-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الفكرة التي كنا ننتظر من الدولة طرحها ومعالجتها

الفكرة التي كنا ننتظر من الدولة طرحها ومعالجتها

إن أهمّ فكرة منا ننتظر من الدول أن تطرحها للنقاش في مجلس الوزراء، هي الدعوة إلى مراجعة الوضع التعليمي ومناقشة جوانب السياسة التي توجّهه، وتطور نظامه وظروف سيره، وتحلل أساليب التعامل مع الوضع التنظيمي الذي كال انتظارنا لمراجعته وضبط الجوانب التي تسيِّره، وهي المراجعة التي فرضت تناول الجوانب التي أثيرت في اجتماع الوزراء الأخير، وهو الجانب الذي طرحه الرئيس في هذا الاجتماع وبين ضرورة التفكير فيه، ووجَّه اهتمام المسؤولين إلى أهم ما ينبغي أن نتّجه إليه في هذه المراجعة، وركز بصفة خاصة على دقة العناية التربوية بدراسة واقع المرحلة التعليمية القاعدية لأنها الأساس الذي يجب أن يراجَع ويطوَّر.

أضاف مجلس الوزراء في هذا الطرح رؤيته الخاصة بالسياسة اللغوية التي دعا فيها على حُسن توظيف التعامل مع اللغات، وطرح في هذا الجانب اهتمام  البلاد بأهمية إدراج اللغة الانجليزية في الابتدائي وجعلها الوسيلة الفاعلة في تطوير التعامل مع اللغات وتحديد الحاجة الوطنية إلى التعامل مع هذه اللغة باعتبارها الوجه الحضاري الذي يعرفه العالم، ويتعامل معه بوعي تام، لأنه الأساس المعتمد في تلقين المعرفة العلمية وتكوين مجتمع المعرفة وأسلوب المعرفة مسايرة الاتجاه الحضاري العالمي، إن إدراج هذه اللغة في الابتدائي هو ما ينبغي أن نتجه إليه في هذه المراجعة التي تقررت، والتي تنطلق فيها من الابتدائي وتتوسع لتُتمم الجانب الإلزامي، لأن هذا هو أساس بناء النظام، وهو جانبٌ مهمّ كنا ننتظر التفكير فيه، وما نرجوه اليوم هو أن تكون لنا الشجاعة للسياسة والإرادة القوية التي تمكننا من توفير الظروف وإعداد الوسائل التي يتطلبها التنفيذ. وقد سبق لنا أن فكّرنا في هذا الجانب وقرَّرنا التعامل معه، ولكن الظرف الذي كنا فيه لم يمكّن البلاد من الاستمرار في التعامل معه، ولعل الظرف الذي أصبحنا نعيشه يمكِّننا من تنفيذ هذه السياسة التي هي جانب من جوانب المراجعة.

والمراجعة التي طال انتظارنا لها تشمل جوانب ثلاثة: الجانب الأول وهو المراجعة الدقيقة للوضع التعليمي، ودقة العناية بالمرحلة الابتدائية، لأنها أساس بناء النظام التعليمي، والجانب الثاني هو التفكير في الإقدام على اختيار اللغة الأجنبية الأولى التي هي الانجليزية التي ذكرها الرئيس في طرحه للسياسة اللغوية وقرر أن تُعطى لها مكانة متميزة في المرحلة الابتدائية لتمكين أجيالنا من لغة لها مكانتها العلمية والحضارية ودورها في الحياة التواصلية في العالم إلى جانب لغتنا الوطنية التي يجب أن تسترد مكانتها التاريخية في الحياة العلمية والبناء الحضاري الفني وتسيير الأمور الإدارية والمعالجة التقنية، مما يجب أن نسعى بكل عزم إلى تمكينها من كل الوظائف حتى في التعليم العالي لتحتل وضعها الثقافي الطبيعي وتسترجع حقها القانوني، وبهذا تصبح العربية الأداة المعتمدة في ترقية الوضع العلمي في البلاد في تكامل مع اللغة الانجليزية، وبهما تستطيع البلاد أن تنهض حضاريا وتنتج مجتمع المعرفة وصناعة المحيط الثقافي الذي يلائم تطلّعات الأجيال، فالسياسة اللغوية هي التي تحدد المبادئ والأدوار التي تُعطى للغة الوطنية والمساحة المخصصة للغة الأجنبية، وهذا يفرض أن يكون لنا استعداد تام لتنفيذ هذه الفكرة. إن الدور الذي تمارسه هذه اللغة في المرحلة الابتدائية يستمر في السنوات التي تتمّم المرحلة الإلزامية التي يشملها التعليم الأساسي الذي ما يزال العمل به مستمرا لأن القانون التوجيهي لم يلغِه، رغم أن الوزير الذي شكل القانونَ التوجيهي قد دعا إلى إلغائه، وقام بإجراء في هذا المجال، وحين نتصفح بنود القانون نجدها تحيي الوضع القديم الذي يتعامل مع الابتدائي والمتوسط، وبقاء المرحلتين مع بقاء الامتحان الفاصل بينهما يتنافى مع نظام التعليم الأساسي.

