-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
المدينة الأثرية هيبون بعنابة:

جمالية خالدة تزين كتب الآثار

صالح عزوز
  • 727
  • 1
جمالية خالدة تزين كتب الآثار
ح.م

ننتقل من خلال قصة مكان لهذا العدد، إلى مدينة ساحلية جميلة، ونحط الرحال في مدينة أثرية خالدة إلى حد الساعة، لما لها من أهمية أثرية كبيرة في كتب الآثار، وهي مدينة هيبون الأثرية، أو بونة في عنابة.. نلامس في موضوعنا هذا الكثير من التفاصيل والخصائص التي جعلت منها مدينة مبنية على قواعد صلبة سهلت الحياة للأشخاص في تلك الفترة، ولعل ما كان يميزها خاصة المنشآت المائية التي خصصت لها عناية كبيرة، لأنه كما يقال الحضارة التي تبنى على حافة المياه لن تموت.

ماهية المدينة وموقعها…

هو موقع أثري يقع بمدينة عنابة، المدينة الساحلية التي تبعد عن العاصمة بنحو 600 كلم. يبعد هذا الموقع عن وسط المدينة بنحو 3 كيلومترات، جنوب عنابة، يقع بين مجرى وادي يجيمة من الشمال، ومجرى وادي سيبوس من الجنوب الشرقي، يحده شمالا الطريق الوطني، يمتد موقعه على ربوة القديس أوغسطين.. يذكر في كتب التاريخ أن مدين بونة، هي مدينة متوسطة، تقع في مكان رباعي الأضلاع بين 300م و600م ويشار إليها بالحمامات الشمالية، الحي المسيحي وغرف الأرطغان، ولعل من ميزاتها الإيجابية هو مكانها المرتفع، الذي ساعدها على حراسة البحارة، وحراس السير الذين يتجهون إلى القيروان شرقا، وغربا إلى الذين يسيرون إلى قسنطينة وكذا بجاية، مرت مدينة بونة أو هيبون كما كانت تسمى سابقا بعدة أحداث، ويذكر أنها كانت تابعة إلى ما كان يسمى نوميديا وتتبع من الناحية الإدارية إلى إفريقيا وتسير من طرف بروقنصل.

كما تغلب كتب التاريخ والدارسين للحضارات، أن الفينيقيين هم الأكثر شعوبا وجدوا في هذه المنطقة، ومن جهة أخرى، يعتقد بعض المؤرخين كذلك أنها رضخت كذلك للهيمنة القرطاجية وهذا في القرن السادس، ويشار إلى أن الطبقة التي كانت تسير شؤون الحكم من البونيقيين.

تعرضت بعدها مدينة هيبون إلى الاستعمار من طرف الوندال، فنتج عنه تهديم جزئي للمدينة وكذا طرد الكونت الذي كان بها، بونيفاسيوس والأسقف بوسيديوس.

غير أن الأحداث لم تتوقف عند هذا الحد في تاريخ بونة، حيث سقطت مرة أخرى في الهيمنة البيزنطية سنة 533م، أعادت المدينة بعدها نشاطها، واسترجعت مكانتها كمدينة أسقفية حققت الرفاهية، غير أنه نتيجة للأزمات التي مرت بها، كان واجبا عليها الانفصال عن الإمبراطورية الرومانية.

أهم المنشآت في مدينة هيبون

بالنظر إلى الكثير من الأحداث التي مرت بها المدينة، صنعت منها حضارة كبيرة، شيدت في الكثير من الأشكال، تركت معالمها إلى حد الساعة في شكل موروث أثري مهم وجميل، نقف عليها اليوم في العديد من المنشآت التي بنيت في تلك الفترة، نستطيع أن نلخص بعضها في هذه الأماكن التي بقيت صرحا قويا حضاريا بنيت بسواعد مهندسين بارعين، بقيت شاهدة على مرور الكثير من الحضارات من هنا.

