-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

القوة التركية الناعمة

حسان زهار
  • 780
  • 0
القوة التركية الناعمة

ليس صحيحا أن الفن منفصل عن السياسة، أو أن أهل السياسة ينبغي أن يكونوا أعداء لأهل الفن، وأي محاولة بائسة للفصل بينهما، كما يحدث في كثير من الدول العربية، معناه قطع أي أمل في النهوض الحضاري، وهو الأمر الذي أدركته واستوعبته بدقة الكثير من الأمم والشعوب الواعية، التي مازجت بين قوتها العسكرية والاقتصادية، وبين ما يسمى بـ”القوة الناعمة” لديها، على غرار ما شهدناه ونشهده من قوة وسطوع في السينما الأمريكية (هوليود)، والصعود المبهر حاليا للسينما في كل من الهند (بوليود) وتركيا.

غير أن التجربة التركية، بما أنها الأقرب إلينا كجزائريين، من حيث الانتشار والتأثير، بدأت في المدة الأخيرة، تعطي أبرز مثال عن هذا الارتباط الوثيق بين الفن والسياسة، عبر ما نشهده الآن من تحول تدريجي، لكنه مدروس ومبهر، من المسلسلات الغرامية فائقة التأثير، خاصة في العنصر النسوي، إلى المسلسلات التاريخية، ذات الأبعاد السياسية والدينية والحضارية، والتي أثبتت بدورها أن المتلقي العربي، ليس أسيرا فقط كما يعتقد الكثيرون للمشاهد “الغريزية”، بقدر ما أنه متعطش أيضا، وربما بدرجة أكبر، للفن الراقي الذي يخاطب عقله، ويستثير فيه نوازع البطولة، في ظل واقع تحكمه الهزيمة والضياع.

إن القوة التركية الناعمة، التي تفاجئنا اليوم بهذا الكم الهائل من الإبداع السينمائي والدرامي، وهذا التوجه الجديد نحو إحياء بطولات الأمة الاسلامية في زمن النكبات هذا، على غرار النجاح منقطع النظير لمسلسل “قيامة أرطغرل”، الذي تجاوز عدد متابعيه لحد الآن 200 مليون متابع، والذي حضر تصويره الرئيس أردوغان بنفسه، تجعل من تركيا، البلد الذي أراد له الغرب أن يكون بلدا علمانيا منفصلا عن تاريخه ودينه، بلدا يضج بحلم القيامة بعد السقوط، ليقف الفنانون في هذا البلد، إلى جانب السياسيين، في مقدمة الحالمين بعودة الروح الأمبراطورية، وسيادة العالم من جديد.

من هنا، ليس عبثا أن تنتج الهند ما بين 700 إلى 800 فيلم سنويا، وأن تكون لها خطتها في غزو العالم ثقافيا، كما فعل من قبل الأمريكان والأوربيين، وهو الأمر ذاته، مع الكثير من الخصوصية، يقوم به الأتراك أيضا، الذين كانوا في القرون الماضية يصنعون الملاحم الحربية بالقوة (الانكشارية) الضاربة، وهم الآن يصنعون الملاحم الفنية والدرامية، عبر (الانكشارية الفنية)، من نجوم ونجمات وسيناريو وإخراج وماكياج وإنتاج وإبداع سيطر ليس فقط على ليالي المراهقين والمراهقات العرب، بل وعلى المخيال الجمعي للعائلات العربية بأكملها.

فهل يستقيظ العرب من سباتهم الذي طال، فيتحرر الفن من دكتاتورية السياسة إلى ديمقراطيتها، فتتخلص السينما المصرية من رداءتها، والدراما السورية من “فئويتها”؟ وهل تأخذ السينما الجزائرية التي فقدت الكثير من بريقها في العقدين الماضيين العبرة مما يجري حولها عبر العالم، وتخرج من دائرة (الزعاقة) وانتاج السكاتشات البليدة؟ أم أننا سنبقى إلى ما شاء الله، مجرد مستهلكين لما ينتجه غيرنا، منتظرين إلى جانب شحنات القمح “والبانان” في موانئنا، آخر إنتاجات وإصدارات الآخر الفنية والسينمائية؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!