وهذا الذي شرحه القانون هو الذي تطبقه البلاد ويجب أن يراجَع ويصحَّح وهو جانبٌ مهم في المراجعة، والجانب الأول، والجانب الثاني هو مراجعة وضع التعليم الابتدائي. إن مراجعة هذه المرحلة تستوجب النظر في مضامين المقررات المبرمجة وفي عدد السنوات، وفي نوع المواد الأساسي التي يجب التركيز عليها وتحديد أسلوب تقديمها وذكر المواد التي ينبغي أن يؤجَّل تعليمها إلى ما بعد السنة الثالثة، وأهمّ ما يجب مراجعته هو عمل المعلمين في هذه المرحلة، لأن القانون يفرض أن يدرِّس المعلمون جميع المواد المقرَّرة في المرحلة وهي عديدة، ومعظم المعلمين لا يملكون القدرة العلمية والبيداغوجية التي تمكِّنهم من تدريس كل المواد، لذا يتعيّن توزيع المهام عليهم، بحيث يكلف بعضهم بتدريس كل المواد للسنتين الأولى والثانية، ويكلف باقي المعلمين بالتخصص في تدريس بعض الأقسام، إما المواد العلمية أو المواد الأدبية، والمواد العلمية تعني الرياضيات والعلوم والجغرافيا، والمواد الأدبية تعني العربية والتاريخ والتربية الإسلامية، وتتولى الإدارة مع المفتشين اختيار من هم مؤهلون لهذا الاختصاص أو لذاك، وقد يتلقون تدريبا أوليا مؤهلا.. هذه الخطة ثم تطبيقها في السابق وهي هامة ومفيدة ومعالِجة لضعف المستوى، هذه المراجعة الخاصة بالمرحلة الابتدائية تضاف هنا خاصة إلى تنفيذ اللغة الأجنبية، تدرج اللغة الأولى في السنة الثالثة وتدرج اللغة الثانية في السنة السادسة (الفاصل ثلاث سنوات).

ويتطلب التنفيذ عملية التكوين التي تستوجب استرجاع المعاهد التي تم إلغاؤُها مع فتح أقسام للتكوين في الثانويات، وهذا هو الجانب الثاني في المراجعة والجانب الثالث الذي تشمله الدعوة إلى المراجعة وضبط الوضع وهو الذي تثيره مناقشة الوضع التعليمي، وهو حاجة الميدان إلى هيئة عليا تصبح السند المرجعي للوزارة تتبع توجيهاته في مجال تنظيم عملها وضبط وِجهتها، ويمكن أن نعتمد للتعليق وتضيف إليه عملية التكوين لأنها أساسية في مجال تنظيم عملها وضبط خطتها وإتِّباع الوجهة السياسية التي تسير عليها في تطوير عملها وتسيير واقع التعليم، وبهذه الواجبات الثلاثة وهي: إدراج اللغة الانجليزية، ومراجعة المرحلة الابتدائية، وتشكيل هيئة سياسية للتوجيه السياسي والتربوي (مجلس أعلى للتربية) الذي يوجه الوزارة، فالاهتمام بهذه الجوانب الثلاثة التي طال انتظارنا لها يُطور نظام التعليم ويجعل اهتمامنا بهذا التطوير يساير ما يجري العمل به في النظم المتطورة.

