-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

عالم ما بعد الطوفان

عمار يزلي
  • 604
  • 0
عالم ما بعد الطوفان

العالم بعد 7 أكتوبر 2023، لن يكون كما كان قبل، فطوفان الأقصى هزّ أركان العالم أكثر مما هزّته الحرب الروسية الأوكرانية، وإذا تزامن الحدثان وتقاطعا، فهذا مؤشرٌ آخر عن كون العالم بدأ فعلا في التحول والتغير نحو مرحلة لا نعرف شكلها ولا تبعاتها، سوى أنها ستكون مختلفة عما سبق، سواء من ناحية موازين القوى أم من ناحية الرهانات.

الواضح، أن هذه التغيرات ستكون وبالا على الغرب بشكل عامّ ومكسبا لمحور مقاومة النظام العالمي القديم: هذا المحور الذي ينتشر ويتّسع يوما بعد آخر في كل القارات.

العدوان المدمِّر على غزة، فضح الجميع وعرّى الجميع ممن كانوا يمثلون غطاء للكيان الذي غرس في قلب الأمة العربية والإسلامية من طرف عتاة الاستعمار القديم وجرت رعايته منذ نشأته على أساس عنصري وكقاعدة متقدمة في شرق المتوسط والشرق الأوسط.

ما يحدث في أوكرانيا وفي غزة خاصة، ينذر بتغير وشيك للعلاقات الدولية والمواقف والتكتلات بعد أن فُضح “الطفل المدلل” أمام الرأي العام الشاب المناهض للسرديات الذي لقّنها الإعلام والمؤسسات العربية لثلاثة أجيال منذ نهاية الحرب العالمية الثانية: هذه السردية المعتمدة على متكأ “المظلومية” التاريخية لليهود على أيدي النازيين والمحرقة الألمانية، سقطت اليوم في مستنقع غزة وحمام دم الأبرياء الذي أحرقهم هذا الكيان الذي يختبئ خلف “المحرقة”.

قصة غزة ليست في حاجة بعد الآن إلى سردية أدبية، فلقد شهد وشاهد العالم وسيبقى يشاهد ذلك رغم مقص غرف التحرير للمشاهد “الصادمة للمشاهد الغربي ذي القلب الرهيف”، كما سيصوغون أعمال الرقابة وحركة المقص، وهذا بعد انقشاع غيوم دخان أطنان من القذائف التي مولت بها أمريكا والغرب هذا الكيان الهمجي لقصف 2.3 مليون ساكن محاصَر منذ 17 سنة في رقعة لا تتجاوز 365 كلم مربع. لقد شاهد العالم، وبالأخص العالم الحرّ من شباب دون الثلاثين من “الجيل الخامس” كما يسمى، سواء في أمريكا أم في أوروبا، لقد شاهد الحقائق الصادمة التي سكت عنها الغرب طويلا وحاول أن يسكت عنها ويتغافلها ويستغفل المشاهدين بشأنها مروِّجا نكهة مضغ علكة السردية الصهيونية التي بانت نكهتها أضحوكة مرة عفنة تزكم أنوف العالم وتقيئ متذوقها وهذا أمام العالم الحر.

العالم بعد غزة سيكون طوفانا عالميا، سينقلب السحر على الساحر، سواء بسبب الحرب الأوكرانية والتحالف ضد روسيا الذي حرك وغذى طبخة الروسوفوبيا كما سبق له أن طبخ مرق الإسلاموفوبيا. العالم بعد غزة وأوكرانيا قد يكون مريعا ومخيفا لما قد ينتج عنه من “صدام الحضارات” والكتل والحروب بين القوى العظمى، حتى ولو أنها مستبعدة لأن ذلك يعني فناء الجميع، لكن الحروب بالوكالات ستتعاظم ومحور المقاومة آخذٌ في الاستنفار والاستعداد لمرحلة ما بعد غزة، ولن يفلح الغرب الاستعماري بعد اليوم في أن يفرض الأجندة التاريخية التي سمحت له بها ظروف ما بعد الحرب العالمية الثانية أن يهيمن على العالم بفعل المال ورأس المال المالي اليهودي بشكل أخص، في العالم ككل مستفيدا من هذه المظلومية التي استثمرها في تأسيس الكيان الغاصب ليستمرّ في الاغتصاب وقضم أراض وكتل وهيمنة على المنطقة بفعل التسليح المعلن نوويا وغير نووي.

الكيان الصهيوني، لن يكون بعد غزة كما كان؛ لقد وصلنا إلى الذروة وإلى نهاية الدورة، وما السنوات القليلة المقبلة إلا حصة للمشاهدة بالبطيء لرؤية كيف تنهار قوى كبرى ومعها الغدة السرطانية بفعل الكي الكيميائي لقوى المقاومة وما يلحق بهما من بؤر التطبيع.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!