-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

القدم تهزم الأمة!

محمود بلحيمر
  • 6906
  • 6
القدم تهزم الأمة!

أيام قليلة من الشحن الإعلامي والتوجيه المخبري للجماهير كشفت عن واقع آخر مفاجئ للمثقفين والملاحظين وحتى للمواطن العادي؛ واقع يدعونا إلى إمعان النظر في أشياء كانت تساق في شكل مسلمات أو جرى ترتيبها في خانة المقدس وهي القول بأننا “إخوة” و”أشقاء” و”جسد واحد”…

  • وغيرها من الكلمات الجميلة التي تساق عند الحديث عن العلاقات الجزائرية المصرية (والعلاقات العربية ـ العربية عموما)، لكن الواقع ينطق بحقيقة أخرى تجلت، للأسف الشديد، في الخرجات التي صدرت من الإعلام المصري، الذي كان يقصف بالثقيل كل ما له علاقة بالجزائر (لا أريد إعادة سرد تفاهات المريض أديب وأصحابه).
  • وإن كنت أؤمن بأن ما يجمع الشعبين أكثر بكثير مما يفرقهما، لكن ما هو حاصل أن الذين استثمروا في التفرقة وفي شحن الجماهير لإنجاز أجندة سياسية تسلطية، نجحوا في هدم مشروع التلاقي والتضامن والعمل المشترك ولم يعثر لأنصار هذا الأخير على أي أثر، فلقد فرض الاستياء نفسه وحل الحقد والكراهية مكاني مشاعر القومية والأخوة…
  • كان بودنا أن نقف على نتيجة مغايرة، لكن ما سمعناه في القنوات التلفزيونية المصرية لا يدل على أن القوم متشبعون فعلا بالوعي القومي ومشاعر الأخوة العربية وحتى الأخوة التي يقرها الدين الإسلامي الحنيف. وإذا كانت مشاعر القومية هذه موجودة فهي هشة، إلى درجة أنها انهارت أمام مبارة كرة قدم ودخلنا في شبه حرب، وكما قال لي أحد الأصدقاء “الحمد لله ليس لدينا حدود مع مصر وإلا اندلعت حرب داحس والغبراء”!
  • وعند هذه النقطة ينبغي أن يكفّ العرب على الكذب عن أنفسهم، فهم ليسوا جسدا واحدا، وبعيدون أن يكونوا أمة واحدة، ربما هذا ما ينبغي أن يكون ويتمناه الكثير منا، لكن التنسيق والعمل العربي المشترك ضعيف على المستوى الرسمي، إن لم نقل منعدما، والتضامن وحسن المشاعر الذي كان موجودا على المستوى الشعبي تم تسميمه وحولته سياسات الأنظمة للهيمنة الدائمة على السلطة والنفوذ إلى كره وتوتر وصراع…
  • هذا الواقع المر يتطلب في نظري وقفة من قبل الباحثين والمثقفين ونشطاء المجتمع المدني والنخب المتنورة لبحث التراكمات التي قادت الشارع في مصر والجزائر إلى هذا الوضع، ولماذا انساقت المكونات الأخرى للمجتمع بما في ذلك السلطات السياسية في البلدين إلى ما انساقت إليه، وهي تعلم الخسائر التي تنجم عن تسييس الكرة بهذه الكيفية.   
  • هذه القضية بيّنت أن السلطة انفردت بالشارع فهي قادرة على تدويره كيفما تشاء حتى يثور كالبركان الجارف ليأتي على الأخضر واليابس لأنها حبسته في وضعية “القابلية للاستغباء أو القابلية للاستحمار”. الآن نحن أمام شرخ كبير في العلاقات بين مصر والجزائر؛ جرح كبير ودامٍ من الصعب تصور علاج سريع له؛ هذا هو حصاد أنظمة غير ديمقراطية ترى أنه ليس من مصلحتها الاستثمار في القواسم المشتركة بين العرب، بل الأفيد أن تستثمر في التفرقة والتحريض على عدو وهمي. الغرض واضح وهو الحصول على قدر معيّن من الشرعية “الثأر للكرامة المهدورة (زعما)” لأنه يتعذر كسب تلك الشرعية عبر المدخل الديمقراطي المؤسساتي، ولا حتى كسب شرعية ورضا مجتمعي من خلال مشاريع تنموية وطنية كبرى، كما أنه لا مجال للتنويم الإيديولوجي في القرن الواحد والعشرين… وهكذا يبرز التخلف الديمقراطي كسبب رئيسي للهزيمة التي حلت بـ”المشروع الوحدوي العربي” عندما تصاب الأنظمة بالعمى فتطبق منطق “السلطة وبعدي الطوفان”… لا يهم التعاون والمشاريع المشتركة والاستثمارات والعلاقات التجارية وغيرها، مقابلة كرة قدم قبل كل شيء والسلطة قبل كل شيء!
  • التوتر الحاصل في العلاقات بين البلدين يتحمله الجانب المصري أساسا، ليس فقط لأنه حمل المقابلة الرياضية بين فريقي البلدين أكثر مما تستحق وسكت عن قنوات تلفزيونية، أو أوعز لها، بأن تلهب الشارع المصري ضد الجزائر، ولكن لأن السلطات المصرية أقبلت على خطوات رسمية بشأن علاقاتها مع الجزائر، منها قرار اللجنة الأولمبية بمقاطعة الجزائر رياضيا وتعليق التبادل الشبابي، مما سيدفع الجزائر إلى المعاملة بالمثل إذا لم يسجل تراجع مصري عن هذه الخطوات، وهذا من شأنه أن يؤدي بالتوتر إلى نقطة اللاّرجوع.
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
6
  • ahmed saleh

