-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ضحكة فرنسا الصفراء..

عمار يزلي
  • 1478
  • 4
ضحكة فرنسا الصفراء..
ح.م

الأحداث في فرنسا التي لا تزال قائمة على قدم، ستُساق حتما إلى زاوية، لكن مفعولها لن ينزوي، وسيبدأ مع بداية السنة تأثيره ورد فعله إن لم يكن قد بدأ. السبب في ذلك هو التحولات التي تحدث دوريا بفعل التحولات الديموغرافية والاقتصادية وما ينجم عنها من خلل في النمو وتوزيع الثروة ونزوع الدولة، كما هي الحال مع كل الأنظمة إلى فرض مزيد من الضرائب من أجل تطوير آلة النمو الرأسمالية، مما يُفهم على حساب تفقير صغار العمال والموظفين.

تناقص القدرة الشرائية كان وراء الحركة الاحتجاجية الواسعة لأصحاب السترات الصفراء، لكن هذا كان له بالتأكيد تاريخٌ وتراكم، مؤداه هو تغير الدورات الاجتماعية التي تتحكم في مصائر الأجيال.

تاريخ فرنسا، الذي يلامس تاريخنا السياسي، يكاد يمر بنفس المراحل التي مررنا بها، بل إن تغيره كان مرتبطا بتغيرنا، وتغيُّرنا ظل مرتبطا بهذا منذ ما قبل الاحتلال.

وخلال 80 سنة، (ما بين 1789 -1870)، خلال جيلين فقط، عرفت فرنسا ما بعد الثورة الفرنسية في 1789 ثلاث إمبراطوريات ومملكتين وجمهوريتين، ومنذ نهاية الحرب البروسية الفرنسية في 1870، ستدخل فرنسا النظام الجمهوري، الذي لا يزال يطبع إلى اليوم دواليبها. غير أن هذا النظام في حاجة إلى ترميم كل 40 سنة، خاصة أن مشكلتها كانت دوما مرتبطة باحتلالها الجزائر. بعد 1870 بأربعين سنة، ستجد نفسها فرنسا أمام مشكلة داخلية وخارجية: الحرب العالمية الثانية والتجنيد الإجباري في الجزائر والقلاقل التي قامت بعد 1912، أي بعد 40 سنة من ذلك. لم تخرج فرنسا من الأزمة إلا متعَبة، زادت من تعبها أكثر ويلات الحرب العالمية الثانية ورد فعلها في الجزائر عشية 8 ماي 45. لهذا، بعد 40 سنة، ستجد فرنسا نفسها أمام فوهة بركان جديد: الثورة الجزائرية بداية من 1954، أي 40 سنة بعد الحرب العالمية الأولى في 1914، ثورة ستقض مضاجعها وتُسقط الحكومات المتعاقبة، لم ينته ذلك إلا مع استقلال الجزائر عن فرنسا وفك الارتباط السياسي.

تاريخ فرنسا كما قلنا مرتبط بتاريخ الجزائر الحديث، لهذا فإن أي تغير هنا أو هناك يؤثر فينا وفيهم.

الجيل السادس للثورة الفرنسية سينتهي مع 2030، وهو تاريخ نهاية الجيل الخامس عندنا وعند معظم الدول المستقلة في الخمسينيات التي تعرف ظروفا مزرية: ليبيا، مصر، اليمن تونس، المغرب.. التي ستعرف تحولات كبيرة عما قريب بحكم هذا القانون؛ قانون تبدل الأجيال والتطور غير المتكافئ والتوزيع غير العادل للثروات… والريع.

ما حدث في فرنسا سببه الرئيسي ليس الضرائب على المحروقات، بل تراكم الضرائب والجبايات وتقلص القدرة الشرائية للمواطن. هكذا كانت حال كل ثورة شعبية.. عندما تضعف الدولة تعمل على حلب المواطن، وعندما تتطور الدولة (أي رجال المال والرأسمالية)، تضطر الدولة إلى تقوية العسكر والإدارة حفاظا على النظام الذي يتحكم فيه منتجو السلاح والمتحكمون في المال والأرزاق والسلطة، فتُرفع الضرائب على المستهلكين وتُخفض على رجال المال، ما يوسع الفجوة ويبعث على الشعور بالظلم والاحتقان، لتأتي الشرارة لتفجِّر برميل البارود. لهذا نقول إن فرنسا ماكرون أرادت من حيث لا تعي تطوير آلياتها الاقتصادية التنافسية مع أوروبا وأمريكا وآسيا وروسيا، فعمدت إلى رفع الضرائب حتى أصبحت أكبر دولة أوربية فارضة للضرائب على مواطنيها، بالمقابل تخفيض الضرائب على كبار الأغنياء، وهذا ما سيفجِّر التوازن المختل من أجل إعادة تصحيح الموضع المتنامي في الاختلال.. لعله يكون ثاني تحول بعد الاحتلال.. بعد ثورة الطلبة في 1968.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • bamour

    عندما تقرأ مقالا كهذا تتعلم أن السنن لا تتغير بين الحاكم و المحكوم ، اي متى كان العدل هو أساس العلاقة بينهما سارت الأمور و متى كان الجور في تقسيم الثروة ساءت العلاقة و جاءت السنن لتعيد نفسها ... هذا ليس تعليقا على الكاتب الأستاذ في علم الإجتماع بل إعجابا بالتحليل ... و من يريد أن يقرأ يستمع لأستاذه ...

  • ثانينه

    فرنسا قادره علي اشقاها وخطا ان نقارنها بالجزائر بلد العالم الثالت فرنسا بلد منتج للثروه الجزائر بلد مستهلك للثوره ثم مالكم والاهتمام بفرنسا التي تعتبرون سبب فشل الجزائر هو فرنسا رغم 60 سنه من الاستقلال خليو فرنسا ترانكيل شوفو حالتكم اللي تبكي واللي مربوظه بسعر البرميل الدي قرب موعد نفاده

  • المحلل السياسي

    ربما هي مجرد لعبة لنشرها في الدول العربية التي لم يصيبها الدمار العربي------لا اعتقد ان جمهورية عمرها
    قرنين او اكثر تسقط في مأزق.

  • جزائري حر

    وياك هي (فرنسا) تحب الحركى (بني كرشون).