-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

العالم الإسلامي بين الفوضى الخلاقة وإدارة التوحش

التهامي مجوري
  • 3722
  • 1
العالم الإسلامي بين الفوضى الخلاقة وإدارة التوحش

الفوضى الخلاقة وإدارة التوحش، مصطلحات يهيمنان على بؤر التوتر في العالم الإسلامي ومنه الشرق الأوسط، ويلقيان بظلالهما على باقي خارطة العالم الإسلامي، والذي من وراء هذين المصطلحين، هما الولايات المتحدة الأمريكية، وتنظيم القاعدة ومشتقاته، مشرقا ومغربا.

 اما الولايات المتحدة الأمريكية، فقد تبنت منهجية استنزاف قوى خصومها الشعبية والرسمية وترهيبها، بكل الوسائل والوسائط، في دبلوماسيتها بالمنطقة، وفي تجنيدها للمخبرين، وفي تصيدها للقوى الثائرة ودعمها وصرفها عن غاياتها بالتشويه والتوجيه والعرقلة..إلخ. وقد شملت منهجيتها هذه جميع بقاع الأرض، ابتداء من امريكا اللاتينية في منتصف سبعينيات القرن الماضي، حيث عمدت إلى توريط الأنظمة بها، في مشاريع اقتصادية فاشلة، على يد مدرسة شيكاغوا بقيادة الدكتور فريدمان، وكانت البداية يومئذ من دولة التشيلي في عهد بينوشي، واستمرت هذه الصيغة المدمرة، التي أطلق عليها يومها مصطلح “عقيدة الصدمة”، إلى سقوط العراق، الذي لا زالت اّلأمة تتجرع سمومها إلى اليوم سنة 2015. [انظر كتاب،  عقيدة الصدمة، لنعوم كلاين].

كما اعتمدت الولايات المتحدة الأمريكية أيضا في هيمنتها، على المجتمعات المتخلفة، استغلال مواردها، وتعميق الأزمات في فيها، ومنها الأزمات الاقتصادية على وجه الخصوص، فكانت تصطنع وتخلق الأزمات خلقا، لتوريط الانظمة والمجتمعات على حد سواء، لتتدخل بأشكال مختلفة كوسيط ناصح، وقد قدم في كل ذلك العميل السابق لوكالة الأمن القومي الأمريكية “جون بيركنز”، شهاداته، في كتاب سماه “اعترافات قاتل إقتصادي”، حول الدور الذي تلعبه البنوك والشركات العالمية، في استنزاف ثروات العالم الثالث وإغراقه، في الديون ووضعه تحت هيمنة البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، وابتزاز رؤساء الدول في شتى أنحاء العالم.

وقد عمل صاحب الشهادة، الذي اعتبر نفسه قاتلا اقتصاديا، فيما كان يقوم به من أدوار، في أندونيسيا وكولومبيا وبنما والإكوادور والمملكة العربية السعودية وإيران، وغيرها من الدول ذات الأهمية في الاستراتيجية الأمريكية.

لقد سخرت السياسة الأمريكية، كل الامكانات العلمية والتكنولوجية المختلفة، في سبيل الحفاظ على أمنها القومي، ولو كان ذلك على حساب شعوب ودول أخرى؛ لأن غاية الحفاظ على الأمن القومي الأمريكي تبرر جميع الوسائل، غزو الدول واختطاف الرؤساء واغتيال الشخصيات، لاستبعاد كل القوى المعرقلة للغايات الأمريكية، إضافة إلى إشعال الحروب والحروب الأهلية..، وأبرز الوسائل المستعملة، العنف واستعمال القوة، سواء بالغزو المباشر كما وقع في العراق، أو بترجيح كفة الصراع بين طرفين كما وقع في الحرب الأفغانية السوفياتية، او بإشعال الفتن بين الفئات المختلفة في البلد الواحد، او البلاد المتجاورة، كما هو الواقع في صراعات السنة والشيعة في العراق، والحرب العراقية الإيرانية قبل ذلك، او باستدراج الطاقات الحية والفاعلة في بلادها، لاستنزافها في معارك وهمية لا مصلحة فيها لأحد من التصارعين، كما هو الحال في جلب الشباب من كل حدب وصوب، لخوض معارك الجهاد الفاصلة، في أفغانستان والعراق وسوريا هذه الأيام، أو بإشعال الخلافات المذهبية الطائفية والعرقية بين الناس، واعتبار ذلك من صميم الوصول إلى الحق والدفاع عنه.

