-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
من تشريف إلى تكليف

الضيف ثلاثة أيام.. بعدها الجود بالموجود

الشروق أونلاين
  • 8355
  • 1
الضيف ثلاثة أيام.. بعدها الجود بالموجود

عكس البخل هو الكرم،لكن هذا الأخير لا ينحصر في حيز التبذير والبذخ ،فإكرام الضيف واجب وحق الضيافة يبتعد عن التكلف لكي لا ترهق ميزانية المستضيف وتضعه في حرج ،فالجود بالموجود هو حل لذوي الدخل المتوسط والمتدني مع ابتسامة عريضة واستقبال حار،تجعل من الزائر فردا من أهل البيت على أن يكون خفيف الظل لا ثقيلا.

لا يكلف الله نفسا إلاوسعها

من مكارم الأخلاق إكرام الضيف، والكرم من شيم العرب، عرف به الأولون وتباهوا به، ومازلنا إلى يومنا هذا، يسعى الواحد منا إلى القيام بواجب الضيافة على أكمل وجه، بتقديم ما لذ وطاب من مأكولات ومشروبات توفي الضيف حقه وزيادة ،في مائدة يسودها جو بهيج يجمع أفراد العائلة وهم فرحون بضيفهم وزائرهم ،لكن قد يتحول تشريف الضيافة إلى تكليف، ويبالغفي هذه الضيافة بالتبذير الذي يستنزف جيوب المستضيف، ما يثقل كاهله، وهذا حال “سمير” 45 سنة ،الذي التقيناه أمام محطة القطار في حسين داي ،حيث يقول إنه يجد نفسه حائرا كلما طرق أحد باب منزله، محاولا إجراء عملية حسابية ذهنيا مع زوجته ،فشاغلهم الأكبر حتى لا نقول همهم الأكبر، هو الطبق الرئيسي، ناهيك عن المقبلات والأطباق الثانوية ،وصولا إلى المرطبات دون نسيان المشروبات بكل أنواعها،ما قد يقضي على راتبهم الشهري بالكامل، ويتابع قائلا “في بعض الأحيان نضطر إلى إلغاء مشاريع، سواء كانت مواعيد عمل أو عطل صيفية ،ما يجعلنا نلجأ إلى تخزين اللحوم البيضاء والحمراء في الثلاجة وحرمان أنفسنا منها في انتظار زوار ووافدين علينا”.

وفي ظل الظروف المعيشية الصعبة، ماذا يقدم ذوو الدخل المتدني لمن يقصدهم، فابتعادهم عن التكلف والتصنع وسيلتهم لحفظ ماء وجههم ،فالضيافة تقتصر على الموجود وما حضر وهو ماذهبت إليه “سامية” والتي التقينا بها ونحن في طريقنا إلى رويسو،حيث تقول إنه متى حل عليها ضيف لا تستحي أو تشتكي باكية من عسر الحال، وتستقبله بما توفر أمامها وتسهر على راحته كأنه في بيته،وتتابع قائلة إنها ضد من ينتظرون الثناء من وراء ضيافتهم ويتعمدون الإسراف ليكونوا سيرة على كل لسان ،وفي المقابل تقول إنها تحرص على زيارة الأقارب والأهل وعيادة المريض في فترة بعد الظهيرة ولا تطيل فيها لساعة على الأكثر،حتى لا تكلف مستضيفيها فوق طاقتهم من غداء أو عشاء، وإنأصروا عليها تزعم أنها صائمة حتى لا تحرجهم.

الابتسامة في وجه أخيك صدقة

وفي وقت تكاد تندثر فيه العلاقات الاجتماعية وتصبح روابط صلة الرحم في خبر كان ،ومع اكتظاظ دور المسنين في زمان القوي يأكل فيه الضعيف والغني لا يرحم الفقير، يبقى الجود والكرم يختزلان في ابتسامة ترتسم في وجوه بشوشة لضيف الغفلة ،وفي هذا الإطار، يؤكد لنا”فريد” 35 سنة هذا، حيث يقول إنه حين يحل ضيفا على أحد، لا ينتظر سوى استقبال حار وضحكة وكلام طيب،بفرح وسرور حتى ولو أحضر له الماء فقط.

وخلافا لهذا، نجد من ينافق في إظهار فرحه بالضيف، وأحيانا يصل إلينا تمثيله المصطنع من أول لحظة نطأ فيها منزله وحتى خروجنا منه،وفي هذا يقول “كريم” 28 سنة والذي التقيناه أمام محطة الترموايبرويسو:”يوم ذهبت لعيادة صديق لي كان مريضا،أحسست أني ضيف غير مرغوب فيه ،رغم الكلام المعسول الذي كان يوجه إلي في بادئ الأمرليسود الصمت بعدها في الأخير، ولأهم بالذهاب بعد 10 دقائق من جلوسي”.

وما يزيد الطين بلة، ما هو في واقعنا المعيش بحيث إنه فينا من يخاف من قدوم الضيف وينزعج منه وهذا ما جاء في قول”أمين”32 سنة: “أعجبممن يفرح لعدم قدوم ضيف لاعتذاره عن مجيئه في الدقيقة الأخيرة، وقد يصل به الأمرإلى درجة الدعاء من القلب لحصول شيء يحول دون حضور ذلك الشخص، وبل هناك من يعمل حتى على التهرب من ضيوفه باختلاق الحجج ،كالتحجج بمناسبة عائلية لعدم الرغبة في استقبال الضيوف في المنزل”.

