-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

رحلة من الجزائر إلى مدريد

رحلة من الجزائر إلى مدريد

في سنة 1977، وكانت الجزائر حديثة عهد بالاستقلال، احتفل النادي الملكي ريال مدريد بعيد تأسيسه الخامس والسبعين، ووجّه دعوات، لأمم كروية كبرى، من بينها الأرجنتين بطلة أميركا اللاتينية، وإيران بطلة آسيا للأمم، ومولودية الجزائر باعتبارها بطلة إفريقيا للأندية، في أول مشاركة لها في القارة السمراء، وشاءت القرعة أن يلتقي النادي الملكي بالفريق الجزائري، في مباراة افتتاح، حضرها أكثر من سبعين ألف متفرج، فكانت الغلبة لأهل الدار في عيدهم الكبير، ولكن بصعوبة بالغة، من خلال رقم النتيجة النهائي الذي استقر على هدفين مقابل هدف واحد، ولم يجد حينها أبناء المولودية، وهم يركضون في ملعب “برنابيو” أي عقدة في مقارعة النادي الملكي، ولا في الممارسة على ملعبه الكبير، الذي كان أقل شأنا من الملعب الذي توّج فيه المولودية باللقب القاري، وهو ملعب الخامس من جويلية بالجزائر العاصمة.

وفي سنة 1982 سافر المنتخب الجزائري إلى مدينتي خيخون وأوفييدو الإسبانيتين، للمشاركة لأول مرة في منافسة كأس العالم، وشاءت القرعة أن يواجه في اللقاء الافتتاحي، بطل أوروبا وصاحب لقبين عالميين، وهو المنتخب الألماني، وفاز عليه بهدفين مقابل واحد، من هندسة لاعبين من بينهم أربعة من مدرسة نصر حسين داي، كانوا ضمن التشكيلة الأساسية، ولاعب خامس هو حارس مرمى، في مقعد الاحتياط.

 ومرّت قرابة أربعين سنة عن الحدثين، وتغيّر الحال رأسا على عقب، واتسعت المسافة ما بين البلدين، حتى صار مجرد التفكير في تذليلها ضربا من الجنون، ففي الوقت الذي عجز الفريقان العاصميان مولودية الجزئر ونصر حسين داي -وكلاهما من المفروض أنهما فخر كروي عزيز- عن تقديم مقابلة محترمة في نهائي كأس الجزائر، وعجزت معهما السلطات عن توفير أجواء لعب ومشاهدة مريحة وكريمة، لعشرات الآلاف من المناصرين، بلغ ناديان من مدريد نهائي رابطة أبطال أوروبا، وسيجبران العالم في الثامن والعشرين من ماي يوم المباراة النهائية في مدينة ميلان الإيطالية، على الاختيار بين مدريد أو مدريد؟

لا يهم في هذه الحكاية العابرة للقارات والأزمان، مستوى الدوري الجزائري المنهار، ولا مستوى الدوري الإسباني المحلق عاليا، فاللعب مهما بلغ من مراتب يبقى لعبا، وإنما في ما يحيط لعبة من تسويق وإبهار للعالم ومن المنشآت، والرقي بالذوق العام للناس إلى القمة، وسنجد صعوبة كبيرة في استيعاب مشاهدة الجزائريين للأطفال والرضع والشيوخ في مدريد، وهم يتابعون المباريات في أمن وسلام، بينما تكاد تُغلق الملاعب الجزائرية في وجه من لا يمتلك حزاما أسودا في لعبة قتالية، ومن زاد سنّه عن العشرين ونقص عن الخمسين، والتيجة أن الذين كانوا يوجّهون لنا دعوات لمشاركتهم أفراحهم، صاروا يبيعوننا ألعابهم بأغلى الأثمان.

وإذا كان المثال الحي عن الكرة يعلمه الجميع ويدركون صعوبة اللحاق بركب كنا فيه، فإن المسافة بيننا في المجالات الاقتصادية والتكنولوجية والخدماتية والإدارية والتعليمية تحرم فيها المقارنة؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • عثمان

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته,تلك بلدان أراد حكامها وشعوبها أن تكون في الطليعة و الريادة في كل مجال.أما بلداننا فحكامنا همهم جيوبهم واهلهم,والناس على دين ملوكهم.اللهم اهدنا.