-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

العقل “النخبوي” اغتيل منذ زمن!

محمد حمادي
  • 3559
  • 7
العقل “النخبوي” اغتيل منذ زمن!

إذا كانت النخبة هي التي تقود قاطرة النهضة والتنمية في بلدان الغرب، وهي العقل الذي تفكر به المجتمعات الراقية، عبر تسيّدها المشهد في كل الميادين، وانخراطها في مجمل النقاشات العامة حول القضايا التي تشكل الصالح العام، فإنّ حالها في بلادنا على النقيض من ذلك تماما؛ فهي منزوية ومنطوية على نفسها، ومستقيلة من دورها في التخطيط لمستقبل البلاد، وخلق الوعي بين ساكنته.

بالرغم من التصورات التي تحملها النخبة في الجزائر، وما تتمتع به من فهم عميق للواقع الذي تعيش فيه، إلا أنها لا تشارك في إيجاد الحلول لكافة الآفات التي تنخر المجتمع، وهي غائبة للأسف عن المشاركة في صناعة القرارات المصيرية. البعض يقول: “إنّ هناك تجنيا مع سبق الإصرار والترصد في حق النخبة الوطنية، التي تعاني الإقصاء والتهميش من طرف السلطة”، في حين يرميها البعض الآخر بسهام النقد، ويستظهر محطات مهمة كانت النخبة خارج مجال التغطية فيها. فهل فعلا صفوة المجتمع المشتغلون بالثقافة والعلم، مغيّبون أم غيَّبوا أنفسهم؟ لماذا لا نجد لهم أثرا في النقاشات العامة؟

النخبة في بلادنا إما محاصَرة من السلطة، أو إنها هي من فرضت على نفسها الحصار بانطوائها وتبنيها شعار: “تخطي راسي وتفوت”، لكن إلى متى نبقى نغرس رؤوسنا في الرمال، حتى تمر العاصفة بسلام؟ ما فائدة المعارف النظرية والتطبيقية التي تكتنزها الصفوة؟ أين محلها من إعراب المآسي والأزمات التي تنخر مفاصل الأمة؟

جرائم القتل المروِّعة التي وقعت في شهر التوبة والغفران، حتى طرقت أبواب الجامعة؛ فاغتيل بالباطل الأستاذ الذي علَّم طلبته الحق، ومظاهر الغش التي طالت الامتحانات في جميع أطوار التعليم، لو حدثت في بلاد الغرب لوجدت النخبة المثقفة قد استنفرت قواعدها، وسارعت إلى عقد جلسات وملتقيات علمية، لمناقشة هذه الظواهر الخطيرة، وخرجت بتصورات وحلول.

الحقيقة هي أنّ الكل في هذا البلد، يعيش لنفسه ولعائلته، ما ولّد حالة من اللامسؤولية تجاه الوطن؛ فالنخبة بغيابها تركت في مناسبات عدّة المجال للغوغاء، الذين ركبُوا الموجة وأضحوا يحلّلون ويناقشون قضايا الأمة ويحاكمون حتى النوايا، حيث تحوَّل “الإنسان الرقمي” الذي يُحسن التعامل مع تكنولوجيا الإنترنت، إلى فاعل على مواقع التواصل الاجتماعي، ينشر الأخبار ويبث الصور والفيديوهات ويبدي آراءه حول مسائل جوهرية، تهمُّ الوطن والمواطن، في ظل اختفاء العقل النخبوي، الذي اغتال نفسه منذ زمن!

النُّخبة في بلادنا أضحت مُطالبة أكثر من أيّ وقتٍ مضى بالخروج من هذه القوقعة سواء فُرضت عليها أم فرضتها على نفسها، وأن تكون في الطليعة، وتنخرط في كل المسائل الحياتية، بالدراسة والتحليل والتخطيط والاستشراف، لا أن تترك المجال للعابثين والمصطادين في المياه العكرة. كما عليها أيضا الفكاك من المنزع النرجسي وعقدة التعالي، التي تجعل من العالِم حبيس برجه العالي، ويرفض أن يتزحزح منه، ليُحاكي واقعه.