كل ذلك من أساليب السياسة الأمريكية في المنطقة باعتبار ذلك من معارك الاستنزاف التي تحقق للأمريكان وحلفائهم مكاسب هامة، لا يخسرون فيها شيئا، أو تكون خسائرهم فيها ضئيلة إذا قورنت بالمكاسب وحجم استنزاف الشعوب المعادية للأمريكان؛ بل والأشد والأنكى على هذه الشعوب أن هذه الحروب كثيرا ما تكون بأيد أبنائها.

إن هذه السياسة الاستنزافية، متعددة صيغ الفساد والإفساد، التي انتهجتها الولايات المتحدة، هي التي وضع لها المصطلح الجامع الذي تعرف به الآن على لسان كندوليزا رايس، هو “الفوضى الخلاقة”، التي لا تزال مستمرة وستبقى؛ لأن المنطق الأحادي الذي تريد الولايات المتحدة تكريسه، لا يقتضي إلا هذا النهج في تطويع الشعوب والنظم السياسية المعارضة لها، ممهدا ومصاحبا لخطة إعادة تقسيم الشرق الأوسط، الذي سمي بالشرق الأوسط الكبير، والشرق الأوسط الجديد، وقد اعتمدت الولايات المتحدة الأمريكية مشروع هذا التقسيم على مقترحين، أحدهما لبرانرد، والثاني للعقيد المتقاعد “رالف بتريز”، ومضمون هذين المشروعين هو الذي تتناقله وسائل الإعلام منذ بدايات الحراك الذي يشهده العالم العربي وهو مصطلح “ما بعد سايكس بيكو”، ذلك أن سايكس بيكو كان المشروع الذي وضع بموجبه واقع العالم العربي وخريطته التي نشاهدها اليوم. أما ما توحي به وثيقتا برنارد لويس ورالف بترز، فهو تقسيم جديد لهذه الخريطة التي نشاهدها، التي كانت بدايتها السودان الي فصل جنوبه عن شماله.

****

إدارة التوحش عنوان لكتاب ألفه واحد من عناصر التنظيمات الجهادية، وقد وضع فيه خلاصة السياسة المنتهجة عند مجموعات “الفكر القتالي” في مواجهة سياسة الولايات المتحدة الأمريكية، الأنظمة التي حكمت بتكفيرها. وهذا التوجه هو المتبنى من قبل مجموعات ما اصطلح على تسميته بـ”الأفغان العرب”، بعد انتهاء الحرب الأفغانية السوفييتية، فانضووا تحت لواء تنظيم القاعدة، التي لا تمثل تنظيما قتاليا واحدا بقدر ما هي تيار فكري قتالي يؤمن بحسم المعارك مع خصومه عن طريق القتال والاستشهاد.

تعتبر قيادة إدارة التوحش أن العالم اليوم عبارة عن غابة يقضي فيها القوي على الضعيف، ومن ثم فإن هذه الإدارة ترى أن منطق القوة والقتال هو الجدير بالخوض والتمكين، لإنشاء المجتمع المقاتل بكل فئاته وتأمين منطقة التوحش من غارات الأعداء. [أنظر: إدارة التوحش].

لقد كانت فكرة القتال والجهاد في مقارعة العدو، في مفهوم التنظيم الخاص للإخوان المسلمين، أيام حرب فلسطين أو حركة الجهاد في مصر وفلسطين أو الشباب، الذي انتتقل إلى أفغانستان، فكرة في جوهرها امتداد للخط الاستقلالي، الذي انتهجته البلاد المستعمرة فحررها عسكريا، ولكنه بصيغة إسلامية، حيث أن هذا الخط يعتبر نفسه هو الخط المكمل لحركات التحرر الثورية الجهادية؛ لأن تحرير البلاد الإسلامية لا يزال منقوصا.. فالتقت جميع تلك الفئات التي تؤمن بالحسم العسكري في تنظيم القاعدة، حيث أن هذا التوجه لم يكن في بلد معين دون غيره، وإنما كان يمثل تيارا له تصوره في عملية التغيير واستكمال الاستقلال، فامتصه الجهاد الأفغاني لفترة ثم عاد كفكرة عالمية، انضوت في القاعدة وتبلورت في إطار إدارة التوحش، ثم شرع في العمل بالضربات الموجعة للغرب وللولايات المتحدة الأمريكية بالخصوص، ابتداء من عمليات نيروبي ودار السلام، وباخرة اليمن، وانتاهاء بغزو البرجين 11 سبتمبر 2011.