فأداء واجب الضيافة أصبح صعبا في وقتنا ،لكن لا نستطيع إلصاق التهمة بالمضيف فقط، فهذا الأخير قد تكون له عدة أسباب من وراء القيام بهذه الأمور، وقد يكون تثاقل الضيف وتعامله مع الأمور وكأنه في بيته واحد من هذه الأسباب.

“زور وخفف”

هو مثل شعبي يطلق على من ينزل ضيفا ثقيلا على بيت ما، غير آبه بظروف وأحوالأهله، فبدون مبالغة أصبح الضيف غير مرغوب فيه إذا زاد عن ثلاثة أيام ،فتتهاطل عليه الإيماءات والإيحاءات باستفساره عن موعد رحيله وفي هذا يقول”سليم”23 سنة والذي التقيناه في أحد المقاهي في رويسو: “كلما أذهب إلى بيت خالي في البليدة أسمع نفس الأسطوانة “قطار الجزائر العاصمة يمر على الواحدة زوالا”،حتى أصبحت لا أزوره إلا نادرا”،أما خالتي “حسينة” فتشتكي دائما من بناتها لما يزرنها لقضاء عطل المدرسة مع أولادهن ،فتقول إنها تتعب كثيرا وتجهد نفسها من طلوع الفجر إلى الساعات الأخيرة من الليل للسهر علىأكلهم وشربهم وحمايتهم لعدم أذيةأنفسهم عند اللعب،والحرص على عدم إحداث  فوضى وكوارث في المنزل، وتضيف قائلة”أنتظر انتهاء العطلة على أحر من الجمر لتنتهي معاناتي معهم”.

وأغرب ما يعرف عن الضيف سلوكات وتصرفات خارجة عن نطاق اللباقة والاحترام وتجعله ثقيلا لا محالة..إلى ذلك كان لنا حديث مع “محمد”28 سنة الذي ونحن في طريق عودتنا إلى حسين داي،سرد لنا قصته معأحد أقربائهالذي لبث عنده شهرا كاملا فبدأ يشترط عليه تارة في أكله،زاعما أن طبيبه وصف له أكل اللحوم فقط دون غيرها ،وتارة أخرىيفضل النوم ونوافذ البيت مفتوحة، ومرات عديدة يحشر أنفه في قضايا لا تعنيه وكاد أن يحدث مشاكل وفتنة متعديا بذلك على أسرار البيت.

أما”سميرة ” 34 سنة،فتقول باللغة العامية “جا كاري ولا مول الدار”،وهذا ينطبق على أخت زوجي التي جاءت قصد مساعدتي بعد ولادة ابني،فزادت فترة ضيافتها عن الشهر حتى أصبحت تبحث عن عمل، وهي تسكن معي في غرفة واحدة ضيقة في الطابق الأرضي فحولتزواجي في عامه الأولإلىمأساة وشعور بعدم الراحة في كل خطوة أخطوها أو كلمة أقولها”.

الإمام أبو يحيى إمام بمسجد طارق بن زياد بالجلفة: “حسن الضيافة لا يعني التبذير والإسراف”.

ولأن الكرم والجود هما من مبادئ الدين الإسلامي ،قررنا التقرب من الإمام أبو يحيى، فيقول”إكرام الضيف من خصال الإيمان، في قوله صلى الله عليه وسلم:”من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه” ،إلا أن حسن الضيافة والكرم لا يعنيان التبذير والإسراف والتفاخر في قوله تعالى:”وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيلولا تبذر تبذيرا”الآية 26 من سورة الإسراء ،وأيضا في قوله “يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ”الآية 31 من سورة الأعراف، لأن الكثير من موائد الوليمة يكون مصيرها القمامة لا محالة، وحق الضيافة هي ثلاثة أيام وبعدها الضيف لا يعتبر ضيفا،وعن أبي هُريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني مجهود، فأرسل إلى بعض نسائه، فقالت: والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء، ثم أرسل إلى أخرى، فقالت مثل ذلك،حتى قلن كلهن مثل ذلك: لا والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماءً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( من يُضيفُ هذا الليلة؟)) فقال رجلٌ من الأنصارِ: أنا يا رسول الله ،فانطلق به إلى رحلهِ، فقال لامرأته: أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي رواية قال لامرأته: هل عندك شيء؟ فقالت: لا، إلا قوت صبياني. قال: علليهم بشيءٍ وإذا أرادوا العشاء،فنوميهم،وإذا دخل ضيفنا، فأطفئي السراج، وأريه أنا نأكلُ ؛فقعدوا وأكل الضيف وباتا طاويين، فلما أصبحغدا على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((لقد عجبَ الله من صنيعكما بضيفكما الليلة))” متفق عليه.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • باخويا احمد

    كل ما قيل ويقال وقد يقال عن حسن الاستقبال وعن اكرام الضيف جيد ومن صميم الدين لكن ليس الامر دائما كذالك فقد كان هذا في زمن كان الناس على اخلاق عالية ومتشبعين بالدين اما اليوم فالامر مختلف تماما ويمشي فيه قوله صل الله عليه وسلم اتقي شر من احسنت اليه فالضيف الذي تستقبله وتكرنه تكبر اطماعه فيك وقد يؤذيك ويلحق بك اضرارا قد تصل احيانا الى الجرم وعليه فالابواب بدات تغلق في هذا الجانب في المجتمع برمته وجسدت المقولة الشعبية المعروفة عند العامية ما ندير خير ما نحصل ومعهم حق في ذالك جرائم كثيرة ارتكبت باحترافية عالية من جراء اكرام البعض لمن لا يستاهلون ان ي