-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

بين الحركة الإسلامية والإسلام السياسي

التهامي مجوري
  • 2394
  • 12
بين الحركة الإسلامية والإسلام السياسي

منذ منتصف القرن الثامن عشر، والعالم يتكلم عن الإسلام، بوصفه منظومة عقدية ثقافية اجتماعية، منافسة لمنظومة الغرب في جميع مناحي الحياة، أطلق عليها يومها مصطلح: “الحركة الإصلاحية”. وهذا المصطلح وإن كان متداول بين السياسيين والأكاديميين، كتعبير عن “الحلول الترقيعية” في مقابل الاتجاه الثوري الارديكالي صاحب الحلول الجذرية، إلا أن مفهومه في الأدبيات الإسلامية، مشتق من معنى الصلاح والصلح والإصلاح، ومستمد من نهج الأنبياء في التغيير الاجتماعي والسياسي (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله).

ولكن ابتداء من خمسينيات وستينيات القرن الماضي، عندما انفصل التيار الوطني والقومي، عن التيار الإسلامي وبروز تباين المرجعيات بين التيارين، حيث كان لكل منهما مرجعياته.

فالتيار الإسلامي ينطلق في تنظيره لواقع العالم الإسلامي من المرجعية الإسلامية، بينما التيارات الوطنية القومية انطلقت من مرجعيات أخرى حداثية لا يتناسب توجهها وطموحات العالم الإسلامي الاستقلالية، ولكن التفوق الغربي على الواقع العربي الإسلامي المهزوز، جعل من تلك التوجهات الوطنية والقومية، تميل إلى تقليد تلك التجارب الناجحة !! أما الماضي وجذوره ومبادئه وأصوله، فهي عند أولئك الحداثيين من الوطنيين والقوميين ماضي غير مأسوف عليه، اما عند الإسلاميين فهو ثوابت لا ينبغي التخلي عنها والتفريط فيها.

في هذا الواقع على الأرض الذي فرضته حركة المجتمع الإسلامي، استبدل مصطلح “الحركة الإصلاحية”، بمصطلح “الحركة الإسلامية”، “الصحوة الإسلامية”، وتعني بذلك الارتباط المصيري بالإسلام على حد تعبير الكاتب السوري خالص جلبي، حيث ان المنتمي للحركة الإسلامية، يشعر أن قضية الإسلام وهيمنته على الحياة في المجتمع الإسلامي، ضرورة الضرورات في الواقع، ومن ثم انحدر واقع العالم الإسلامي من المنظور الكلي الشامل الذي يعمل على الإصلاح الشامل على مستوى الفكر والثقافة والتربية والتعليم، إلى مستوى النضال السياسي الجزئي، وتحول بذلك الخطاب من تحميل المجتمع مسؤولية إصلاح نفسه ليصلح الله ما به من ضعف وهزائم، (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، إلى تعليق جميع هموم الأمة على الجانب السياسي وحده، بحيث بدا لبعض التوجهات أن سقوط الخلافة الإسلامية هو سبب هزائم المسلمين كلها، ومن ثم فإن أي خطوة لنهضة المسلمين لا بد من أن تمر عبر إقامة الخلافة!! رغم أن معاناة الأمة كانت قبل سقوط الخلافة بقرون.

وهذه التحولات لم تمر في تغيرها وفي شيوع مفاهيمها، بمراحل تطورية أو وفق سلم تراجع مطرد، وإنما كانت عبارة عن قفزات لا توحي بشيء يفهم منه ان الحركة الإصلاحية أو الحركة الإسلامية، قد هضمت هذه المرحلة أو تلك بمتطلباتها وفهم مقتضياتها، وإنما كانت في حراكها المستمر خاضعة لانفعالات وردود أفعال سريعة على تحديات أقوى وأدق من استعدادات القادة الإسلاميين، في واقع ما يفرض من قيم تجابه بها هذه التحديات، الفهم والدراسة للفعل ورد الفعل وما ينتج عنهما.

