-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

المدارس العليا للأساتذة: المادة الرابعة!!

المدارس العليا للأساتذة: المادة الرابعة!!
أرشيف

ليس هناك شك في أن وضع المدارس العليا للأساتذة صار يخفي الكثير من النوايا غير المعلنة التي لا تريد خيرا لهذه المؤسسات! وإلا كيف يدخل الطلبة في حالة إضراب منذ شهر نوفمبر ولا يحرك ذلك ساكنا لكبار المسؤولين في الدولة؟ طلبة هذه المدارس يُعدُّون بعشرات الآلاف، وهو ما يعادل حجم جامعتين أو عدة مراكز جامعية. ومن هذه المدارس ما مضى على فتحها قرن ونصف، ومنها ما فتح أبوابه غداة الاستقلال قبل كل الجامعات الجزائرية إذا استثنينا واحدة منها… كل ذلك لضمان التكوين الجيد للمكونين في مراحل التعليم الثلاث الابتدائي والمتوسط والثانوي.

كيف كان الحال؟

بعد الاستقلال كان الطالب في المدرسة العليا للأساتذة يُختار من أفضل الطلبة ويلتزم بإنهاء شهادة الليسانس في ظرف 3 سنوات -بدل 4 سنوات للطلاب الآخرين بالجامعة- ثم تُخصص له السنة الرابعة كلها للتدريب الميداني ولدروس حول البيداغوجيات والتربية وعلم النفس.
وكان الطالب آنذاك يتقاضى شبه راتب منذ السنة الجامعية الأولى حتى يصل إلى راتب أستاذ متربص في السنة الرابعة! وكل هذا يتم بمقتضى عقد يبرم بين الطالب ووزارة التربية يلتزم فيها الطالب بالعمل في وزارة التربية لمدة 7 سنوات أو أن يعيد ما دُفع له من شبه راتب خلال السنوات الأربع. والجدير بالذكر أن وزارة التربية تغض الطرف إذا ما فضّل الطالب مواصلة الدراسة العليا والالتحاق بالتعليم العالي.
ظل العمل بهذه الصيغة حتى منتصف السبعينيات تقريبا. ثم تغيرت الطريقة عدة مرات منذ ذلك التاريخ فكان يلغى شبه الراتب أحيانا، وأحيانا أخرى تُخفض قيمته. كما تغيّر نمط الدراسة حين أصبحت المدارس مستقلة عن الجامعة في نهاية السبعينيات. وتطور هذه المدارس جعلها تحسّن من مكانتها ودورها، وصارت تضمن كل أنواع التكوين بما فيه التكوين ما بعد التدرج، وقد ضاهى نشاطها نشاط أقدم الجامعات في البلاد.
ومنذ بداية هذا القرن صار الطالب الحاصل على البكالوريا يُقبل في هذه المدارس بعد إجراء مقابلة انتقاء شريطة أن يكون معدله في البكالوريا مرموقا، ولا يتقاضى أي راتب بل يكتفي بالمنحة الدراسية المتاحة لجميع الطلبة الجامعيين. وما يميّزه عن غيره من الطلبة أنه يبرم عقدا مع وزارة التربية ملزما للطرفين.
والطريقة المتبعة تتمثل في أن الطالب يبرم العقد خلال سنته الجامعية الأولى، أما الوزارة فتسلم إليه العقد بعد توقيعه خلال سنة التخرج (السنة الثالثة للبعض، والرابعة والخامسة للآخرين).

