-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

حرب جديدة في القوقاز: الدرس!

حرب جديدة في القوقاز: الدرس!

في الوقت الذي كانت فيه القوات الأمريكية تجري تدريبات “إيغل بارتنر 2023” مع القوات الأرمينية يوم الثلاثاء، أعلنت أذربيجان بدء عملية عسكرية خاصة ـ على غرار تسمية الحرب في أوكرانيا ـ في إقليم “كارا باخ” “ناغوني قرة باخ” (جبال الحديقة السوداء بالأذرية).

يدل هذا على وجود إرادة في الإبقاء على محيط روسيا منطقة غير مستقرة، وعلى السعي لتشتيت قواها لتخفيف الضغط على أوكرانيا. ينبغي أن يبقى الطريق إلى آسيا الوسطى غير آمن، وألا تعرف المنطقة استقرارا متوازنا حتى لا تَتَعزَّز قوة روسيا. يبدو هذا كهدف استراتيجي للغرب في المنطقة، كما تبدو محاولات روسيا لإيجاد حلول متوازنة بين أرمينا وأذربيجان حول الإقليم المتنازع عليه نوعا من السعي للإبقاء على نفسها القوة الأكثر قدرة على التـأثير في الأوضاع والتحكم في تداعياتها خاصة ما تعلق بممر “زنغزور” الذي يزداد التنافس بشأنه هذه الأيام.

تعود القصة إلى سنة 1923، عندما منح الاتحاد السوفياتي سابقا إقليم “ناغورني كارا باخ” لأرمينيا لتكون به أقلية أذرية تُعطِّل الأرمن، ويسمح للسوفيات بالوصول إلى حدود إيران الشمالية، وفي ذات الوقت يتم تقسيم إقليم أذربيجان إلى جزأين يكون أحدها (ناختشيفان) غربا، فيضعف عمقها الجيواستراتيجي، ومن جهة أخرى تُصبح أرمينيا خطا فاصلا بين تركيا وأذربيجان، مانعة الأتراك من الارتباط بالقوميات التركية في آسيا الوسطى، ومن ثَمَّ إضعاف الامتداد التركي في هذه المنطقة.. وفي الآونة الأخيرة ازداد الوضع تعقيدا بتحول إيران إلى فاعل أساسي، يرى في فتح ممر “زنغزور” ليربط بين أذربيجان وجزئها الآخر، (ناختشيفان) عملية تنسيق مباشرة بين الأتراك والأذريين والقوميات التركية الأخرى في آسيا الوسطى تُهدّد أمنها القومي، واستعدت للحرب من أجل ألا يُفتح هذا الممر عبر مناورات عسكرية، خوفا من تشجيع الإيرانيين الأذريين والأتراك شمال إيران على الانفصال. وعندما نعلم أن يد الكيان الإسرائيلي أصبحت طويلة في المنطقة بزيادة حجم المبادلات والتسليح بينه وأذربيجان (فتح سفارة في تل أبيب في مارس 2023) لمواجهة إيران من الشمال، نُدرِك كم هي الأوضاع مُعقّدة في المنطقة ولماذا توجد القوات الأمريكية بها وتُجري مناورات…

إلا أن المُثير في هذه المسألة أن السياسة أسقطت كل بعد مذهبي من الصراع، فإيران الشيعية تدعم أرمينيا المسيحية ضد أذربيجان ذات الأغلبية الشيعية، وتركيا السنية تدعم أذربيجان ذات الاغلبية الشيعية، مما يُعزّز فكرة أن الصراع بالأساس هو صراع جيواستراتيجي قومي قبل أن يكون مذهبيا. وهذا يُعطينا فكرة على طبيعة النِّزاعات في الشرق الأوسط بشكل عام، وعن خلفيات التقارب الإيراني ـ السعودي في الفترة الأخيرة.. وكذلك عن النِّزاعات القائمة في افريقيا اليوم..

أما الثابت في كل هذا، فمنهجية السياسة الدولية الغربية الواحدة وان اختلفت القارات: زرع الفتن، إطلاق يد الصهاينة، إجراء مناورات عسكرية مع هذا ضد هذا، تحضير الأجواء لإشعال نار الحرب تحت ذرائع مختلفة، إشعال الحرب… لذلك علينا ان نستخلص الدرس في منطقتنا، فكما تتم رعاية الفتن في آسيا الوسطى، وتحريك النعرات والاستفادة مما تَم زرعه من بذور انقسامات في القرن الماضي، سياسية، اقتصادية، مذهبية، عرقية… الخ، يجري الأمر عندنا جنوب الصحراء وعلى حدودنا، حيث وصلت أذرع الكيان الإسرائيلي وباتت تقوم بالدور المناط بها. كما يجري تأجيج الصراعات العرقية والمذهبية، وتحريك الجماعات الدينية بعنوان الإرهاب في أكثر من مكان…

لذلك يُصبح من الحكمة تحذير شعوبنا الافريقية من إشعال حروب بينها تحت أية ذريعة كانت، مثلما كادت تفعله مجموعة “الإكواس” مع النيجر، وتحذيرها من التدخلات الأجنبية مهما كانت.. وفي المقابل دعمها لاستعادة زمام المبادرة في سياساتها الداخلية والخارجية من خلال الوعي بما يجري في العالم، ومن حولنا كأساس لاستباق الأحداث ومنع وقوعنا مغربا فيما وقع فيه غيرنا مشرقا أو أكثر…

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!