-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

شارع الفكر

الشروق أونلاين
  • 206
  • 0
شارع الفكر

أصاب الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي عندما قال بأن القرن التاسع عشر في الجزائر هو قرن الأمير عبد القادر، وأن القرن العشرين هو قرن الإمام عبد الحميد بن باديس، وهذا القول لا يبخس الآخرين- مجاهدين وعلماء- أشياءهم ولكنهم ليسوا سواء، لا في الجهاد المسلح ولا في الجهاد الفكري، الذي يتطلب ذكاء حادا، وصبرا ومصابرة، وعزما وحزما، وحسن مناورة، و”فقها” لأساليب العدو، وإدراكا لمراميه ومكايده.

لن يتوقف أحد عند وصفي الأمير عبد القادر بالمجاهد، فشهرته الوطنية والدولية قامت -بالدرجة الأولى- على مواقفه البطولية التي أذل فيها جيش فرنسا الذي كان يسمى في القرن التاسع عشر “الجيش العظيم”، حيث وصل إلى موسكو، ومصر، وفلسطين، وإيطاليا، والنمسا، وإسبانيا.. هذا الجيش بضباطه وجنوده وعتاده وقف في وجهه شاب عديم الخبرة العسكرية والقيادية، وأظهر “عبقرية” في إدارة المعارك، ورجولة، وإنسانية نبيلة نادرة، ولذا ضمّه الجنرال يول آزان -رئيس قسم التاريخ في الجيش الفرنسي في ثلاثينيات القرن الماضي- إلى من سماهم (les grands soldas de l’Algérie) وهو عنوان أحد كتبه، ويقصد كبار مجرمي الجيش الفرنسي.. فما هي علاقة هذا الجندي النبيل الشريف بأولئك المجرمين حتى يحشر معهم؟ إن فرنسا لم تكتف بسرقة الحقول والأموال، ولكنها سرقت قبل ذلك وإلى الآن العقول والرجال، يرتفع بهم خسيستها.

ولكن بادي الرأي منا و”علماء القهاوي”، كما يقول الشيخ أبو يعلى الزواوي، سيتوقفون عند وصفي الإمام ابن باديس بـ”المجاهد”، وهو الذي لم تمسك يده لا سيفا، ولا رمحا، ولا قوسا، ولا بندقية.. ولا يدل قولهم ذلك إلا على جهلهم، لأن فرنسا جنّدت في حربها الصليبية ضد الشعب الجزائري من جنود اللسان أضعاف ما جنّدت من جنود السّنان، وما تزال تفعل ذلك إلى الآن. ولن تتوقف هذه الحرب الصليبية الفكرية حتى تشرق الشمس من مغربها.

إن الله -عزّ وجل- قبل أن يأذن للمؤمنين أن يردوا بالسلاح عدوان الأعداء وذلك في السنة الثانية من الهجرة أمر رسوله -عليه الصلاة والسلام- أن “يجاهد” هؤلاء الأعداء بـ”القرآن”، وذلك في المرحلة المكية التي هي مرحلة قلّة المسلمين واستضعافهم.

إن هذا “الجهاد” هو الذي خاضه الإمام المجاهد عبد الحميد بن باديس دون كلل أو ملل أو يأس منذ 1913 إلى 1940، وهو الذي شغله عن الحياة العادية لأي إنسان، فقد عاش كما قال صادقا: “أعيش للإسلام وللجزائر”.

كانت الصحافة المجاهدة إحدى وسائل جهاد الإمام، فأسس في عام 1925 جريدة “المنتقد”، التي سدّدت قذائفها إلى المنحرفين الدينيين وإلى الخائنين وإلى الصليبيين، فضاقوا جميعا بها، وائتمروا بها، فأوقفوها بعد أعداد قليلة، ولكن الإمام المجاهد لم تقعده المؤامرة ومكر السيء فأصدر “الشهاب” الثاقب، الذي أحرق به من سماهم “المتفيقيهين” و”المتريبطين” و”المتعيلمين”، وكوى به جباه الفرنسيين وجنوبهم حتى التحقت ورقاؤه بعالمها الأسمى في 16/4/1940. وقد أحسن الأستاذ مالك بن نبي عندما وصف ذلك النهج الصغير الذي كان يوجد فيه “مركز قيادة المجاهد ابن باديس” ويخرج منه “الشهاب”، وصفه بأنه “شارع الفكر”، (مذكرات شاهد للقرن، ج1، ص: 106، ط2. دار الفكر. دمشق 1984) إذا كان الفرنسيون حاولوا سرقة الأمير المجاهد عبد القادر، فإن الشيوعيين “الجزائريين” حاولوا سرقة الإمام المجاهد عبد الحميد بن باديس ليرفعوا به خسيستهم. (أنظر: الهاشمي الشريف: جريدة النصر في 8/9/1991، وما ادعاه صادق هجرس من أنه اقترح على الرئيس هواري بومدين اتخاذ يوم 16 أفريل ذكرى وفاة الإمام ابن باديس “يوما للعلم”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!