المادة الرابعة من العقد

في العقد الذي يربط الطالب بوزارة التربية الوطنية نجد مواده السبع لا جدال فيها باستثناء المادة الرابعة. والمادة الرابعة هي التي أشعلت نار هذه الاحتجاجات التي طال أمدها. إليك نص هذه المادة : << تلتزم وزارة التربية الوطنية بتعيين الطالب المتعاقد عند نهاية تكوينه حسب العنوان الأصلي المدوّن في عقد الالتزام >>. وهذا يعني أن وزارة التربية ملزمة بأمرين : 1) توظيف الطالب المتخرج فور إنهاء دراسته؛ 2) توظيفه يكون في ولايته (عنوانه الأصلي).
وبطبيعة الحال فضمان التوظيف بعد التخرج يجلب الكثير من قاصدي المدارس العليا سيما الطالبات، رغم أن ظروف التعليم المتردية تنفّر الكثير من الحاصلين على البكالوريا. وفضلا عن ذلك فإن ضمان التوظيف في مسقط الرأس يزيد في الطلب على الانتساب إلى المدارس العليا. بعبارة أخرى فإن المادة الرابعة والتزام الوزارة الوارد في نصها هو بيت القصيد في العقد… وأي إخلال بهذه المادة يفرغ العقد من محتواه جزئيا أو كليا.
وما حدث مؤخرا (منذ حوالي سنتين) أن وزارة التربية راجعت محتوى المادة الرابعة وأصدرتها بالصيغة التالية دون سابق إنذار ودون استشارة أي طرف: << تلتزم وزارة التربية الوطنية بتعيين الطالب المتعاقد عند نهاية تكوينه في حدود المناصب المالية والبيداغوجية المتاحة حسب مادة الاختصاص >> !!
إن أي قارئ لهذه الصيغة الجديدة يفهم بدون عناء بأن وزارة التربية أسقطت الالتزامين الواردين فيها (الالتزام بتوظيف المتخرج وثم التنصل من توظيفه في مسقط رأسه)! بماذا تلتزم وزارة التربية إذا لم تضمن الوظيفة للطالب المتخرج؟! كنا نتفهم بعض الظروف لوزارة التربية لو اكتفت بالقول أنها لا تضمن التوظيف في مسقط الرأس لقيود لم تكن في حسبانها.
سؤال لرجال ونساء القانون والسياسة وللعقلاء والعاقلات في البلاد : هل يجوز لمتعاقديْن أن يبرما عقدا على الصيغة الأولى، ثم بعد سنوات (من 3 إلى 5 سنوات) يفرض أحدهما على الآخر الصيغة الثانية التي تهضم كل حقوقه؟! لو كان الأمر بين مواطنيْن اثنين لحكم القاضي بعدم الشرعية ولأمر بردع المعتدي بالغرامات والسجون! لكن الأمر هنا يتعلق بعقد بين طالب علم تفوّق في البكالوريا ويريد بناء مستقبله فرأى أنه من مصلحته أن يبرم عقدا فيه ضمانات توظيف، وبين وزارة تابعة لحكومة، وأية وزارة؟ إنها وزارة “التربية” الوطنية (نعم “التربية”)… “التربية” التي تريد الوزارة تلقينها للأجيال، وهي أول من يدوس عليها بدون رقيب ولا حسيب، فتنقض عهودها مع من تم تكوينه لتولي “تربية” الأطفال والتلاميذ.
سمعنا من مسؤولي وزارة التربية أنهم يضمنون الأولوية في التوظيف لخريجي المدارس العليا!! لكن من يصدق الآن هؤلاء المسؤولين بعد أن أثبتت هذه الوزارة عدم تقيّدها بأدنى أخلاقيات العقود الموثقة؟
إن الأمر يحتاج إلى تدخل سريع لمن له سلطة القرار لتوضيح الرؤية للجميع، والعمل على وقف تعفن الأوضاع. فهذا يندرج ضمن صلاحيات السلطات العليا حفاظا على مصداقيتها وهيبتها! إذا لم يتم ذلك في أقرب الآجال فهذا يعني أن هناك إرادة مبيّتة للإساءة إلى المؤسسة التربوية. ومن يريد المؤسسة التربوية بسوء فهو العدو المبين للتلميذ والمعلم وولي الأمر ولجميع المواطنين.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
12
  • أبو بكر خالد سعد الله

    إلى المعقب "مجيد"
    لاحظ أن لفظ "الإضراب" لم يأت ذكره أصلا في المقال، ولم أحكم على شرعيته، لأن قناعتي الراسخة بكل بساطة تجعلني ضد الإضرابات في كل القطاعات، سيما في التعليم. وهذا ما أحدث به طلبتي دائما عندما أُسأل موضحا لهم الأسباب. لكني أرى نفسي متضامنا مع احتجاج المظلوم (وهناك فرق بين الاحتجاج والإضراب) والمطالبة بحقوقه. وفي هذا الباب أعتبر أن طلبة المدارس العليا قد ظُلموا خلال السنوات الماضية من طرف السلطات الوصية أكثر من مرة.
    إن كان بإمكانك أن تثبت العكس فستكون مشكورا.

  • أبو بكر خالد سعد الله

    إلى المعقب "مجيد"
    شكرا على التعقيب الذي لا أوافق مضمونه لأنه لا يتفق مع المنطق السليم ومع منطق العقود المبرمة بين الشركاء. لم آت بجديد في المقال سوى أني وضعت أمام القارئ نصي المادة الرابعة للعقد. النص الأول يلتزم بأمرين (التوظيف غير المشروط، وفي العنوان الأصلي)، أما النص الثاني فلا يلتزم بأي شيء سوى بالتوظيف المشروط بوجود المنصب !!
    لم أطلع على المرسوم التنفيذي الذي تتكلم عنه، لكني أقول أنه إن كان ينص على عكس ما جاء في العقد المبرم بين وزارة التربية وطلاب المدارس فهذا أدهى وأمر !!
    يتبع

  • مجيد/ باتنة

    تحيا الجزائر

  • مجيد

    استاذ لما تغالط الطلبة وتقوم بتالبيهم ضد معالي الوزيرة وضد وزارة التربية الوطنية لان الغاء او تحيين او تعديل البند الرابع من عقد التزام ليس مخالفا للمرسوم التنفيذي رقم :08/ 315المعدل والمتمم الذي ينص على توظيف الاساتذة المنخرجون من المدارس العليا للاساتذة والحاصلون على شهادة استاذ.. الخ الابتدائي :1/43 ــ المتوسط 1/56 ــ الثانوي :1/71 ولم ينص على التوظيف الفوري او داخل الولاية او خارجها وبالتالي البند الرابع من عقد التزام مخالف للقانون وعليه فاضراب الطلبة غير قانوني ومطلبهم غير قانوني ومسيراتهم غير قانونية ومطالبتهم بتوظيفهم في قراهم رغم انهم طلبة لم يتخرجوا بعد وليس لهم صفة استاذ

