-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

بين “النبوءة” الأحمدية و”الإمامة” الشّيعيّة

سلطان بركاني
  • 10938
  • 0
بين “النبوءة” الأحمدية و”الإمامة” الشّيعيّة

لعلّ ممّا يلفت الانتباه في تجاذبات الواقع الدعوي في العالم الإسلامي في السّنوات الأخيرة، أنّ الطّائفة القاديانيّة الأحمدية لقيت ما تستحقّ من نكير ومحاصرة في الأوساط الرّسميّة وفي أوساط الهيئات الإسلاميّة والعُلمائيّة، على اعتبار أنّها تتبنّى عقيدة استمرار النبوّة المخالفة للنّصوص المحكمة الصّريحة ولِما أجمعت عليه الأمّة الإسلاميّة، ولم تشفع لهذه الطّائفة محاولات بعض منظّريها التنصّل من تبعات هذه العقيدة المنكرة من خلال الزّعم بأنّهم لا يعتقدون بأنّ الميرزا غلام أحمد نبيّ آخر بعد محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، وإنّما هو المسيح الموعود والمهديّ المنتظر الذي بشّر به خاتم الأنبياء عليه الصّلاة والسّلام، وأنّ علاقته به كعلاقة يوشع بن نون بموسى عليه السّلام، فكما أنّ يوشع كان غلامَ موسى، فإنّ الميرزا هو غلام محمّد.

هذه التّبريرات لم تنطل على علماء الأمّة الذين كادت كلمتهم تُجمع على مروق هذه الطّائفة، لكنّ علماء الشّيعة الإمامية الاثني عشرية وأساطين مذهبهم، استطاعوا في مقابل هذا، أن يمرّروا على كثير من علماء الأمّة المتأخّرين عقيدتهم في الإمامة، على الرّغم من أنّها لا تختلف عن النبوّة الأحمدية، في سوى التّصريح، حيث تنطق أدبيات الطائفة الأحمدية بأنّ الميرزا غلام نبيّ يتلقّى الوحي، وإن حاول بعض منظّريها تغطية هذه العقيدة المنكرة بتمحّلات لا تنطلي على أحد.. بينما ينفي علماء الشّيعة النبوّة عن الأئمّة الاثني عشر، لكنّهم يثبتون لهم جميع خصائصها، ثمّ يلتفّون على لوازم أصولهم بتأويلات ترفع عنهم الأحكام المترتّبة على اعتقاد استمرار النبوّة، لكنّها لا ترفع عنهم جناية تبنّي هذه العقيدة المنكرة بطريقة غير مباشرة.

لقد فضّل الشّيعة الأئمّةَ الاثني عشر على الأنبياء والرّسل جميعا، باستثناء النبيّ الخاتم عليه الصّلاة والسّلام، وجعلوا الإمامة أصلا من أصول الدّين، من أنكرها كان كمن أنكر النبوّة، بل قد ذهب بعضهم إلى القول بأنّ إنكار الإمامة أشنع من إنكار النبوّة، فهذا مثلا ابن المطهّر الحلّي (ت 726هـ) الملقّب عند الشّيعة بالعلاّمة، يقول في كتابه “الألفين في إمامة أمير المؤمنين، 01/ 24”: “الإمامة لطف عام، والنبوّة لطف خاص لإمكان خلوّ الزمان من نبي حي، بخلاف الإمام لما سيأتي، وإنكار اللطف العام شر من إنكار اللطف الخاص”، وقبله كان المفيد قد صرّح بكفر من ينكر إمامة واحد من الأئمّة الاثني عشر، ولو كان الإمام الثاني عشر المعدوم! فقال: “واتّفقت الإماميّة على أنّ من أنكر إمامة أحد الأئمّة، وجحد ما أوجبه الله تعالى من فرض الطّاعة، فهو كافر ضالّ مستحقّ للخلود في النّار” (أوائل المقالات، ص44).

بل قد جعل بعض علمائهم الإمامة كالنبوّة، ومن هؤلاء محمد حسين آل كاشف الغطاء (ت 1373هـ)، في كتابه “أصل الشيعة وأصولها، ص58″، ومن علمائهم من صرّح بأنّها –أي الإمامة- استمرار للنبوة، وبهذا قال محمد رضا المظفر في كتابه المشهور “عقائد الإمامية، ص94″، حيث نصّ قائلا: “كما نعتقد أنّها (الإمامة) كالنبوَّة لطف من الله تعالى؛ فلا بدَّ أن يكون في كلّ عصر إمام هادٍ يخلف النبيّ في وظائفه من هداية البشر وإرشادهم إلى ما فيه الصلاح والسعادة في النشأتين، وله ما للنبي من الولاية العامّة على الناس، لتدبير شؤونهم ومصالحهم، وإقامة العدل بينهم، ورفع الظلم والعدوان من بينهم. وعلى هذا، فالإمامة استمرار للنبوّة، والدليل الذي يوجب إرسال الرسل وبعث الأنبياء هو نفسه يوجب أيضاً نصب الإمام بعد الرسول”.

