-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

تعزيز القاعدة الروحية للمسلمين

تعزيز القاعدة الروحية للمسلمين

عاد رمضان علينا هذا العام بوَحدة الصف، وكم هي كبيرة قيمة الوحدة. اضطرتنا “كورونا” إلى غلق المساجد، والصلاة مشتتين، والافتقاد إلى صلاة التراويح، وبَعَّدت بيننا وبين أداء مناسك الحج والعمرة، وعشنا أكثر من سنتين نتضرع إلى الله تعالى أن يرفع عنا الوباء وعن البشرية كافة لعلنا نستأنف الطلب والرجاء والدعاء لِيوحِّد بين قلوبنا ويُمكِّننا من أسباب التآخي والتعاون والتآزر. وها نحن اليوم نستهلّ هذا الشهر الكريم بالصوم والعبادة ومحاولة إصلاح ذات البين وصفوفنا غير مشتّتة.

قليلة هي الأمم التي تمتلك مثل هذه الفرص والأجواء ومثل هذه الأسباب التي تدفع باتجاه الانتقال من حال إلى حال أفضل، وعلينا اغتنامها بكل ما أوتينا من قوة. لقد مرت علينا سنتان دون وحدة صف في المساجد ولا تراص وتكاتف، مَنعنا من ذلك الشعور بأننا على الأقل غير متباعدين جسديا أثناء الصلاة، فما بالك بأن نكون غير متباعدين روحيا وفكريا وفي الموقف من قضايا الحياة. وكاد البعض ييأس من إمكانية إعادة بناء الوَحدة، وفَرِح آخرون لِما حصل لمساجدنا وصفوفنا بعد أن عملوا على تشتيت الأفكار والمواقف والسلوك… إلى أن رفع الله تعالى عنّا هذا الوباء ومَنحنا فرصة كبرى لمراجعة النفس وإدراك ما لقيمة وَحدة الصف من معنى، إِن على المستوى المادي أو غير المادي.

وهذا الذي ينبغي علينا اليوم إدراكه؛ إننا نمتلك مقومات الوحدة أكثر مما يحاول البعض إيهامنا بأننا لا نعرف سوى عوامل التفرقة بل ولا نسعى إلا إلى مزيد من الانقسام والصراع، إن كان ذلك على الصعيد الفردي أو الجماعي، الأسري، أو المجتمعي أو على سعيد مجموعة الدول الإسلامية عبر العالم.

وامتلاك مقوِّمات الوحدة هذه يعني أننا نستطيع أن نكون أفضل مما نحن عليه الآن وعلى مختلف الأصعدة والمجالات.

إننا خلافا لأمم وشعوب عدة (هي متحدة الآن انطلاقا من وَحدة المصالح المادية المشتركة بالأساس)، نحن نمتلك أقوى قاعدة لتحقيق ذلك: الوحدة الروحية، والصيام من أكبر دلالاتها ومن أقواها على الإطلاق.

في لحظة معيَّنة، ستجد أن في العالم أكثر من 1.7 مليار مسلم صائم محتسِب لله تعالى. لا يمكن لأحد أن يراقبه ولا أن يمنعه ولا أن يعرف أنه كذلك. على خلاف الشعائر الأخرى التي لا يُمكن إخفاؤُها عن الأنظار. لا يمكن إيجاد قوانين تمنع الصيام أو تُضيِّق عليه أو تراقبه.

لذلك هي عظيمة هذه الأيام، وبعد فترة من الحرمان دامت أكثر من سنتين، لنغتنمها ونتأمل في عمقها مليا.

إننا بحق نمتلك ما لا يمتلكه آخرون من أسباب الوحدة والقوة. ما الذي يجعلنا لا نستثمر في ذلك لنستعيد هيبتنا كأمة وكدول وكأفراد؟ لقد مكَّننا الله تعالى من العيش في ثلاث مراحل متباينة، ما قبل “كورونا” وأثناءها وما بعدها، لنستخلص العبرة من الفَرق، ونُدرك أننا نمتلك قاعدة روحية صلبة ينبغي الاعتناء بها وتعزيزها والانطلاق منها نحو المستقبل، أما تلك القضايا الفرعية التي تشغلنا كل يوم، أو يتم تلهيتنا بها كل يوم، فليست ذات قيمة إستراتيجية إلا عند محدودي التفكير أو المستَلَبين فكريا الذين جعلوا من محاربة الإرث العقيدي المشترك للمسلمين قضيتهم الأولى.

إن وَحدتنا الحقيقية تبدأ من وحدة القاعدة الروحية. وتجليات هذه الوحدة الروحية تبرز أكثر في وحدة الصف، ووحدة الصف الفعلية تبدأ عند الانتقال من التكاتف المادي والمعنوي جنبا إلى جنب إلى ذلك الذي يجمع بين الروح والمادة. ندعو الله تعالى آملين تحقيق ذلك.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!