-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

خرفان الخبز

عمار يزلي
  • 2813
  • 0
خرفان الخبز

كل سنة أحسب ألف حساب لعيد الأضحى المبارك! بل وأحسب آلاف الحسابات لكل مناسبة دينية! حتى صرت أرى في أعيادنا الدينية عبئا علنا بعد أن حولناها إلى أعياد استهلاك وفقط، بما فيها عيد الفطر ورمضان والمولد النبوي الشريف (الذي تحول إلى عيد “المحيرقة”!). عيد هذه السنة جاء ممزوجا بنكهات أخرى غير الغلاء الذي اعتدنا عليه.

جاء ممزوجا بالتخوف من الحمى القلاعية والخوف من شراء المرض بثمن باهظ مضاعف!: تشتري كبشا غالي الثمن ثم “تضربها بمرضة أنت ومن معك وربما بموتة أيضا..!). لهذا، هذه المرة أخذت احتياطاتي الأمنية! مدخراتي المالية التي نفذت قبل العيد ـ وما بعد العيد أيضاـ  (درت كريدي يبقى يتبعني لسنة أخرى!)..بعد أن أفلست خزائني من جراء الدخول المدرسي، وقبله عيد الفطر، وبعده البحر! وما بينهما “كادويات الأعراس” وتبعاتها التي تصرف كلها من “خنازتي”..! ماذا أفعل هذا العام، وقبل العيد بشهرين؟: اشتريت خروفا “أوكازيون” بنص مليون (من الشيفون)، وقلت: سأصرف عليه لمدة شهرين، في العيد سيكون عمره 6 أشهر، وسعره سيصل إلى 3 ملايين. أربح 2.5 مليون ببلاش! أعطيه ما تبقى من الخبز (ونحن معروفون بتضياع الخبز.. أجمع الخبز الضائع عندي وعند الجيران، وأطعم هذا الخروف المسكين الخبز والماء وربما أعطيه القهوة بريس ولاتاي والشيكولا! وربما نخلص عليه عشا في الرسطوران وما يخرجنيش غالي كما لو أشتريه من السوق يوم العيد!). وهذا ما كان فعلا! لم أخسر عليه أكثر من تعب طلب الخبز من الجيران وألم الكوارع، من جراء جمعها من بعض الشوارع! جمعت أكثر من قنطار خبز!.. وضعتها في أكياس فوق السطح! الخروف بنيت له بيتا فوق سطح المنزل الذي لا زلت لم أنته من بنائه منذ 34 سنة! مازال السلوكة نتاع الضالة والبناوات فوق السطح، مثل غالبية الناس الذين يبنون منذ زواجهم إلى مماتهم ويتركون البيت نصف مبني ونصف محرش وفقط من الداخل! (السبب، قلة المال، وعدم تسوية وثائق الملكية وتقاعس “الإضارة”!). بنيت له بيتا “خير من بيتي”، حتى أني لما أردت أن أخرجه يوم العيد، الباب ضاق عليه من فرط السمنة (راقدة وتمانجي! لا ريجيم ولا لعب ولا جري لا خلا دار أمه!..مثلي! سمنت  وتكرشت على صرت أبدو بلا رقبة!)، فأرغمت على هدم باب بيت الخروف!. وجاء العيد، وشعرت بنشوة كبيرة! هذا العام، أشعر أني “درت آفير”، ربما في السنة المقبلة سأربي قطيعا فوق السطوح!. لهذا، فقد قمت بتدبير منزلي يسمح لي أن لا أضيع من كبش العيد شيئا! أكثر من معاذة العنبرية المرأة الشحيحة البخيلة “القرزازة” التي لا تترك شيئا في الذبيحة يذهب هباء منثورا! قمت بوضع برنامج دقيق وصارم من أجل التقشف في استهلاك الأضحية! (قيل لي أنه يجب علي أن أعطي الثلث منه صدقة! قلت لهم: وأنا من يصدق علي؟ أنا أبنائي لا يأكلون اللحم إلا من العيد للعيد.. أو في الأعراس أو الجنائز أو عندما يأتي ضيف أحيانا نادرة (لا قدر الله!)!.. وأحيانا كنت لا أعيًد بالمرة! الله غالب ما عنديش! قال لي أحدهم مرة لما اشتريت نعجة نصف ميته بـ 250 ألف سنتيم..لأضحي بها، وكان ذا لحية كثة: لا يجوز!  يخصك تضحي بكبش أقرن أملح!..قلت له” ملييييح! أعطيني باش نشري، نشري حتى وكريف!! قال لي: هذه سنة سيدنا إبراهيم عليه السلام! قلت له: أعرف القصة، لكن سيدنا إبراهيم جاه باطل، أنا النعجة شاريها بالكريدي وبـ 250 ألف، تجي أنت تقول لي: لا يجوز!؟). منذ ذلك الحين صرت أعيد على أي شيء أجده، المهم ألا أترك أبنائي يخرجون من العيد بلا لحم!..قال لك: أعط الثلث منه! وهو أصلا الخروف فيه الثلث! لما عطي أنا الثلث واش يبقى لي؟.. معناه، نربي ثم أهبه لمن هب ودب؟! قد يكون الذي أعطيه منه الثلث، يجمع من هنا وهنا ما قيمته ثلاثة كباش.. وأنا لا يوجد عندي من يعطيي حتى قديدة منه!..غاية! الثلث !