هذا جانبٌ من الأمور التي طُرحت في نقاش مجلس الوزراء، ولكن برنامج العمل المطلوب لم يحدَّد في هذا الطرح الذي عبّر فيه الرئيس عن حرص النظام التعليمي على مراجعة الظروف التي يسير بها التعليم. كنا نودُّ أن يُطرح موضوع اللغة الأجنبية الأولى طرحا دقيقا ومفصلا، ويحدد تاريخ بداية الاستعداد والسنة التي يدرج فيها، ونرجو أن يُتدارك هذا في المجالس القادمة، أو يُسند إلى هيئة تكلَّف بالموضوع، لأنَّ الموضوع هامٌّ وعاجل، لأن الوزارة بحاجة إلى هذه الدراسة وإلى هذا النوع من المراجعة، فهي بحاجة إلى سند سياسي وعلمي وتربوي يقف بجانبها ويجدد القرارات المطلوبة، وهذا السند هو تشكيل الهيئة الموجِّهة للوزارة وهو الأمر المستعجل لأن بقاء الميدان بدون هيئة ترجع إليها الوزارة لا يعبر عن وضع تربوي ملائم، وقد عشنا هذا الوضع سنوات عديدة نتمنى أن لا يستمر.

بهذا تصبح العربية الأداة المعتمدة في ترقية الوضع العلمي في البلاد في تكامل مع اللغة الانجليزية، وبهما تستطيع البلاد أن تنهض حضاريا وتنتج مجتمع المعرفة وصناعة المحيط الثقافي الذي يلائم تطلّعات الأجيال، فالسياسة اللغوية هي التي تحدد المبادئ والأدوار التي تُعطى للغة الوطنية والمساحة المخصصة للغة الأجنبية، وهذا يفرض أن يكون لنا استعداد تام لتنفيذ هذه الفكرة.

هذه الجوانب الثلاثة التي استخلصتها مما أثير في النقاش حول نظام التربية، قد يظهر للبعض أن المسائل التي أثرتُها مبالغ فيها. وهي في الحقيقة ممكنة التطبيق، لأن ما ركزت عليه وقصدته هو الإشارة الدالة على تخلي الدولة عن جانب من مسؤولياتها في ضبط الجوانب السياسية الموجِّهة لنظام التعليم والداعمة لخطة الوزارة والضابطة لأعمال لجانها، وهي الملاحظة التي سبق أن عبَّرتُ عنها وأكدتها في مقالات سابقة وهي التي ذكَّرتُ فيها بالحقيقة التي يجب أن يدركها كل من تهمُّهم العناية بقطاع التربية، وهي الحقيقة التي أراها ماثلة في واقعنا، وهذه الحقيقة هي أن السياسة التي توجه نظام التربية وتضبط سياسته بدأ المسؤولون المنفذون لضبط التوجه السياسي يتخلون عن الاهتمام بها، وتحديد وجهتها منذ بداية الانفتاح السياسي، كنا في تلك الفترة منشغلين بتشكل لجان للإصلاح ومسايرة ما يطالب به الداعون إلى التغيير، والتقارير التي كانت تُنجز، لم تفتح لها الحكومة مجالا للنقاش، فاللجنة التي شكلها قاصدي مرباح عام 1989 أنجزت ما طلب منها ووضعت سبعة تقارير، لكن الحكومة لم تناقشها، والوضع نفسه عشناه في بداية الألفية الثالثة عام 2002 حين قدمت اللجنة التي شكلها الرئيس بوتفليقة تقريرها ولم يعرَض للمناقشة ولم تدرَس جوانبه التربوية، ولكن الوزارة بعد أن تلقت الأمر بالتنفيذ شرعت في تقديم الإجراءات الهادفة إلى التغيير وبدأت تنفذ ما تراه ملائما لوجهة التقرير، رغم أن ما طرحته في عدد من الإجراءات لم يرِد في التقرير، بل كان مخالفا لما نصت عليه النصوص الرسمية، والذي يؤكد هذا هو أنها بدأت بإلغاء بعض الجوانب الأساسية التي هي جزء من السياسة وإلغاؤها هدمٌ للسياسة، مثل إلغاء التعليم الأساسي، وإلغاء سياسة تكوين المعلمين وغيرهما، وهذا يدل على أن الوزارة كان لها هدف آخر غير تطبيق ما نص عليه التقرير.

