-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
2

سيناريوهات‭ ‬انتخابات‭ ‬2012‭

عبد الرزاق مقري
  • 10209
  • 0
سيناريوهات‭ ‬انتخابات‭ ‬2012‭

قبل أن نواصل عرض السيناريوهات الممكنة في انتخابات 2012 لا بد أن نفحص المكونات الأساسية للطبقة السياسية الحالية وتطورات موازين القوة بينها. لا يخفى على أحد أن نظام الحكم هو المتحكم الأوحد إلى الآن في الواقع السياسي من حيث الغلبة والمبادرة والتوجيه. فقد استطاع أن يُطوع الحياة السياسية بعد حالة الانفلات التي كادت أن تودي به في بداية التسعينيات وأدخل اللعبة السياسية كلها داخل إطار متحكم فيه، وتحت سقف لا يمكن تجاوزه. وقد استطاع “السيستام الجزائري” أن يصل إلى ذلك من خلال مجموعة من الاستراتيجيات تخص كل حزب وكل قوة سياسية أو اجتماعية أو ثقافية تهدف إلى وضع كل الفواعل المجتمعية في حالة سيكولوجية يمزقها الخوف والطمع، ويشلها اليأس والإحباط. فأعطى دليلا على المدى الذي يمكن أن يصل إليه من البطش والقمع ومصادرة الحقوق في تعامله مع ملف الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وبيَّن الحد الذي يستطيع أن يتجاوزه في معاقبة من يخرج عنه في تصرفه مع جبهة التحرير الوطني، حيث همّشها وشتتها ورتب لها الانقلابات حينما خالفته الرأي بقيادة عبد الحميد مهري بشأن معالجة الأزمة وأنشأ لها حزبا ضرارا مكّنه من الانتشار في كامل التراب الوطني بضربة تزويرية واحدة في محليات 1997 جعل له بها منتخبين وأعوانا وأصحاب منافع ومصالح مرتبطين بالإدارة في كل بلديات الوطن. وبعد ذلك أرجع الجبهة إلى بيت الطاعة، وقد صار أكبر هم قيادتها معاودة التموقع في مختلف مؤسسات الدولة كل حسب حجمه، لا ترى فيهم – إلا من رحم ربك – من يهمه البيان النوفمبري ولا أين يتجه الوطن وفي أي مرفإ يرسو. وأمام هذا الوضع لجأ الطرف الآخر في التيار الإسلامي الموسوم بالاعتدال إلى كبت طموحه ومراجعة رومنسيته في الريادة وقيادة المجتمع والرضا بالمتاح القليل الذي تمنحه الانتخابات المزورة والتحالفات المختلة في موازينها والغامضة في مراميها. وأما التيار العلماني فقد رضي بحجمه الجغرافي من الناحية الشعبية وصار لا يتّكل إلا على لوبياته ونفوذه داخل مؤسسات الدولة التي التهمت عناصر مهمة من قياداته شديدة المعارضة آنفا! رغم محاولاته الجريئة بقي الفصيل اليساري في التيار العلماني في حجم مُسيطر عليه يساهم في التوازنات ويؤدي دور تحسين المشهد من حيث خصوصية القيادة ويسارية الطرح ثم اضطرته الظروف هو الآخر- أو ربما ضربٌ من الاتفاقات الخفية – إلى ازدواجية الخطاب بين مدح رئيس الجمهورية ونقد الحكومة وكأن الرئيس هو الآخر معارض لحكومته.

