-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

صغرى الدول الكبرى، وكبرى الدول الصغرى

صغرى الدول الكبرى، وكبرى الدول الصغرى

سمعت من أحد مشايخنا – رحمهم اله ورضي عنهم – ولعله الشيخ محمد الصالح رمضان – أن الإمام محمد البشير الإبراهيمي كان يردد في المجالس عن فرنسا أنها “صغرى الدول الكبرى، وكبرى الدول الصغرى”، فوضعها في “منزلة بين المنزلتين” كما يقول بعض علمائنا.

ذكّرني بهذا الوصف ما قاله إيمانويل ماكرون في زيارته الأخيرة للجزائر، حيث قال في أحد تصريحاته: “على الفرنسيين أن يستعدوا لتوديع حياة الرفاهية” أو ما هو في هذا المعنى، والفرق الزمني بين ما قاله الإمام محمد البشير الإبراهيمي وما قاله ماكرون هو أكثر من سبعين سنة، فالإمام الإبراهيمي كان يقول هذا القول بعيد نهاية الحرب العالمية الثانية، وماكرون قال قولته في نهاية الربع الأول من القرن الواحد والعشرين..

الحقيقة التي يجب أن نذكر بها دائما هي أن جهاد الشعب الجزائري كان له الدور الأكبر في إظهار فرنسا في حجمها الحقيقي، وبسبب ذلك الجهاد الشريف صارت فرنسا كما سماها ابنها المجرم شارل دوغول في مذكراته “الأمل”: “رجل أوربا المريض” (ص 347). ولكن بعض الناس مايزالون يعتبرون فرنسا كالرّجل الشّحيم الذي “شحمه ورم” كما قال الشاعر الفحل أبو الطيب المتنبي، الذي يكرهه “الأدباء المخنثون” عندنا.

إن فرنسا لم تصل إلى ما وصلت إليه من “عظمة” ليس بإمكاناتها البشرية والمادية، ولكنها وصلت إلى تلك “العظمة” بفضل سواعد أبناء البلدان التي احتلتها، وبفضل الموارد الاقتصادية من ثروات زراعية، وحيوانية، ومعدنية لتلك البلدان.

إن بداية انحدار فرنسا كان منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ويظهر ذلك بوضوح في المعاملة غير اللائقة التي كان يعامل بها دوغول من طرف رؤساء الاتحاد السوفياتي، والولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا.. وما إدخال فرنسا في مجلس الأمن “عضوا دائما” – بعد الحرب العالمية الثانية – إلا من باب “حفظ ماء وجه فرنسا”، ولحسابات مستقبلية.

بقيت فرنسا تتمتع بكثير من النفوذ في البلدان التي كانت تحتلها بعد ما وضعت على رأسها من يدينون بالولاء لها، الذين أغمضوا أعينهم عن نهبها لثروات شعوبهم، وتمكينهم للغتها “الميتة” التي اضطرت لاستعارة كثير من المفردات الانجليزية في شتى المجالات، ما دعا أحد الظرفاء إلى تسمية اللغة “الفرنسية” اليوم بـ”Franglais”، وهي كلمة مركبة من كلمتي “فرنسية وانجليزية”، ما جعل جاك طوبون يصدر قانونه المشهور في نهاية الثمانينيات.

الغريب هو أن بعض أبناء “المخلوقات الفرنسية” عندنا مايزالون يحسبون أن فرنسا على شيء، فيتمسكون بها تمسكا لا يدل إلا على أن أرواحهم وأفكارهم ماتزال مستعبدة وإن أوهموا أنفسهم والناس أنهم أحرار. وصدق الأخ سليم قلالة الذي أنهى عموده ليوم الأحد الماضي (28-8-2022) بقوله: “إن فرنسا لم تعد فرنسا”. فلا تعاملوها بأكثر مما تستحق، ورحم الله شهداءنا الذين قاموا بالدور الأكبر فيما سماه الجنرال المجرم راؤول صالان: “نهاية امبراطورية”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!