-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
نيشان

دعونا.. من “البولتيك”!

محمد عباس
  • 2838
  • 0
دعونا.. من “البولتيك”!

قليل من السياسة.. وكثير من “البولتيك”.. هذه حال المعترك السياسي في بلادنا عمليا منذ فجر الاستقلال.. لكن في البداية ما هي السياسة؟ وما هي “البولتيك”؟

  • – السياسة باختصار خدمة عمومية، تنتدب لها الشعوب خيرة أبنائها الذين تتوسّم فيهم الكفاءة والحنكة والنزاهة والاطّلاع الكافي على أحوال الناس.. تنتدبهم لرعاية مصالحها الآنية والمستقبلية، البسيطة منها والاستراتيجية، أي تأتمنهم على مصيرها، وهي على قدر كبير من الثقة والاطمئنان.
  • وقد سمعت في أواخر الستينيات من القرن الماضي، تعريفا بليغا للسياسة بهذا المعنى النبيل، تقدّم به الشيخ محمد متولي الشعراوي كبير البعثة الأزهرية في الجزائر آنذاك مفاده: “أن السياسة هي تصالح على المصالح”.. أي أن رجل السياسة الـمُؤتَمن على شؤون الجماعة مطالب بمراعاة مصالح كل فئة، وأن يجتهد ما أمكن في إرضائها، من خلال السهر الدائم على التسيير المنصف العادل..
  • وبعبارة بسيطة، أن السياسي الجدير بهذه التسمية، هو من يضع نصب عينيه دائما، كيف يرضي أكبر قدر من مواطنيه، في أي قرار يتخذه، وأية خطوة يُقدم عليها.
  • ويقتضي ذلك طبعا أن يكون السياسي من الجماعة وإليها، وثيق الارتباط بالقوى المحركة لها؛ القوى النافذة والفاعلة في حركة التاريخ ومساراته.
  • – أما “البولتيك” فقد كانت إبان الاحتلال خاصة عنوان لامبالاة الشعب، إن لم نقل ازدراءه واستخفافه بكل من كان يمتهن حبّ الظهور والرقص في أعراس “الكولون” أو على هامشها!
  • “فالبولتيك” كانت مهنة فئة من أشباه الموظفين، تنتدبهم إدارة الاحتلال لادّعاء تمثيل أبناء جلدتهم، بدون ارتباط حقيقي بهم، أو قدرة على بلورة مطالبهم، والدفاع عن مصالحهم أمام أسيادهم..
  • لذا كان ردّ فعل الشعب عفويا على شطحات هؤلاء الممثلين المزيّفين: “أخطونا من البولتيك!”.
  • ذلك أن العمل السياسي السليم إبان الاحتلال كان يعني شيئا واحدا: النضال بمختلف الوسائل لتغيير الأمر الواقع الاستعماري في بلادنا الذي تجسد في نظام حكم من المستوطنين وإليهم؛ نظام يضع عامة الجزائريين على هامش الحياة والتاريخ باختصار.
  • للتذكير، أن الحياة السياسية من الجانب الجزائر يومئذ، كانت تنشّطها تيارات قليلة لكنها نافذة وفاعلة أهمها:
  • 1- التيار الوطني الثوري، ممثلا في نجم شمال إفريقيا وحزب الشعب الجزائري، وواجهته السياسية بعد الحرب العالمية الثانية حركة انتصار الحريات الديموقراطية.
  • 2- التيار الوطني الليبرالي، ممثلا في جناح من اتحادية المنتخبين بقيادة فرحات عباس، هذا الجناح الذي ظهر سنة 1946 باسم “الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري”.
  • 3- تيار إسلام الإصلاح والحداثة، ممثلا في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين المتحالفة مع حزب البيان.
  • 4- تيار شيوعي – تابع للحزب الشيوعي الفرنسي – ظهر سنة 1936 باسم “الحزب الشيوعي الجزائري” الذي استطاع أن يستقطب بعض دعاة “النزعة البرْبَرَتِيّة” في أعقاب الأزمة التي هزت الحركة الوطنية الثورية سنتي 48 و1949.
  • هذه الخلفية التاريخية توحي بإمكانية انتظام حياتنا السياسية من جديد على نفس التيارات التي خرجت من معركة التحرير بتجارب غنية، أثرت بدون شك رصيدها السياسي والنضالي.
  • نقول ذلك طبعا شريطة أن تكون هذه التيارات ماتزال قادرة على إبراز زعماء في مستوى القيادات التاريخية للحركة الوطنية؛ زعماء من صلب أجيال الاستقلال، على صلة وثيقة بالكتلة التاريخية الفاعلة، مؤهلين لبلورة تطلعات الشعب والتعبير الوفي عنها، سواء على صعيد الخطاب السياسي أو على صعيد المؤسسات القادرة على تجسيد الوعي السياسي – المتقدم – لعامة الشعب، في قوانين ونظم تؤطر المجهود الجماعي من جديد، ضمن آفاق فتوحات جديدة في مجالي الاقتصاد والثقافة بصفة خاصة.
  • ترى هل تتوفر مثل هذه المواصفات في قادة “الأحزاب” التي تدّعي اليوم تمثيل هذه التيارات أو تمثيل ما يتجاوزها من أشباه التيارات؟!
  • للأسف لا نعتقد ذلك، لأن الساحة “السياسية” مزدحمة برجال “البولتيك”: ممثلين من المستوى المتواضع جدا، يتراقصون بين أيدي النظام القائم أو على هامشه، يخطبون حظوته، طامعين في سخائه وتبذيره!
  • إن رجال الساعة – من أطفال الثورة أو شباب الاستقلال – أبعد ما يكونون عن رهط “زعيط وبعيط ونڤاز الحيط” – حسب لغة البولتيك دائما!
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!