زعماء من ورق!
من شاهد مسرحية “الزعيم” للفنان عادل إمام، لا شك أنه يتذكر المشهد الذي يقول فيه الحاكم المستبد، لمستشاره ونائبه متعجبا، كيف أن الرئيس الأمريكي سقط مهزوما، في الانتخابات، مضيفا بلغة الديكتاتور الناصح، غير الأمين: “لو طلب مني المعونة، لأرسلت له، مجموعة من الخبراء، يُجلسونه على كرسي السلطة حتى الموت”!!
-
هذه الفكرة، لا شك أنها راودت الأذهان، عقب تسارع وكالات الأنباء إلى نشر صورة الرئيس التشيكي، وهو يقوم بسرقة قلم في ندوة صحفية، حيث تحوّلت القضية إلى فضيحة قومية، ربما قد يستقيل فيها الرئيس من منصبه، ويحاسب، وربما يحاكم، بتهمة تشويه سمعة البلاد؟!
-
في التشيك، وغيرها من البلدان المحترمة، وحتى قليلة الاحترام، يتم القبض على الرؤساء بتهمة سرقة قلمٍ صغير، في الوقت الذي سرق فيه الزعماء “في بلاد العرب أوطاني”، بلدانا برمتها، وشعوبا بأكملها، وتاريخا بطوله وعرضه، ولا أحد انتبه، أو تجرأ ودعا لمحاسبة المسؤولين، أو حتى غامر بحياته، وكشف الفضيحة.
-
البلدان العربية، سارت طيلة عقود ماضية، على قاعدة لا زعيم إلا الزعيم، ولا شك أن الرؤساء الذين بقوا في الحكم، أو سيأتون إليه، بعد ثورات تونس واليمن ومصر، وليبيا والبحرين، وسوريا، باتوا يحسبون ألف حساب للشعوب المستيقظة، وللإعلام المتحرر، وفايس بوك المقلق، وتويتر المزعج، بعد ما عاشوا سنينا طويلة، في كنف الراحة التي وفرتها لهم شعوب نائمة، ونخب جبانة، وإعلام رسمي مُطبّل، وأحزاب متواطئة، وأنترنت يرأس تحريرها، السيد الرقيب.
-
بعد الثورات العربية المباركة، تغيّر مفهوم الزعامة، مثلما تبدلت وظائف الإعلام والأحزاب والجمعيات، ولم يعد مقبولا احتكار القرار من طرف الفرد الواحد، ملغيا بذلك، كل الإرادات، ومقصيا الاختلاف، كما لم يعد هنالك، باختصار، مكان جديد للزعامات، ماعدا زعامة الشعوب، ورأي الأغلبية، وشهادة المطحونين في الأرض.
-
الزعامات العربية لم تفعل شيئا سوى أنها باعت الأوطان، وسكتت عن التخريب، وألغت الدساتير والقوانين والمحاكم العادلة، وقلّمت أظافر التغيير، وعاثت في الأرض فسادا، لذلك، ليس غريبا، أن يطالب المصريون، والليبيون واليمنيون بمحاكمة هذه الزعامات الفارغة، التي لم تطلق رصاصة واحدة في وجه العدوّ، لكنها فتحت النار ضدّ شعوبها، كما أنها لم تحرك الجيوش طيلة السنوات الماضية، وتسلحها، إلا حفاظا على عروشها، قبل أن تسقط في فخ الكذبة الكبرى، وتستعيد الشعوب تلك الجيوش لصفها الطبيعي، ليظهر للجميع، أن تلك الزعامات، مجرد دمى من ورق، سرعان ما تنهار، فتبكي كالغلمان، أو يقبض عليها بالملابس الداخلية.