جنة الولاء.. ونار البراء
أكاد اليوم أقول أن هناك من يدفع بخطابنا السياسي إلى النزول إلى إحدى المنزلتين: إما أن يكون خطابَ ولاء لا لُبس فيه، أو خطابَ بَراء لا رجعة عنه. إما ولاء للعهدة الرابعة إلى درجة العبادة، أو براء منها إلى درجة الكفر، في استقطاب غير محمود للرأي العام من شأنه أن يمنعنا من الوصول إلى الخطاب البديل: خطاب الأمل والحياة.
نحن لا نريد عبادة لغير معبود أو كفرا بنعمة أنعم بها الله علينا، بل نريد أن نبقى بشرا تُحترم عقولنا وتطلعاتنا وآمالنا، وتُراعى أحزاننا وآلامنا. لا نريد أن نُستقطب باسم عبارات “الإنجازات”، “الاستمرارية”، “الاستقرار”، “الوفاء” لنعلن الولاء.. ولا بعبارات “الانسداد”، “المقاطعة”، “الغلق”، “الإقصاء”، “المأزق”، “الشلل”، “النهاية”، “الانسحاب”، “السقوط”… لنعلن البَراء.. إنما نريد أن نُستقطب بعبارات جديدة تحمل في طياتها معنى “التوافق” والتداول” و”البدائل” و”المخارج” و”الحلول” و”الأمل”..
لا نريد أن نبقى ضمن عبارات الماضي مع من يمثلها من رجال ونساء كـ”أنجز”، و”أعطى” و”بنى” و”قدم” و”وزع” و”عفا” عن الديون والقروض… التي تجعلنا ندخل زمرة المادحين، بل المدّاحين بلا ثمن.. ولا ضمن عبارات الحاضر مثل “يغلق” و”ينسحب” و”يقاطع” و”يُسقط” و”يُحطم” و”يُنهي” إلى غير رجعة… التي تدخلنا ضمن زمرة الناقمين، بل أحيانا المنتقمين.. إنما نريد أن نتجه نحو عبارات المستقبل المتفائل الذي سيفتح لنا آفاق السنوات القادمة، حيث ستعيش الأجيال الجديدة ويزدهر الأبناء وحتى الآباء… لنطرح بدائل الحلول بدل طرح أنواع وأصناف المشكلات، ونسأل كيف سنبني بلدنا، وكيف سنعيش فيه في أمن واستقرار، وكيف نكون أمة لها مكانتها بين الأمم… بدل كل تلك الأنواع من صور التشاؤم واليأس بأننا آخر الأمم وأعر الدول وأتعس الشعوب…
نريد أن نكون للمستقبل، وأن يكون المستقبل وجهتنا، لأنه أفضل بديل، فط نحن في حاجة لمن يصوغ لنا هذا البديل ضمن برنامج أو رؤية أو خطاب ينأى عن القدح والتجريح، ويتسامى عن المدح والإطراء.. لأننا نعرف أننا لن نكون جزائريين إذا لبسنا ثوب المدح والإطراء لهذا أو ذلك، ولن نكون كذلك جزائريين إذا لبسنا ثوب الحداد الحزين بسبب هذا أو ذاك… وسنكون على حقيقتنا فقط إذا ما عرفنا كيف نطرح البديل لأنفسنا وبلدنا وأمتنا..
البديل الذي يتجاوز بنا وضع الاختيار بين جنة الولاء المزعومة، ونار البراء المشؤومة، لأن هذه كذبة والأخرى خدعة، إلى حالة الاختيار الشعبي الحقيقي، حيث لا آلهة صغيرة تحكمنا باسم الوفاء والاستمرارية والانجازات… ولا وحوش كاسرة تأكلنا باسم الإسقاط والإنهاء والتحطيم.. ذلك أننا نعرف بأنهم عند الوفاء ينسوننا، وعند التحطيم نكون وقود النار التي يُشعلون.. ونحن لا نريد أن نكون نسيا منسيا كما عهدنا، ولا وقود نار كما كنا ذات يوم…