-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

بُلَهاء العرب.. متى يفهمون الدّرس؟

سلطان بركاني
  • 4833
  • 0
بُلَهاء العرب.. متى يفهمون الدّرس؟

ليس جديدا ولا غريبا أن يقف المجتمع الدوليّ موقف “المتفرّج” على ما يحدث في حلب، لكنّ الغريب هو استمرار الخذلان العربيّ والإسلاميّ لأهل سوريا، واستمرار ثقة بلهاء العرب في دعوى انحياز أمريكا لصالح الشّعب السّوريّ ضدّ جلاّديه، وهي التي كانت منذ البداية تخادع العرب الذين لا يتعلّمون من التجارب ويُلدَغون من الجحر الواحد أكثر من مرّة، وتتظاهر بدعمها للمعارضة ومطالبتها برحيل النّظام، ثمّ ما تلبث أن تتراجع الخطوة تلو الأخرى إلى الوراء، خضوعا لـ”فيتو” صهيونيّ رُفع منذ بدايات الثورة ضدّ إسقاط النّظام لصالح معارضيه الذين يشكّل الإسلاميون غالبيتهم.

لقد تبيّن أنّ ما يحدث في سوريا من إجرامٍ أسديّ وروسيّ، يتمّ بضوء أخضر أمريكيّ، وأنّ أمريكا التي استعانت بالعرب وعملاء إيران لإسقاط نظام صدّام، وقامت بعد ذلك بتسليم العراق لإيران على طبقٍ من ذهب، هي الآن في طريقها لتسليم سوريا لإيران على طبق من ألماس، لكن هذه المرّة بيدٍ روسية تصافح إيران، بينما تصافح اليد الأخرى إسرائيل، ليكلّل المشهدُ بصفعة موجعة وجّهها الكونغرس الأمريكيّ مساء يوم الأربعاء الماضي للعرب، عندما أبطل نقض أوباما لقانون “العدالة ضدّ رعاة الإرهاب”، وهو القانون الموجّه أساسا ضدّ السّعودية وبعض دول الخليج الموالية لأمريكا.

أمريكا كانت منذ البداية تُشبع العرب كلاما ووعودا، وتقدّم دعما محدودا لبعض فصائل المعارضة العلمانية المسلّحة، لكنّها على أرض الواقع كانت تتابع بكلّ أريحية المدّ والجزر بين النّظام السّوريّ والمعارضة، وتندّد على استحياء بإجرام النّظام الأسديّ الذي وصل إلى حدّ استعمال الأسلحة المحظورة دوليا في أكثر من منطقة، وقد بلغت السخرية الأمريكية من العرب والمجتمع الدّوليّ مداها عندما اعترف وزير الدفاع الأمريكي السّابق “تشاك هيجل” بتاريخ 24/ 04/ 2013م، بأنّ القادة العسكريين في إسرائيل أخفوا عنه طيلة اجتماعه بهم على مدار ثلاثة أيام، تقييمهم الذي يشير إلى تورّط قواتٍ تابعة للحكومة السّورية في استخدام أسلحة كيماوية! وهو التّصريح الذي يؤكّد ضلوع الصّهاينة في الحيلولة دون معاقبة النّظام السّوريّ على استعمال الأسلحة المحظورة دوليا ضدّ المدنيّين.

كانت أمريكا تماطل في انتظار تدخّلٍ روسيّ مباشر بدأت بوادره تلوح في الأفق، ليأتي في الـ30 من سبتمبر 2015م، بمباركة إسرائيل التي رأت أنّه “يحمي مصالحها الحيوية” على حدّ تعبير الصحافية اليمينية الصهيونية “كارولين كليغ” (معاريف، 19/ 09/ 2015م)، وبضمانات روسية واضحة كان أهمّها اعتراف بوتين أمام الأمم المتّحدة بما سماه “حقّ إسرائيل في الدّفاع عن مصالحها في سوريا”، بل إنّ الرّئيس السّوريّ نفسه، وبحسب ما نقلته صحيفة “وورلد تريبيون” الأمريكية، بتاريخ 14 أوت 2016م، عن بروفيسور الاقتصاد “الإسرائيلي” في معهد سياسات العالم في واشنطن، نورمان بايلي، كان (أي الرئيس السوري) قد نقل خلال زيارة له إلى موسكو رسالة “تأكيد أمن إسرائيل”.  

التدخّل الرّوسيّ أتاح لأمريكا مبرّرا، ربّما يكون مقنعا لبعض بلهاء العرب، لفشلها في إسقاط نظام بشّار الأسد، لتأخذ بعده دور المتفرّج المنتشي باستعراض العضلات الذي يمارسه الطّيران الرّوسيّ على المدن السّورية، ولا بأس بعد ذلك ببعض التّصريحات الموجّهة للاستهلاك الإعلاميّ، والتي تدعو الرّوس إلى ضبط النّفس، وتهدّد بوقف التّنسيق وتبادل المعلومات!.