هذه هي حقيقة المسرح السياسي الذي انتهت إليه الجزائر قبيل الثورات العربية. فالحال ولا شك بمثابة المسرحية التي تتناوب فيها المشاهدُ الهزليةُ والتراجيديةُ، والتي تلتقي في نهاياتٍ عبثيةٍ لا تصلح إلا لشغل الوقت وقتل الزمن، والتي كلما أدمَنْتَ عليها ازدَدّتَ كآبة‭ ‬وأسى،‭ ‬وحينما‭ ‬تفيقُ‭ ‬تجد‭ ‬نفسك‭ ‬في‭ ‬ضياع‭ ‬بُنيوي‭ ‬لا‭ ‬يَسهلُ‭ ‬ترقيعه‭.‬
كان نظام الحكم، من خلال ترتيباته السابقة، يُعد لسيناريو سياسي أبَدِي على شاكلة الدول الغربية: حزبان كبيران يتناوبان على الحكم، هما جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، باعتبارهما حزبين يمثلان التيارين الأساسيين، العلماني والوطني، المتصاحبين في السلطة منذ الاستقلال، ولا بأس أن يُضاف لهما حزب إسلامي كورقة احتياطية، قد يُحتاج لها في حالة الطوارئ، إذا قبل ذلك الحزب بالاندماج الكلي، وتخلى عن منهجه الأصلي، وقبل منه بالشكل والصورة، وهو أمر دونه خرط القتاد.. أو على الأقل هكذا أعتقد! هذه هي الأبعاد المستقبلية لاستراتيجية التحالف السياسي بالنسبة لنظام الحكم، كان يُراد للتحالف الثلاثي أن يبقى قائما، مهما ضعُف وتلكّأ، حتى يصبح ذلك التداول ممكنا ديمقراطيا يوما ما، أي بعد أن تفنى أو تضعف كل الأحزاب الأخرى. ويبدو أن الظروف كانت تُهيّأ هذه المرة لصالح التجمع الوطني الديمقراطي، ويدل على ذلك حالة الانقسام الشديد الذي تعاني منه جبهة التحرير والذي ما كان ليُسمح بوجوده لولا تواطؤ أو رضا جهات عليا به، ويدل عليه كذلك الفًرص الكبرى التي أعطيت لرئيس التجمع وحالة الاستقرار والثقة بالنفس التي كان عليها قبل التحولات الأخيرة. كل‭ ‬المؤشرات‭ ‬كانت‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬إعداد‭ ‬أحمد‭ ‬أويحيى‭ ‬لرئاسة‭ ‬الجمهورية‭ ‬وحزبه‭ ‬لريادة‭ ‬الحياة‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬التشريعية‭ ‬المقبلة‭.‬
لم يكن التحالف الرئاسي في مرحلته الأخيرة، بالنظر لهذا السيناريو، إلا استراتيجية مؤقتة تهدف إلى تفويت فرص جبهة التحرير وحركة مجتمع السلم في مرحلة ما بعد بوتفليقة. إن الذين كانوا يُهيِّئون لسيناريو أحمد أويحيى يعلمون بأنه لا يمكن لهذا الأخير أن يمر إلا إذا كان مرشح التحالف الرئاسي، ولذلك لا بد من قمع طموحات قيادات جبهة التحرير وإلجائهم إلى التفاوض على ما دون الريادة وهو أمر ميسور. فإن فعلوا ذلك يُصبح الإتيان بموافقة حركة مجتمع السلم أمرا لا عُسر فيه ويصبح التتويج عندئذ منطقيا أمام الرأي العام المحلي والدولي بالتزوير أو بغيره. ولهذا الاعتبار لن يُسمح لحركة مجتمع السلم بالثبات على موقفها الجديد من التحالف، وليس ميسورا الاستجابة لمطلبها بتشكيل حكومة تقنوقراطية لا تكون عضوا فيها ما لم يدخل معطى آخر لا يتعلق بها، بل إنه لا يُنظر إلى موقفها داخل أروقة السلطة إلا كونه موقفا تكتيكيا لحاجات انتخابية. ولن تُترك لحالها إن مرت الانتخابات بما يُرضي نظام الحكم، ستُعاد محاولة جرها للتحالف من جديد وستبذل جهات كثيرة جهدا كبيرا لتحقيق ذلك، إذ على عكس ما يعتقد الكثير: نظام الحكم هو الأحرص على وجود حركة مجتمع السلم في التحالف من حرص‭ ‬بعض‭ ‬أفرادها‭ ‬عليه‭… ‬ولا‭ ‬يُنبئك‭ ‬مثل‭ ‬خبير‭.‬‮  ‬
لم يكن أحد أشد على الثورات العربية في نظام الحكم مثل أحمد أويحيى، وهي قصة سهلة الفهم لمن يعرف قصص الذين كانوا يُعدُّون للتتويج في تاريخ البشرية ثم جاءت ظروف مفاجئة أفسدت عليهم الحلم ونأت بهم بعيدا عن التاج. لا يمكن تفسير حالة الاضطراب وحِدِّية التصريحات التي أبان عنها أحمد أويحيى والتي كان آخرها التجني على زعيم دولة أخرى على حساب الذاكرة الوطنية وآلام التاريخ إلا القلق الشديد من مُدخلات جديدة اقتحمت سيناريو كبيرا ربما استمر الإعداد له عقودا من الزمن، كان يراد له أن يتجسد غداة مرور نصف قرن على استقلال الجزائر‭.‬‮  ‬‭ ‬
لو بقيت حالة الركود التي كانت عليها الحياة السياسية قبل الثورات العربية لكان هذا السيناريو هو السيناريو المُرجَّح، لأن الانتخابات في هذه الحالة لم تكن لتعني سوى الراضين بالواقع الراكد، وإذا لزم الحال تزويرا جديدا فإنما هي أرقام تُعلن، تؤكد واقعا معتادا، لا يُعقب عليه أحد. غير أن ثمة ثورات وقعت، وطموحات كانت ممنوعة ظهرت، وأصواتا كانت مكبوتة تحررت، وأحزابا جديدة تريد أن ترى النور، وتكتلات إسلامية تتشكل.. فهل بقي لنظام الحكم من حيل جديدة يتجاوز بها مخاوف انهيار خططه؟ وهل ثمة كفاءة وتجرد ونزاهة لدى الإسلاميين الجزائريين‭ ‬تُمكنهم‭ ‬من‭ ‬صون‭ ‬فرصتهم؟‭ ‬هذا‭ ‬الذي‭ ‬سنتحدث‭ ‬عنه‭ ‬بحوله‮ ‬تعالى‭ ‬في‭ ‬المقال‭ ‬المقبل‭.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!