وتحت ضربات هذه التحديات وعنفوانها، انقسمت الحركة الإسلامية إلى توجهات مختلفة ومتنوعة، بسبب فشل الكثير من المحاولات الإصلاحية في مجالات مختلفة، واهم توجهين رئيسيين من تلك التوجهات المختلفة والمتنوعة، التوجه الأول هو التوجه الدعوي الإصلاحي بما تبنَّى من بقايا الخط الإصلاحي الشامل، والتوجه الثاني هو التوجه السياسي الذي نما وترعرع في ظل الصراع بين السلطة الوطنية وأبناء الحركة الإسلامية، في السودان ومصر وسوريا وتونس والجزائر….، وهو التيار الذي نعت فيما بعد بالتيار الأصولي، قياسا على الأصولية النصرانية في الغرب، وأخيرا لإسلام السياسي، ثم تفرع عن ذينك التوجهين، جملة من الخيارات الجزئية. فالتيار الدعوي شمل الدعوة والتبليغ والتيار السلفي والحركات الصوفية والحكات الفكرية المتنوعة، أما التيار السياسي فقد شمل الأحزاب السياسية، والحركات الجهادية، وإلى ما هنالك من الأسماء والمسميات.

إن مفهوم الحركة الإسلامية الأصيل هو الارتباط المصيري بالإسلام، والنضال في سبيل اعتماده كعمق عقدي حضاري للأمة الإسلامية، التي لا تنهض إلا به، ولا تسعد في الدنيا والآخرة إلا باعتماده، مرجعا أساسيا في هذه الحياة، “لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به اولها”، أما الإسلام السياسي فهو وجه من وجوه النضال بمرجعية الإسلام في مواجهة الغرب وطروحاته..، والفرق بينهما، فرق بين خصوص وعموم، فالنضال الدعوي، هو العام والكل، عمل تثقيفي تربوي إصلاحي لا حد له ولا لمجالاته النضالية، بينما الفعل السياسي الذي لا يمثل إلا مجال من مجالاته الكبيرة الواسعة. ومن ثم فهو جزء من أجزاء النضال ومقاومة الفساد.

لقد كانت آمال الكثير من أبناء الحركة الإسلامية معلقة على النضال السياسي؛ بل إن بعضهم يتهم من لا يعطي الأولوية للفعل السياسي، على اعتبار أن الوصول إلى السلطة هو الذي يمكِّن للإسلام من إقامة نظمه “يزع الله بالسلطان ما لا يزع بالقرآن”، ولكن التجربة الإسلامية –على الأقل- منذ خمسينيات القرن الماضي، أثبتت أو الأولوية الحقيقية للعمل الدعوي على السياسي؛ لأن نجاح العمل السياسي مرهون بالوعاء الانتخابي والقاعدة النضالية، وهذا الوعاء وتلك القاعدة، لا يمكن أن يبنيهما الخطاب السياسي وحده، لا سيما وأن الخطاب الإسلامي ليس مجرد مشروع سياسي منافس لمشروع سياسي آخر مماثل، وإنما هو خطاب هداية، وخطاب مقاومة لثقافة سائدة وحضارة مهيمنة… وإذا كانت الحركة الوطنية والقومية قد حققت الاستقلال العسكري والسياسي، فإن الحركة الإسلامية هي المشروع المكمل للاستقلال السياسي والعسكري بعديه الثقافي والحضاري، الذي حققته المجتمعات الإسلامية على الاستعمار الغربي.

لا شك ان الجانبين مطلوبين على كل حال؛ لأن الاهتمام بالشأن العام من ضرورات الحياة، والعمل الدعوي وكذلك النشاط السياسي، كلاهما من الاهتمام بالشأن العام، ولكن الفرق بينهما، ان أحدهما فعل آني وسريع الظهور والاختفاء، والآخر بطيء وثابت ومثمر، ولذلك نجد أن الكثير من الحركات الإسلامية قد فرقت بين العمل السياسي الذي هو اهتمام بالشأن العام الآني والاهتمام بالشأن العام الاستراتيجي.. فأُنْشِئَتْ أحزابٌ سياسية للنضال السياسي الحزبي من أجل الوصول إلى السلطة، للمساهمة في التنمية السياسية والاقتصادية، وجمعيات وجماعات من أجل العمل العميق الهادف إلى التغيير الإجتماعي.