بهذه الواجبات الثلاثة وهي: إدراج اللغة الانجليزية، ومراجعة المرحلة الابتدائية، وتشكيل هيئة سياسية للتوجيه السياسي والتربوي (مجلس أعلى للتربية) الذي يوجه الوزارة، فالاهتمام بهذه الجوانب الثلاثة التي طال انتظارنا لها يُطور نظام التعليم ويجعل اهتمامنا بهذا التطوير يساير ما يجري العمل به في النظم المتطورة.

وحينما ننتقل إلى ما قامت به الوزيرة بن غبريط لا نجد فيه ما له صلة بالسياسة الوطنية التي أكدتها النصوص، بل نجد ما دعت إليه ونفذته مغايرا لروح السياسة الوطنية، بل نجد بعضه مخالفا للاتجاه السياسي، ولكن البرلمان لم يعارض ما طرحته لذا قلت: إن الوزارة في السنوات الأخيرة فقدت الخط السياسي الذي ضبطته النصوص، وحينما نلخّص الوضع القائم نجد أن الوزارة فقدت الرؤية السياسية التي تهديها إلى الاتجاه الصحيح، وهذا ما جعلنا ننقد هذا الوضع الذي هزّ النظام هزا قويا وجعله يضطرب في سيره، وهذا ما فض المراجعة التي طلبها الرئيس في ملاحظاته حول الوضع التعليمي حين دعا إلى مراجعة الوضع والتركيز على أهم مرحلة وهي مرحلة التعليم القاعدي التي اقترح لها الرئيس أن تتبنى لغة أجنبية أخرى إضافة إلى اللغة الفرنسية التي تصبح اللغة الثانية، وهذا ما دفعني إلى مناقشة ما أثير في مجلس الوزراء وإبراز قيمة هذا الاقتراح الذي طرحه في مجال تطوير التعامل مع السياسة اللغوية، وهو إدراج تعليم اللغة الانجليزية في الابتدائي لتمكين المتعلمين من لغة تضعهم على عتبة الحياة الراقية والمستقبل الزاهر، إذا هيَّأنا الظروف التي تمكننا من تنفيذها.

هذه الخطة ثم تطبيقها في السابق وهي هامة ومفيدة ومعالِجة لضعف المستوى، هذه المراجعة الخاصة بالمرحلة الابتدائية تضاف هنا خاصة إلى تنفيذ اللغة الأجنبية، تدرج اللغة الأولى في السنة الثالثة وتدرج اللغة الثانية في السنة السادسة (الفاصل ثلاث سنوات).

إن هذا الاقتراح سيكون له أثر إيجابي فعال إذا دعمه التعليم العالي بجعل اللغة الانجليزية لغة تدريس التخصص العلمي والتكنولوجي الذي يهتم به أبناؤنا.

أردت بهذه المقالة أن أنبه المسؤولين وأوضح ما يجب اهتمام به، وهو أن موضوع نظام التعليم بحاجة إلى ثورة إصلاحية تعدّل الأوضاع وتضبط الأسس التي يبنى عليها مجتمع المعرفة ومستقبل الأجيال.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!