-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

العراق يتجنب فتنة قاتلة..

العراق يتجنب فتنة قاتلة..

تَمنى الكثير من أعداء العراق أن تشتعل نار الفتنة به مرة أخرى بعد أن لجأت بعض الفصائل إلى السلاح الإثنين، في بغداد وسقط أكثر من 30 قتيلا ومئات الجرحى. وخاف الناس على مصير بلدهم، وبات بعضهم في العراء لعدم تمكنهم من دخول العاصمة. وفرح تُجَّار الحروب بهذه البداية المأساوية، مُعتقدين أنه إذا بدأ الاقتتال سيستمر  ويتسع إلى ما لا نهاية، ويكونون هم الرابحون، مثلما فعلوا قبل ذلك في هذا البلد وفي أكثر من بلد عربي، من لبنان إلى سوريا إلى ليبيا إلى اليمن، وقبلها بالجزائر خلال العشرية السوداء. ولكنهم خُذِلوا هذه المرة بفضل وعي الشعب العراقي وقياداته الروحية والسياسية وقواته الأمنية. كان لموقف القوات الأمنية الأثر الحاسم في عدم الانجرار وراء العنف. لقد طوقت المكان وانتظرت دور الزعماء السياسيين والروحيين لِتحمل مسؤولياتهم، وكان لها ذلك بالفعل. ومن بين هؤلاء الزعيم الروحي للتيار الصدري مقتدى الصدر الذي كان لخطابه المقتضب والقوي الأثر الفوري. لقد حرَّم سفك الدم العراقي، وأعلن رفض الاعتصامات، بل وحتى المظاهرات السلمية بعد الذي حدث، وأعطى أنصاره 60 دقيقة للانسحاب وإلا كان للتيار معهم شأن آخر. وكان له ما طلب وتم تفويت الفرصة على حاملي السلاح وتجار الحروب والمتعطشين للدماء في الداخل والخارج.

وهكذا يتأكد لنا مرة أخرى عدم جدوى اللجوء إلى العنف لأجل مواجهة المشكلات القائمة بيننا مهما كانت عويصة على الحل، بما في ذلك مشكلة الفساد.

لقد كانت محاربة الفساد هي المحرك الأول  للمظاهرات والاعتصامات السلمية التي دعا إليها الزعيم الروحي مقتدى الصدر منذ نحو شهر، ولكن بمجر استغلال أطراف أخرى هذه الوسائل السلمية للتعبير عن المطالب، وتحويلها إلى العنف حتى تبرأ منها، ومن القائمين عليها معتبرا أن اللجوء إلى العنف بين أبناء الشعب الواحد يلغي صفة الثورة عن الثورة بل ستكون “بئس الثورة” تلك  “التي تركض على القاذفات والهاونات” والتي تُروِّع الآمنين…

وذات السيناريو يبدو أن بعض الأطراف تحاول تكراره في أكثر من بلد عربي: تشجيع الفساد، ثم تشجيع الثورة على الفساد، ثم الدفع بالثائرين لحمل السلاح والاقتتال ضد بعضهم البعض.. وكأن هناك يدا واحدة تتحكم في الأحداث مشرقا ومغربا لكي لا تقوم لهذه الأمة قائمة.

وهذا الذي ينبغي الانتباه إليه، والاستعداد له، واستباقه قبل ذلك بسياسات فعالة تكتشف الإشارات الحاملة للنزاعات والصراعات وتُفكِّكها قبل أن يُشعلها الأعداء.

وكما توجد قناعة لدينا أن هناك أسبابا داخلية لهذه النزاعات ينبغي أن توجد لدينا قناعة أخرى مماثلة أن لليد الأجنبية دورا ليس فقط فيها بل في تغذية الأسباب الداخلية ذاتها المؤدية لها.

وهنا يأتي دور الزعماء الروحيين والسياسيين القادرين قبل غيرهم على إقناع الناس بالطريق الصحيح لاستعادة حقوقهم بالوسائل السلمية غير القابلة للاستغلال من طرف الآخرين، كما كاد يحدث بالأمس في العراق.

ومع هذه التجربة العراقية الأخيرة التي تضافرت فيها جهود رجال الدين مع السياسيين مع القوات الأمنية لتطويق نار الفتنة وإخمادها، تبدو لنا خطورة تحجيم دور الطبقة السياسية أو الروحية والتضييق عليها، في أي بلد من بلداننا، وبخاصة المعارضة منها، لأنه يأتي اليوم الذي لن يسمع فيه الناس سوى لقادة يثق فيهم ويستجيب لما يطلبونه منه. كما حدث بالعراق أمس، وكان ذلك سببا في نجاته من منزلق خطير كاد يقع به… وفي ذلك أمل كبير في أن يعود العراق كما كان، ذلك البلد القوي والآمن الذي يحبه الأصدقاء ويخشاه الأعداء…

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!