لعل الشيء الذي كان واجبا التفكير فيه في تلك الفترة، هو خلق مكان للتلاقي بين الأفراد، مكان تتجمع فيه فئات المجتمع من أجل الحديث والتواصل ونقل الأخبار، لهذا جعلت ساحة عامة لهذا، وهو ما يعرف بـ”الفوروم”، هذا الأخير قسم إلى مبان أخرى مختلفة تقدم خدمات للناس منها، الحمامات، وكذا المعبد، والكوريا. وبذكر التفاصيل في شكل الإعمار عند الرومانيين، فقط وحدوا نظام التعمير في كل عماراتهم التي أسسوها، وهذا بوضع النظام الذي يسمى “التربيع”، ويقوم على تعيين الشارعين الكبيرين، ينتج عند تقاطعهما ” الفوروم”، وللعلم أن فوروم هيبون هو الأكبر والأقدم في المغرب، يقف على مساحة صحن تصل إلى 76 م، محاط بصف من الأعمدة.

بالإضافة إلى “الفوروم” نجد “الكوريا”، وهو المقر الذي يخصص لمجلس الشيوخ وكذا الموظفين، ويتكون من قاعدة يصل عمقها إلى 20 م والواجهة تتكون من أعمدة مربعة ترتكز عليها الأعمدة تكسو جدرانها صفائح رخامية، نجد ضمن “الكوريا” بعض البنايات الأخرى، التي ما زلت اليوم في مدينة بونة وهي، الصحن، معبد الثالوث الكابيتولي. لم يغفل القائمون على الحضارة في تلك الفترة، على الترفيه لذا أنشؤوا “المسرح”. هذا الصرح الذي يملك مكانة هامة في المجتمع، لذا تحدث عنه المؤرخون وكتاب التاريخ بإسهاب كبير. أما أقدم حي في مدين هيبون فهو “حي الواجهة البحرية”، حي تعاقبت عليه العديد من الحضارات، يحتوي مجموعة من المساكن لأشخاص مهمين، تقع على واجهة البحر، ولعل ما كان يميزها أنها كانت مزينة بالزخارف والفسيفساء.

نجد كذلك الأسواق التي لا تعتبر في تلك الفترة فحسب ملتقى للأفراد لكن حتى إلى حد الساعة. ويعتبر السوق في مدينة هيبون من أهم الاكتشافات في المغرب، يتكون من ساحة واسعة لها رواق تصل أبعاده إلى 37 عرضا، و105 طولا، ويبلغ عرض رواقها 5 أمتار، تزخرف أرضياتها بالفسيفساء وكذا الهندسة المزخرفة بالصليب المعكوس، من اللون الأبيض والأسود، بعد الساحة الأولى تأتي الساحة الثانوية، وهو السوق مربع الشكل، طول ضلعه نحو 88م، تتوسط هذه السوق طارمة قطرها نحو 9.70 يحيط بالساحة صف من الأعمدة، ورواق عرضه 5.74م، تطل على مجموعة من الدكاكين من الجهات الشمالية والغربية والجنوبية بمعدل ستة، وتجعل الجهة الشرقية لدخول الضوء منها.

عناية خاصة للآبار والمياه

يرتكز بناء الحضارات على موارد طبيعية، تساهم بشكل كبير في تسهيل عملية عيش الأشخاص، ولعل من بين الموارد الطبيعية التي كانت تزخر بها هيبون في تلك الفترة، هي الموارد المائية حيث كان صوت المياه لا يتوقف أبدا، لهذا سهلت الكثير من الحرف والخدمات، وأعطيت لها أهمية كبيرة في تلك الفترة، حيث خصص في تلك الفترة صيانة خاصة بالآبار، كما خصصت لها قنوات عديدة من أجل نقلها إلى المدينة، كما عملت على استخراج المياه من الآبار وتخزينها في صهاريج كبيرة، زودوها بنظام يسمح لها بتجميد مياه الأمطار، وهي ما تعرف بـ”صهاريج أدريان”، الموجودة اليوم على منحدرات القديس أوغسطين.

رحلة رجعنا من خلالها إلى عصور انقضت، إلى حضارات تربعت في الجزائر منذ الأزل، مازالت آثارها في كل زاوية من هذا الوطن على غرار المدينة الأثرية، هيبون بونة عنابة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • Nawal

    شكرا معلومة مفيدة