لا شك أن خصوم الإسلاميين لا يفرقون بين هذا وهذا، ما دام الجذر واحد، وهو المرجعية الإسلامية، وهو كذلك بالفعل، إلا أن هؤلاء الخصوم بكل أسف ينطلقون من منطق عدائي؛ لأنهم أصحاب مشروع مختلف، فهم لا يفرقون بين “جماعة الدعوة والتبليغ” مثلا وبين “القاعدة”، ويطلقون على الجميع “الأصوليون” أو “الإسلام السياسي”؛ لأنهما ينتميان إلا خط وخلفية فكرية واحدة، أي المرجعية الإسلامية. بينما الأمر عند العاقل يحتاج إلى شيء من الإنصاف؛ لأن المنتمي إلى المرجعية الإسلامية فيه المغالي والمعتدل، وفيه المخطئ والمصيب، مثل الخصم أيضا، يوجد الخصم المغالي والمعتدل.

اما التفريق عند المناضل الإسلامي هو تفريق منهجي من أجل الوصول إلى الأنفع والأصل، ومن اجل تحقيق المصلح ودرء المفاسد… فالخطاب الأصيل هو هداية البشر إلى صراط اله المستقيم، اما النضال السياسي فهو المقاربة الأيسر والأسرع في وصل الناس بالاهتمام بالشأن العام باعتباره فضيلة يلتفي عليها كل محبي الخير والصلاح والفلاح.             

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
12
  • زهير

    ليس سبب تخلفنا هو تطبيقنا الاسلام باي صورة بل هو الاستبداد السياسي فالانضمة غير الشرعية متسلطة بالقوة بل بالارتهان والتواطوء المفضوح مع الغرب على حساب مصلحة الشعوب وحريتها وكرامتها وهو ما يحتم على هده الشعوب النضال الشاق والمرير ضد هدا التحالف ( الانضمة المتسلطة والدوائر الغربية الاستعمارية) وهدا امر اصبحت الشعوب تدركه وتعيه كواقع لا يمكن تجاهله

  • زهير

    هده لائكية علمانية ولست واقعية وتربتها ليست هنا في بلاد الاسلام حيث لا نبني دنيا بخراب الاخرة بل نتعبد بتعمير الدنيا وجعلها في ايدينا لا في عقولنا وقلوبنا وعند المسلم الاصل في الاشياء الاباحة والمحرم يشكل استثناء فطلب العلم والسعي في الارض لطلب الرزق لا يعد عند المسلم حراما بل يتعبد به لانه يكون وفق الضوابط الشرعية واما العدل في الغرب فهو نسبي وليس كاملا والدليل وجود حركات احتجاجية لتحقيقه وكدا الهناء تكدبه ارقام الانتحار هناك اما الرخاء فجله واقع على حساب استنزاف الشعوب الضعيفة

  • رضا

    من دفع تركيا الى التخلي عن الهوية الإسلامية؟ أليسوا العلمانيون بقيادة اتاتورك منذ تسعين عاما. و اليوم تحاسب تركيا و قد أصبح يحكمها اناس يفتخرون بماضيهم الإسلامي و لا يتنكرون له. أما العلاقات التي تربطهم بالغرب و اسرائيل فقد ابرمتهها الانظمة السابقة منذ سنين و لا يسهل التنصل منها و الأخطار من كل جانب للاطاحة بهم خاصة من الداخل قبل الخارج و التغيير له سنن يمشي عليها يتطلب حسن النظر و التدبير و عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : لست بالخب و ليس الخب يخدعني

  • بدون اسم

    تطبيق الشريعة الاسلامية أمر مفروض على المسلمين أما الوصول الى السلطة بحكم أنه من يحكم بغير الاسلام ديننا فلن يقبل منهم ونحن في هته الارض ملتزمون بتطبيق شريعة الله لأننا خلافائه

  • واقعي

    العربي المسلم اذا خير بين الدولة الاسلامية و الدولة العلمانية فسينتخب الاولى و يذهب ليعيش في الثانية

  • واقعي

    اوروبا و أمريكا تعيش في رخاء و عدل و هناء بدون اسلامياتكم السياسية المتعددة ... صدق حامل رسالة الاسلام عندما قال لنا هذه دنياكم أنتم أدرى بها

