-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الظاهرة القرآنية

الظاهرة القرآنية

من أهم عناوين الكتب التي لفتت انتباهي، وأثارت تساؤلات في عقلي ووجداني في بدايات حياتي العلمية كتاب عنوان “الظاهرة القرآنية” للأستاذ مالك بن نبي، وذلك في منتصف الستينيات من القرن الماضي.. وما كنت يومها أدري ما معنى الظاهرة إلا ما كنا ندرسه فيما يسمى الظواهر الطبيعية في مادة الجغرافيا. وكان سبب معرفتي لهذا الكتاب هو زيارة الأستاذ مالك بن نبي إلى الكويت بدعوة من وزارة التربية الكويتية، وكانت هذه الزيارة “حادثا ثقافيا” بأتم معنى الكلمة، حيث تصدرت عناوين القضايا الثقافية في الصفحات الثقافية في الجرائد والمجلات الكويتية والإذاعة والتلفزيون، ووقع التعريف بالأستاذ ابن نبي وكتبه وأفكاره. وقد تفضل فزارنا -نحن الطلبة الجزائريين- في ثانوية “الشويخ” حيث كنا ندرس، لأن نتائج سياسة فرنسا اللعينة أجبرتنا على الهجرة طلبا للعلم..

الكتاب يناقش فكرة قديمة هي فكرة “إعجاز القرآن الكريم”، ولكن أسلوب المعالجة ومنهاجها جديد، ذلك أن الكتب السابقة في هذا الميدان تركّز على الإعجاز البياني للقرآن الكريم بما في ذلك كتب المعاصرين كمصطفى صادق الرافعي.. ومما زادنا تشويقا لقراءة هذا الكتاب -الظاهرة القرآنية- ولو بغير وعي وفهم- المقدمة التي كتبها عالم كبير كان اسمه أيامئذ يملأ الأسماع ويخطف الأبصار هو الشيخ محمود محمد شاكر للترجمة التي قام بها الدكتور عبد الصبور شاهين..

درس الأستاذ ابن نبي المرحلة الجامعية في فرنسا، وعاش في أوساطها الثقافية والعلمية والدينية، فتأثر بما كان يسمى آنذاك “الفكر الديكارتي” – نسبة إلى روني ديكارت- وهو فكر كان مستحوذا على مساحة واسعة من العقل الجمعي الأوروبي، هذا الفكر غير المؤهل -بسبب اختلاف اللسان- لاستيعاب ما يسمى “الإعجاز البياني للقرآن الكريم”.

شغلت هذه القضية عقل الأستاذ ابن نبي، فخاض بحرا لجيا ليفتح بابا “جديدا” من أبواب “إعجاز القرآن” يخضع العقل الأوروبي الحديث ويقنعه وهو ما صار يعرف بـ”الإعجاز العلمي للقرآن الكريم”، كما أخضع إعجاز القرآن البياني العقل العربي، إلى درجة أن الملأ من قريش رفعوا شعارا لإبعاد الناس عن القرآن هو -كما سجله القرآن نفسه- “لا تسمعوا لهذا القرآن وألغوا فيه لعلكم تغلبون”.

لقد أدرك ابن نبي أمر الله -عز وجل- لرسوله -عليه الصلاة والسلام- بالجهاد بالقرآن الكريم في قوله تعالى: “وجاهدهم به”، فالقرآن -إذن- هو وسيلة جهادية سلمية تصيب “العقل الإنساني” في “مقتل” بإقناعه بالحق تدمغه كما تصيب السهام والرماح والسيوف والبنادق مقتل الخصم ماديا فترديه.

لقد تأثر كثير من الغربيين وبعض المسلمين المتأثرين بالفكر الغربي بهذا الكتاب، فأذكى في عقولهم نور الإيمان بالله -عز وجل- وبكتابه الذي سماه المفكر الألماني جوته “كتاب الكتب”، فأعلنوا انه “لا إله إلا الله”.

من أجمل ما نحياه في رمضان الكريم هو “تكثيف” الاستماع لهذا القرآن، وقراءته، والمهم هو أن نستمع إليه بوعي، ونقرأه بتدبر ليحدث فينا ما أحدثه في أولئك الأعراب الذين كانوا “رعاة غنم” فصاروا بـ”القرآن الكريم” رعاة أمم، ويحدث فينا ما أحدثه من انقلاب في حياة ومصير كثير من العلماء من غير العرب بإعجازه العلمي.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • اجمد

    ما شاء الله بارك الله فيك شيخنا.