الحكومة خرقت القانون مرتين ووقفت مكتوفة الأيدي أمام الاحتكار
كشفت موجة الاحتجاجات التي اجتاحت مختلف مدن وولايات الوطن، عن فداحة التقصير الذي سقطت فيه الحكومة، خاصة ما تعلق منها باحترام نصوص قانونية سنتها الحكومة ذاتها، ونالت موافقة البرلمان بغرفتيه، بالرغم من مرور ثلاث سنوات عليها، على غرار قانون المنافسة الحالي.
-
وكان بإمكان الحكومة أن تجنّب البلاد الخسائر الفادحة التي تكبدتها جراء الاحتجاجات الأخيرة على خلفية غلاء بعض أسعار المواد الغذائية ذات الاستهلاك الواسع، وبالتحديد السكر والزيت، لو التزمت فقط بتطبيق القانون رقم 08 / 12 المؤرخ في 25 جوان 2008 المعدل والمتمم للأمر رقم 03 / 03 المؤرخ في 19 جويلية 2003، المتعلق بالمنافسة.
-
وبالرغم من مرور ثلاثين شهرا على دخول هذا القانون حيز التنفيذ، إلا أن الكثير من بنوده، بل أهم بنوده، لم يبدأ العمل بها بصفة رسمية، بالرغم من أهمية هذه البنود وانعكاساتها على الاقتصاد الوطني، وكذا على معيشة المواطن وحياته اليومية.
-
ومن بين أهم النقاط التي تهاونت الحكومة في معالجتها من خلال هذا القانون، ما تعلق بتنظيم السوق وكسر الاحتكار، أو ما نص عليه القانون بـ”منع قيام حالات هيمنة” في الاقتصاد الوطني، سعيا منها لتوفير فضاء عادل يسمح للتنافس العادل أن يأخذ مجراه بصورة طبيعية، لما لذلك من إيجابيات، ليس فقط على الاقتصاد الوطني وضمان مستوى مقبولا من القدرة الشرائية، والأهم من كل ذلك حماية السلم الاجتماعي وتأمين البلاد من حدوث قلاقل قد تعيدها إلى جحيم العشرية الحمراء البائدة.
-
ويهدف هذا القانون من خلال تأكيده على “منع قيام حالات هيمنة” بضبط السوق الوطنية، وتصفيتها من كل أوجه الاحتكار، الذي صار السمة المميزة للاقتصاد الوطني وتداعيات ذلك على سوق السلع ذات الاستهلاك الواسع، مثل السكر والزيت، وذلك بهدف “تدعيم وضمان توازن قوى السوق وحرية المنافسة، ورفع القيود التي بإمكانها عرقلة الدخول إليها وسيرها المرن، وكذا السماح بالتوزيع الاقتصادي الأمثل لموارد السوق بين مختلف أعوانها”، حسب ما جاء في المادة الثالثة من قانون المنافسة.
-
ويحدد القانون المعطل في جانبه المتعلق بمحاربة حالات الهيمنة، نسبة أي متعامل في السوق الوطنية، مهما كان اسمه ونشاطه في السوق الوطنية، بـ45 بالمائة على أقصى تقدير، قرار يبقى بعيدا عن التنفيذ لأن واقع البلاد، يقول إن أبرز المتعاملين حاليا والناشط في مجال استيراد وتحويل مادتي السكر والزيت، يعترف بعظمة لسانه، بأنه يسيطر على65 بالمائة من سوق هاتين المادتين، اللتين كانتا السبب في اندلاع شرارة الاحتجاجات الأخيرة.
-
الحكومة وإن وجدت منفذا للخروج من أزمة كانت هي السبب المباشر في حدوثها، جراء تعمدها تعطيل بنود في قانون المنافسة، وبالتحديد عدم تنصيبها لمجلس المنافسة، إلا أنها وجدت مخرجا قانونيا، من خلال نص المادة الخامسة من القانون ذاته، التي تنص على “تقنين أسعار السلع والخدمات، التي تعتبرها الدولة ذات طابع استراتيجي.. كما يمكن اتخاذ تدابير استثنائية للحد من ارتفاع السعار أو تحديدها، خاصة في حالة ارتفاعها المفرط، بسبب اضطرابات السوق أو كارثة أو صعوبات مزمنة في التموين داخل نشاط معين أو في منطقة جغرافية معينة أو في حالات الاحتكار الطبيعية.. بعد أخذ رأي مجلس المنافسة”.
-
واللافت في الأمر هو أن الإجراءات المتخذة تمت دون استشارة مجلس المنافسة المغيّب، وهو إجراء يبقى محل نظر من وجهة النظر القانونية، ليبقى السؤال الذي يتعين على الحكومة ومن ورائها وزارة التجارة، الإجابة عليه هو لماذا اللجوء دائما إلى القرارات السهلة، على غرار إلغاء مختلف الضرائب والرسوم على مادتي السكر والزيت، في حين كان بإمكانها استئصال المرض من أساسه، وذلك بتطبيق القانون وكسر الاحتكار، حتى تترك السوق تلعب دورها الطبيعي في ضبط الأسعار بعيدا عن المضاربة.