على صعيد الملفّ العراقيّ، لا تزال المليشيات الإيرانية، المكوّنة من شيعة يتمّ تجنيدُهم من أفغانستان وباكستان ولبنان وإيران، تتحرّك بكلّ حرية تحت غطاء جوّي أمريكيّ غربيّ، لتقدّم الدّعم للحكومة الطّائفيّة التي حوّلت العراق إلى حديقةٍ خلفية لإيران.

وعلى صعيد الملفّ اليمنيّ، ها هي أمريكا تفرض على العرب التّعامل مع الحوثيين على اعتبارهم شريكا سياسيا يجب التّفاوض معه، وتمنع قواتِ التحالف العربيّ من أيّ عمل عسكريّ يؤدّي إلى حسم الصّراع، وفي هذا الإطار يندرج ما كشفت عنه صحيفة “واشنطن بوست” في تقرير نشرته في 21 مارس 2016م بأنّ أمريكا رفضت خطةً عسكريةً تقدّمت بها السّعودية لاقتحام صنعاء وإنهاء سيطرة الحوثيين على اليمن في الذّكرى الأولى لعاصفة الحزم.

في لبنان، كان واضحا، قبل الثّورة السورية، مدى سيطرة حزب “ولاية الفقيه” الإيرانيّ على دواليب الدّولة، واتّضحت هذه السّيطرة أكثر بعد الثورة، عندما جُرّ الجيش اللّبنانيّ لخوض معارك على حدود سوريا لصالح حزب الله والنّظام السّوريّ، كما تمّ تسخير القوات اللبنانيّة لقمع مؤيّدي الثّورة ومحاصرة اللاجئين السوريين في الدّاخل اللّبنانيّ، وها هو مشهد السّيطرة الإيرانية على لبنان يكلّل بقرار مجلس النواب برئاسة نبيه برّي تأجيل جلسة انتخاب رئيس الجمهورية إلى نحو شهر.. لم يكفِ حزبَ إيران أن تكون الانتخابات محصورة -على ما يظهر- في مرشحيْن من قوى 8 آذار، هما ميشال عون وسليمان فرنجية، حتى سعى إلى إشهار ورقة “فرنجية” للضّغط على “عون” لأجل افتكاك مزيد من الولاء ومزيد من التنازلات.. لبنان أصبح لعبة في يد إيران، وقد زاد من سهولة مهمّة حزب الله في ضمّ لبنان إلى الهلال الإيرانيّ، احتكار المشهد السياسيّ السنيّ من قِبل جهاتٍ علمانية غارقة في الفساد ومدعومة عربيا، إضافة إلى بساطة المجتمع السنيّ اللّبنانيّ الذي وثق قبل عقود في الشّيعة الوافدين قصد ترجيح كفّة المسلمين في مقابل المسيحيّين، لكنّه فوجئ بهؤلاء الوافدين بعد تنامي أعدادهم يميّزون أنفسهم كيانا ثالثا، ثمّ يعلنون تحالفهم مع النّصارى ضدّ أهل السنّة.

لقد تبيّن مع تتابع الأحداث في منطقة الشّرق الأوسط أنّ الملفّ النووي الإيرانيّ لم يكن سوى قربان كانت تعدّه إيران لتقايض به الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا، مقابل السّماح بالتّمكين لمشروعها الطّائفيّ في المنطقة، وهو المشروع الذي تراه إسرائيل كفيلا بالوقوف في وجه المشروع الإسلاميّ السنيّ الذي تعسّرت ولادته، والذي تكاد مراكز الأبحاث تجمع على أنّه سيشكّل التّهديد الأكبر للوجود الغربيّ والإسرائيليّ في المنطقة. كما أنّه قد بات واضحا أنّ أمريكا وروسيا والدول الغربية، أصبحت ترى أكثر من أيّ وقت مضى أنّ قيام الهلال الإيرانيّ الشيعيّ بات مطلبا ملحًّا، تفرضه المخاوف المشتركة لهذه الدّول ولإيران من سيطرة الإسلاميين على مقاليد الحكم في الدّول العربية عن طريق الانتخابات أو الثّورات أو العمل المسلّح.

الأنظمة العربيّة وإزاء هذه الحقائق التي أضحت واضحة وضوح الشّمس في رابعة النّهار، إمّا أنّها بلغت في السّذاجة منتهاها، أو أنّها أدركت اللّعبة واختارت أن تكون لاعبا احتياطيا فيها، وهذه الفرضية غير مستبعدة بالنّظر إلى حقيقة أنّ التاريخ يعيد نفسه، وأنّ ما ارتضاه ملوك الطّوائف في الأندلس في القرن الحادي عشر الميلاديّ، قد يرتضيه حكّام العرب في الشّرق الأوسط في القرن الحادي والعشرين.

* بلغت السخرية الأمريكية من العرب والمجتمع الدّوليّ مداها عندما اعترف وزير الدفاع الأمريكي السّابق “تشاك هيجل” بتاريخ 24/ 04/ 2013م، بأنّ القادة العسكريين في إسرائيل أخفوا عنه طيلة اجتماعه بهم على مدار ثلاثة أيام، تقييمهم الذي يشير إلى تورّط قواتٍ تابعة للحكومة السّورية في استخدام أسلحة كيماوية!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!