لهذا، قلت لزوجتي وأبنائي: هذا العيد، يخص ما تضعيش منه حاجة، يستهلك بدقة وعقلانية وصرامة. وهكذا، رحت أعد برنامجا استهلاكيا له: اللحم، قسمناه أرطالا أرطالا ليكفينا إلى غاية العيد المقبل على أساس رطل كل أسبوع (الخروف فيه 20 كلغ)..الدوارة والبوزلوف، نفس الشيء أرطال أرطال لتكملة ما تبقى من السنة (5 كلغ في المجموع). العظام، نظفناها وجعلناها وقودا للنار مثل الحطب لنشوي عليه الفلفل أو نطيب عليه خبز الطاجين! عظم واحد ما ضاعش! حتى عظام الرأس! (لصناعة الرماد: صالح لنتف شعر الإبط!).  حتى الزبل، جعلناه يجف ثم استعملناه في وقود النار! الزبل وروث البقر أحسن من النفط أو الشاربون! الهيدورة، وضعناها “تخنز” في كيس بلاستكي مع الجير لمدة أسبوع، بعدها ينسل الصوف لوحده ويبقي الجلد! الصوف غسلناها ونشرناها لتقطر وتجف في الشمس ثم “نفشناها” وقردشناها وعمرنا بها “زوج وسايد”! أما الجلد، فصنعت به بنديرا: دف دق دف دق! نحتاجه للمناسبات! (اختلفنا فيه: دربوكة أم بندير، وحسم الأمر: بندير خير! لأن الدف محبذ في الإسلام! وهذه أضحية دينية، فلا بد أن يتماشى جلدها مع شكل الأغاني في الإسلام! حتى لا أسقط في البدع أو المحرمات!). قرون الكبش اختلفنا بشأنها في البداية: تحرق مع العظام أم نجعلها مشاجب لتعليق بعض الأدوات في الغاراج أو نجعلها وعاء لحفظ الفلفل الأحمر والقرفة والملح!. تقرر أن نجعل في قرن الملح، وفي القرن الثاني الفلفل الأكحل! الأظلاف التي تنتزع بعد تشواط الكرعين وضعنا فيها “الشب” وأعطيت لكل واحد من الأبناء واحدة منها (8 أظلاف)، ليجعلها بالقرب من حذائه (الأظلاف تشبه الأحذية لهذا اهتديت إلى هذه الفكرة العبقرية!). الشب المخلوط بمسحوق قشور البرتقال، منظف، ينزع رائحة الأحذية والتقاشيرات! لهذا، على كل واحد أن يضح حذاء الكبش بجوار حذائه!.. المهم… حاجة واحدة ما ضاعتش من الكبش..والحم مضمون لسنة كاملة.

عندما أفقت من نومي، كانت زوجتي إلى جنبي وهي تقول: نوض، ليزاناليز راهم خرجوا.. الكوليسطرول راه عندك…مش غير طالع…طاير! ها خرفان الخبز!: الشحم بلا لحم!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!