وباختصار، نحن في حاجة إلى نخبة واعية متشبِّعة بقيم الوطنية، تقول الحق ولو كان مرّا، وتقف سدّا منيعا أمام كل محاولات التمييع التي تطال القيم الأخلاقية والإنسانية في هذا الوطن الذي ابتلي بعديد الأمراض.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
7
  • معتز

    أانخبة همشت من طرف من حكم بالرأي الواحد صحيح أما قولك عن السيد مساعدية ما قلته فهو غير صحيح. دعلية و كدب على الرجل من من حكموا بالرأي الواحد عملاء المستعمر

  • طرقان

    اضن ان الامر اكثر تعقيد امام حاله ترهل عامه اصيب بها المجتمع والحديث عن نخبه مثقفه مثل الحديث عن عين ماء زلال وسط محيط مالح اجاج والسؤال الاكثر جوهري هل فعلا نملك نخبه مثقفه حقيقيه اما الادعاء فالكل يستطيع ان يدعي ثم اي جو يمكن ان نصنع فيه صفوه تملك ضمير جمعي اكثر مما يهمها الضمير الفردي فلننضر الي حال الجامعه ولننضر الي حال الثقافه بصفه عامه وحتى لا نغوص في عمليه نفسيه تتعلق بجلد الذات فاننا في الحقيقه امام مشكله عويصه ربما تجد اجابتها عند الاجيال القادمه التي نتمني لها حال افضل من الحال.

  • يوسف

    ...تابع... وتسير في مجراها.
    في مرحلة (1979/1992) تحت حكم الرئيس "الشاذلي " و الرجل القوي آنذاك : ' م . ش- مساعدية ' ،حيث
    تذكّرني ذاكرتي أنه جمع الطلاب الجزائريين الحائزين على منحة الدراسة بالخارج في الثمانينات مستضيفاً لهم و خاطباً فيهم مايلي : أطلبوا العلم أينما شئتم و تحصلوا على الشهادات الجامعية من أي جامعة
    مرموقة أردتم و لكنكم لا تنالوا المناصب العليا و لن تُعينوا بالمراسيم الرئاسية إِلَّمْ تنخرطوا و تناضلوا في صفوف :Parti-F.L.N
    في مرحلة (1992/1999)، 1992 ، السنة المشئومة و الأيام...

  • يوسف

    النخبـــــة : Elite هي صفوة و زبدة المجتمع من المتعلمين و المثقفين ، ذوو المهارات و الكفاءات الفردية ، بعبارة أخرى قريبة للمعتقد أنها الفئة التي منحها و رزقها الخالق الباريْ صفتي : ' العلم و الحكمة '.
    لقد ورثنا ورثاً شديداً و ثقيلاً من الوجود التركي (1518/1830 ) و من الاستعمار الفرنسي (1830/1962 ) ورثنا
    حملاً يسمى " البيروقراطية : Bureau-Cratie .
    بعد الاستقلال (1962/1979) عشنا فترة الفكر الواحد والأيديلوجية الاشتراكية التي لا تقبل النخبة و لا تفسح لها المجال إلاّ إذا كانت من صناعتها و تسير في.

  • jamel

    نعتقد ان النخبة قتلت نفسها بنفسها اما بالخوف او المداهنة والمسكنة او العيش فى الماضى او النظر الى الخلف كثيرا وحل مشاكله القديمة ..النخبة لا تهتم بالحاضر والجبن أربكها وشلها ..نحن البسطاء نشارك بعضنا فى الاراء المختلفة.. ولا نخجل وربما نحن اشجع ..لذا على نخبنا ان تتحرك وتكون شجاعة ولاتلطم خدها لا يستطيع أحد ركوب ظهرك إذا كنت منحنياً ( كما يقول المثل) والتاريخ يصنعه الشجعان...

  • بدون اسم

    اولا عيدكم مبروك ... اضافة بسيطة لكلامكم الجميل هي لما لا تكون هناك دعوة لشراكة عملية تطبيقية مصلحية بين نخبة الفكر مع نخبة المال زد لها نخبة السلطة و نخبة العمل لاحذاث تغيير ايجابي ينعكس على الجميع .

  • واحد

    أنّ الكل في هذا البلد، يعيش لنفسه ولعائلته،
    لو صح هذا كما تقول وهو ان كل واحد يعيش لنفسه ولعائلته سعيا لما يرضي الله وما ينفعه وينفعهم في الدنيا والآخرة لكان حالنا أفضل
    كون الانسان يعيش لنفسه وأهله هو امر محمود بل ومطلوب ولكن بالشكل الذي بينت آنفا والله هو الهادي وهو أعلى وأعلم