ومن جانب آخر، فقد أعطى الشّيعة الأئمّةَ الاثني عشر جميع خصائص الأنبياء وأوجبوا عصمتهم المطلقة ونفوا عنهم السّهو والنّسيان… ودعواهم التفريق بين النبيّ والإمام في الوحي، هي دعوى نظرية لمواجهة الانتقادات والاحتراز من خرق إجماع الأمّة حول ختم النبوّة وحول كفر من يعتقد ببعثة نبيّ آخر بعد محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، وإلا فإنّ بعض النّصوص التي حوتها أهمّ المصادر الشّيعيّة إضافة إلى لوازم غلوّهم الفاحش في أمر الإمامة، تشي بتبنّي الشيعة لعقيدة استمرار النبوّة، فهذا مثلا محمد بن الحسن “الصفار” (ت 290هـ) الذي كان أحد أصحاب الإمام الحادي عشر الحسن العسكريّ، يعقد في كتابه “بصائر الدّرجات، ص63” بابا عنوانه “باب في أنّهم (أي الأئمّة) يخاطَبون ويسمعون الصّوت ويأتهم صور أعظم من جبرائيل وميكائيل”، أورد تحته روايات منها: عن أبى بصير قال: سمعت أبا عبد الله -عليه السلام- يقول: إنّ منّا لَمَن يعاين معاينةً، وإنّ منّا لَمَن يُنقر في قلبه كيت وكيت، وإنّ منّا لَمَن يَسمع كما يقع السّلسلة في الطست”. قال الراوي: قلت فالذين يعاينون، ما هم؟ قال: خلق أعظم من جبرائيل وميكائيل”. (بصائر الدرجات، ص63). ومن جهته صرّح الكلينيّ الملقّب عند الشّيعة بـ”ثقة الإسلام” في كتابه “الكافي” الذي يعدّ أهمّ مصدر شيعيّ على الإطلاق، تحت باب “جهات علوم الأئمّة (عليهم السّلام)” أنّ هناك طرقاً أخرى يسدّد بها الأئمّة ويعلّمون غير الإلهام، ذكر منها “النقر في الأسماع” من قِبل الملك، وأسند تحت هذا الباب ثلاث روايات إلى الأئمّة؛ ثالثها عن أبي عبد الله (جعفر الصّادق) عليه السلام أنه قال: “إنّ علمنا غابر ومزبور ونكت في القلوب ونقر في الأسماع، أمّا الغابر فما تقدم من علمنا، وأمّا المزبور فما يأتينا، وأمّا النّكت في القلوب فإلهام، وأمّا النقر في الأسماع فأمر الملك” (الكافي، 1/ 264).. وليس يخفى أنّ هذه الرّواية تفرّق بين الإلهام الذي لا يختصّ بالأنبياء، وبين النّقر في الأسماع الذي يكون عن طريق ملك تقول رواية “الصفّار” أنّه أعظم من جبرائيل وميكائيل!

ليس من العدل أن تسوّي الأمّة بين الطّائفة الأحمدية التي يعتقد أتباعها ببعثة نبيّ آخر بعد محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، وبين الشّيعة الذين يعتقدون ختم النبوّة، لكنّ علماء الأمّة ودعاتها ينبغي أن يعلنوا النّكير ليس فقط على عقيدة الشّيعة في الصّحابة، وإنّما أيضا على عقيدة الإمامة الشّيعيّة التي تمثّل في حقيقتها دعوى غير صريحة لاستمرار النبوّة، بل وتمثّل مدخلا إلى الغلوّ الفاحش الذي وقع فيه النّصارى، ويكفي في هذا الصّدد أن نذكّر بأنّ الشّيعة، علاوة على تفضيلهم الأئمّة على الأنبياء باستثناء نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، والقول بعصمتهم المطلقة، ونفي السّهو والنّسيان عنهم؛ علاوة على هذا وذاك، فهم ينسبون إليهم علم الغيب! ويعتقدون أنّهم وسائط بين الله وعباده! بل ويعتقدون أنّ حساب الخلائق يوم القيامة إلى الأئمّة، ويرغّبون في الاستغاثة بهم ودعائهم مع الله ومن دونه، بل من علمائهم من صرّح بأنّهم –أي الأئمّة- يملكون خلافة تكوينية تجعل ذرّات الكون كلّها خاضعة لهم!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!