرسة.

وقد قدرت تكاليف بناء هذه المدرسة بـ14 مليار سنتيم.