  • بدون اسم

    السلطة السياسية بما توفره من إمكانيات ووسائل هي وسيلة لإصلاح المجتمع وليست غاية في حد ذاتها كما يحاول تصويره أعداء المشروع الإسلامي،ولذلك فمن حق أي حامل لأي مشروع إصلاحي السعي للوصول إليها لكن بطبيعة الحال ليس على حساب المسارات الأخرى وليس بأي ثمن،الإسلام دين شامل ينتظم جميع مناحي الحياة وأي محاولة إسلامية للإصلاح تتخلى عن هذه الخاصية_ الشمولية _ لاأظن أنه سوف يكتب لها النجاح

  • جعفر

    الإشكالية المطروحة بالنسبة للفكر الإسلامي اكبر وأعمق من هذا بكثير، وكل محاولات الإصلاح على مرور التاريخ فاشلة، ولنتعلم الدرس الثمين الذي قدموه لنا عبر التاريخ وهو أن فك الارتباط بين الدين والدولة هو السبيل لبناء حضارة إنسانية حقيقية تحرر الناس من الفكر الوصائي مهما كان شكله ومضمونه.

  • مراد

    على العرب أن يعلموا أن الإرث الحضاري العربي قد انتهى، وأن العلمانية هي التي انتصرت وأخذت بها جميع دول العالم، باستثناء العالم العربي الذي يضع نفسه ندّاً للغرب وهو لا يحسن صناعة فرشاة أسنان! الحل الوحيد للأزمة الحضارية العربية يتمثل في المشاركة الإنسانية واحترام حقوق الأفراد ودفعهم إلى تحمل المسؤولية ،لان التعسف وإخفاء الحقائق عن المجتمع والاستهتار بحقوق الأفراد ومستقبلهم، وفرض الأحادية الفكرية والسياسية معضلة في حد ذاتها، فمتى نخرج من هذا المأزق؟

  • بدون اسم

    السلام عليكم
    شكرا أستاذ
    منذ زمن غير بعيد، كانت بعض الجهات أو منظمات ، تستعمل الدين لأغراض سياسية، قصد الدعاية لنفسها، والحصول على الشرعية، وذلك باستعطاف، وتعبئة، وحشد جماهير لا تعد ولا تحصى من المَغْبونين، والمْدَمْرين، كارهين حياتهم أملا في أن ينتقلوا الى الأحسن، الى أن أزيح الستــــار ؟
    أسمحولي
    وشكرا

  • حمورابي بوسعادة

    الاسلام ياحبيبي دين ودولة ...بدأت دولته بالظهور في نواة المدينة المنورة ...وهو عالمي يستوعب كل الثقافات واللغات والحضارات أي للناس كافة وهو ليس كعولمة اليوم التي تريد تغليف الكرة الأرضية برداء الرأسمالية التوحشية التي لا تقيم وزنا للتنوع الحضاري والثقافي .أما الأحزاب المتمسلمة فإنها تتاجر بالاسلام لجر الدهماء ورائها ،إذا أردت أن تمارس السياسة اليوم أخرج لربي عريانا يكسيك ...أنظر الي العرب والمسلمين اليوم مهانين لم تهن أمة مثلهم في التاريخ كل الأمم تتكالب عليهم ...وأمرهم ليس بأيديهم ...غثاء سيل .

  • Farouk

    الإسلام السياسي مجرد خطاب للوصول إلى السلطة . بعد الوصول كل شيئ يتغير . تركيا الإسلامية تحكم بقوانين لائكية تبيح الخمر وتتعامل بالربا وتقيم علاقات مع إسرائيل عدوة الإسلام ومع الناتو . أكثر من ذلك تركيا "الإسلامية" تفعل المستحيل للدخول تحت قوانين أوروبا العلمانية. أردوغان منتخب بأغلبية ولم يغير أي شيئ في لائكية تركيا اللهم بعض التفاصيل الخاصة باستمرار شعبيته ! في تونس النهضة وبعد وصولها للسلطة تنصلت مؤخرا من الجانب الدعوي لمصلحة السياسي وهذا يعني التنصل من الخطاب الديني اللذي ركبوه على مدى سنوات