وبين هذه المحطات الكبرى لعمليات القاعدة، كانت هناك اعمال أخرى في ثنايا أحداث العالم، كما وقع في العراق وأفغانستان في جبال تورة بورة وغيرها، حيث كانت إدارة التوحش، تستدرج القوى الأمريكية، إلى معارك استنزافية.

وقد انتبه بوش الإبن سنة 2011 حين أراد الإشارة إلى خسائره في أفغانستان، قال “الصاروخ يكلفنا كذا؟ دولار، يسقط على خيمة لا تكلف الخصم سنتات”.

إن إدارة الفوضى الخلاقة وإدارة التوحش، منهجان في إدارة العالم، أحدهما تتبناه دولة وهي أقوى دولة في العالمّ، همها الوحيد إدارة العالم كما تريد وفق مصلحتها الأساسية وهي الحفاظ على أمنها القومي، والثانية حركات شعبية وفئات من الشباب، انضوت تحت لواء واحد سمي بالقاعدة، يرفض هذا المنطق ويرفض كل مستوى من مستويات الاعتراف به  كواقع مزري، تأباه النفوس الأبية، والفرق بين التوجهين أن أحدهما دولة لها وجود كامل مادي ومعنوي وقدرات مالية هائلة ودعم عالمي كامل، والأخرى مجموعات شعبية تعمل في السرية مطاردة من كل مكان، بحيث من ثبت في حقه الإنتماء للقاعدة، يعد كالجمل الأجرب لا يقترب منه أحد. توجهان اجتمعا على ساحة كل منهما يريد تحجيم الآخر او القضاء عليه، ورغم الفارق الذي بين التوجهين فإن الولايات المتحدة لم تستطع تحييد هذا التوجه؛ بل ربما كان أقوى وأصدق توجه في مقارعتها، لكونه لا التزام له تجاه المجموعة الدولية؛ لأن الامكانات التي تسخرها في مواجهة هؤلاء الأشباح تكلفها الكثير على خلاف أولئك الأشباح فإنهم قادرون على الفعل بأكثر حرية، وليس عندهم ما يخسرون إذا فشلوا.

لم تنجح الولايات المتحدة في التغلب على هذا التيار، إلا عندما عبأت العالم والنظم لمحاربته، في إطار محاربة الإرهاب، إضافة إلى تحريف هذه الجماعات عن مسارها باختراقها والتحريش بين فصائلها، وإشغالها عن مهمتها التي من اجلها أنشئت، فانشغلت بالتكفير ومقاتلة المخالفين لها من المسلمين والمسارعة بإسقاط الأنظمة، بدل الحرص على توجيه السياسة الأمريكية تجاه قضايا الأمة الإسلامية ومنها القضية الفلسطينية، فتحول مشروع إدارة التوحش إلى مجرد خلية من خلايا البرنامج الأمريكي في إدارة الفوضى الخلاقة، ينفذ سياستها أو قسم منها، في إشاعة الفتن بالتقاتل بين المختلفين من المسلمين، وتصفية لحسابات بين فرقاء سياسيين. وإذا كانت فكرة الفوضى الخلاقة من أنجح الصيغ للتدخل السريع الذي لا يحتاج إلى مسوغات دولية، ومكن الأمريكان من التدخل في كل شيء في العالم، فإن إدارة التوحش تحولت على مر الأيام إلى معول هدم لقدرات الأمة أكثر.

لقد اشترك الجانبان في أن أنجح أعمالهم لا تكون إلا في الفوضى، تمردا على الواقع بكامله وعلى شريعته العادلة والظالمة معا، ولكن الناجح منهما من امتلك المعرفة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • جزائري مغترب

    هذه مجرد تحليلات وتخمينات هزيلة لاأساس لها من الصحة ولاتعتمد على أي ابحاث او مصادر علمية موثوق بها.