  • مواطن فاطن

    يحكى في الزمن الغابر ان المرحوم بورقيبه (الحكيم) اسدى نصحا للزعيم الليبي الهالك معمر القذافي بان يرقى بالتعليم و التربية في بلده خاصة ان شعبه قليل و موارده كثيره فاجابه البدوي الدكتاتور انه يخاف ثورتهم عليه اذا تعلموا و انتشر الوعي بينهم فرد عليه ردا حكيما و خالدا "لان يثور عليك شعب متعلم خير لك من ان يثور عليك شعب جاهل" و الحديث قياس كما يقولون اما التعليم في بلدنا فانت تعلم يا استاذ اكثر من كل الناس انه مستهدف فالامام ابن باديس رحمه الله و تجربته الرائده في بعث النهظة الجزائريه ارتكز ت علي التعليم و التربية و بهما نشر الوعي.

  • إسماعيل معاش

    في الختام قل هو الحركي والسلام ولو كنا أيام الثورة لحكم عليه بالإعدام.

  • الطيب / الجزائر

    عندما يتفرق دم الضحية بين القبائل !
    الطاهر يقول نحن نكون و التوظيف " خطينا " !
    و نورية تقول نحن نوظف من كل الجامعات و مشكل طلبة المدارس العليا " لا يعنينا " !

  • عبد الله

    أرى أنه يجب إيجاد حل بالتراضي مع الطلبة الحاليين وإلغاء العقد تماما ابتداء من الدفعة المقبلة. يجب إبقاء اﻷولية لطلبة مدارس اﻷساتذة والعمل على تكوين مايكفي من اﻷساتذة في هذه المدارس لتغطية اﻹحتياجات الوطنية. يجب تفادي توظيف اﻷساتذة من اﻹختصاصات الجامعية اﻷخرى ﻷن خريجيها لم يتلقوا التكوين البيداغوجي الكافي. في المقابل الحكومة رخصت للمدارس الخاصة فطلاب المدارس العليا في نفس وضعية كل خريجي الجامعات الجزائرية، و تمييزهم بعقود عمل مسبقة غير مبرر. وإذا تكلمنا عن المستوى، فمستوى طلاب الصيدلة والطب أعلى من مستوى طلاب مدارس اﻷساتذة، هذا ناهيك عن المدرسة الوطنية للإعلام الآلي و المدرسة متعددة التقنيات.

  • ناقم

    أتباع فرنسا في الجزائر يعبثون في قطاع التربية والتعليم على مدى أكثر من عقدين بدون حسيب ولا رقيب لتحطيمه وتخريج أجيال ضعيفة المستوى علميا ومنهارة أخلاقيا وهذا لتمكين فرنسا من بسط نفوذها في الجزائر على كل الصعد والمستويات وهذا واضح لكل مراقب لاوضاع هذا القطاع الحساس.

  • جزائري - الجزائر

    نظراً لخبرة وإلمام الأستاذ سعد الله بالشأن التربوي في الظفتين...والله لوددت أن يتفضل الأستاذ ويطلعنا بشكل مفصل عن كيفية تكوين،إعداد وتوظيف أساتذة التعليم بكل أطواره : ابتدائي، متوسط، ثانوي وحتى جامعي في فرنسا ويعطينا نبذة تاريخية عن تطور هذا التكوين وكيف يتم بالتدقيق. ثم يجري مقارنة بين مساري تكوين المعلمين والأساتذة بين فرنسا والجزائر....وله ألف شكر مسبقاً.

  • Abou safouane

    يا أستاذ نظرا لأن ضمان المنصب في الولاية الأصلية أحيانا صعب بسبب عدم توفر المنصب 100% لجأت وزارة التربية إلى تعديل المادة 4
    وهذا لا يعني أن وزارة التربية أخلت بالعقد لأن المرسوم 315/8 خاصة المادتان 57 و 71 واضحتان أي أن الأسبقية لخريجي المدارس العيا ثم ليأتي الناجحون في المسابقة . حتى وإن فرضنا أننا سنعدل المادة 4 وتصبح كما يلي <> هل ستحل المشكلة مع نقص المناصب مستقبلا ؟ عندئذ سنكون مخليين بالعقد فعلا
    كما أن الذين يعانون من المشكل فلا يتجاوز 10% بسبب انعدام التنسيق بين الوزارتين وتأسيس لجنة مشتركة هو أكثر من ضرورة اتركوها تعمل
    الرجاء التبين والتأكد قبل الحكم

  • جزائري - الجزائر

    الأمر في غاية الوضوح...المادة الرابعة سبب مفتعل لتصفية المدارس العليا ...ضمن مخطط تجفيف منابع الكفاءة ...عندما تعم الرداءة يسهل جر القطيع....