    شكرا للأعلام الجزائرى و مثيله المصرى
    و ان شاء الله لو قامت حرب قريبة هيبقى انتم السبب
    اللى يشفكوا كده و انتم عملين رجالة ما يشفكومش و انتم بتهاجموا اسرائيل
    و يا ريت تتقوا الله بقا و ترحموا الناس

  • mourad

    سيدي الفاضل لقد أوجزت و أصبت في الصميم .
    لكن أريد أن أضيف إلى ما قلت قولا ربما تصدم به . و هي آخر الخرجات " المصرائيلية " و ليست المصرية و هي أن أحد مشايخ الأزهر هجم هجوما شرسا و غير مؤدب على الفريق الوطني و كأنه يهاجم العدو الصهيوني بألفاظ أقل ما يقال عنها أنها بذيئة لا يعقل أن تصدر عن مثل من يزعمون الإنتماء إلى هذه المؤسسة التي خرجت أعمدة الأمة .
    هذه الصور الفاضحة للشخصية المصرية المعاصرة لا أرى لها تفسيرا منطقيا سوى أنها إما انسياق أعمى وراء إعلام مداهن و (( قواد )) ـ عذرا على اللفظ ـ لنظام متهالك .
    فإذا صح هذا التفسير فعلى مصر السلام ....
    أو أن كل هذه النخبة المزعومة تغضب لغضب الرئيس و ابنيه
    و تفعل المستحيل لترضيهم و إلا بماذا نفسر الصمت الرسمي المصري و ترك مجموعة من "العيال و المراهقين " يرسمون صورة مصر بريشة مغموسة في " الزفت و الوحل "ـ حاشاكم ـ
    إذا هؤلاء من ينتظرهم المصريون ليحكموهم فهنيئا لهم و ألف ألف مبروك .

  • سامي أبو الحسن(مصري محب للجزائريين والعرب

    السلام عليكم ورحمة الله وكل عام وانتم بخير ..إخوتي و أخواتي في مصر والجزائر .. يكفي هذا القدر من تمزق وشرخ بين شعبين شقيقين ،، لا تتحدثوا عن هذا الموضوع ،، أتوسل إليكم ،، بالتأكيد توجد جهات من مصلحتها أن يتم هذا العداء بين الأخوه .. إنها كانت فقط مباراه كرة قدم وإنتهت ،، لقد أصبحنا جميعآ إضحوكة العالم .. هيا يا أولاد المليون ونصف شهيد دعونا نتصالح،، يجمعنا الإسلام والدم والأقصى

  • hussam zaki

    خلينا ننسى الماتش
    خلينا ننسى الصحافى السيئة فى البلدين
    لكن عندى سؤال واحد هل أنتم راضين على ماحدث بالخرطوم
    ومن هؤلاء القوم؟

  • جمال

    لعلني فهمت لماذا لم ينتفض الشعب المصري للاحداث الجسام التي مرت بها الامة عند غزو العراق و لبنان و غزة الا باحتجاجات محتشمة من طرف بعض الاطراف في حين نجد الجماهير ثائرة من اندنوسيا وماليزيا وتركيا وباكستان مرورا بالدول العربية في المشرق و المغرب. انه الاحساس بالانتماء للامة والمسؤولية المترتبة على ذلك، هذا الاحساس و الشعور النبيل تم طمسه من طرف السلطة واعوانها من الاعلاميين و الفنانين و المستفيدين من السلطة عبر مدة طويلة تمتد الى ماقبل تولي "حسني مبارك" السلطة ، الى فترة البدايات الاولى للاتصالات مع "اسرائيل" في عهد "السادات" ، ولعل المقاطعة العربية لهم بعد المعاهدة المشؤومة زادت للسلطة قوة للاستفراد بالشعب و تكوين نخبة وجيل على المقاس ، نحن"العرب" الان نجني مواقفها وافعالها السلبية ، والاكيد ان السلطلة هناك سعيدة بهذه النتائج ،لانها ضمنت الجماهير بحيث يمكن تحريكها او اسكاتها متى تشاء . والى ان يثبت العكس نقول لاسرائيل واصدقاءها "مبارك عليكم ".

  • إبن الأوراس الأشم

    أما آن لصوت العقل أن يعلو؟
    إن ما يجري الآن بين مصر والجزائر شيء يندى له الجبين وتقشعر له الأبدان ،كيف لا وهو يحطم علاقات ويقطع وشائج ويهد بناءا طالما شيد بتضحيات جسام ملؤها الجماجم والأشلاء والدماء الزكية الطاهرة ،أما آن للعقلاء من أبناء البلدين وغيرهم أن يتدخلوا لإطفاء لهيب هذه الحرب المندلعة بين أشقاء ما يجمعهم أكثر مما يفرقهم ،هذه الحرب التي ليس فيها رابح من الطرفين بالتأكيد ،والرابح فيها هو العدو ليس إلا فالذاهب إلى كأس العالم حتى وإن فاز بها لايغير شيئا من الواقع المتردي للأمة فلم إذا هذا التهارش ؟ولم هذه الطبول؟ ...أرى وأقول صادقا ليس بد من تدخل العقلاء لإطفاء نار هذه الفتنة التي إن تركت فسوف تأتي على كل أخضر ويابس ،وأنصح إخواني في الجزائر ألا يشاهدوا القنوات التي تسعى للإيقاع بين الشعبين فإنها بمثابة سعاة بريد للشيطان ،وأنا على يقين لو أننا قاطعناها لسكتت وكفت عن زرع فتنتها . فالله الله ياإخوة في الوحدة وفي الأخوة فإن الله سائلنا يوم القيامة (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا)