-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

على النخبة أن تحسم الأمر!

محمد سليم قلالة
  • 3345
  • 17
على النخبة أن تحسم الأمر!

ازداد تهميش دور النخبة والذكاء والإبداع في السنوات الأخيرة، وتعالت الكثير من الأصوات تقول أن لا قدرة لها في التأثير على مجرى الأمور، أو في المساهمة في تحديد مستقبل البلاد ورسم سياساتها العامة، سَخر من رموزها البعض وأهانها مسؤولون في أعلى هرم السلطة، بل وأحطوا من شأن كل صاحب فكرة قادر على النقاش أو رافض لمسايرة منطق الجهل، وأحيانا حاربوه إلى حد الإقصاء أوالإلغاء، واليوم يريدون تكريس هذا الاتجاه بأن يفرضوا انتصار الجهل على العلم، واللامنطق على المنطق واللامعقول على المعقول، وإلا فإنهم مستعدون للدفع بالبلاد نحو المجهول.

لقد حان الوقت لمنع الجهل يحكم العلم، وحان الوقت لمنع الرداءة تحكم الكفاءة، وحان الوقت لمنع من لا يحسنون الكلام يحكمون من يحسنونه، وحان الوقت لمنع من لا أخلاق لهم يحكمون ذوي الأخلاق العالية، وحان الوقت لمنع اللاأدب يحكم الأدب، وحان الوقت لمنع الفاسد يحكم الصالح، وحان الوقت لإعادة الأمور إلى نصابها.

ليس من المبرر تماما أن  تبقى الأمور على حالها ضد المنطق وضد العقل، لم يعد من الممكن اليوم إيجاد تبرير لما لا يبرر، هل البلاد هي ملك لمجموعة بعينها حتى تبقى في الحكم أبد الآبدين. هل ليس من حق الشعب الجزائري أن يختار من يشاء في الحكم؟ هل ليس من حقه أن يعرف أين وكيف أُنفقت أمواله، هل مازال عاجزا عن أن يعرف أن الطريق السيار لا يمكنه أن يكلف أبدا تلك المبالغ الطائلة التي أُنفقت من أجله؟ وهل مازال عاجزا عن أن يعرف سر إنجاز مشروع نقل ماء غير صالح للشرب من عين صالح إلى تمنراست؟ وهل مازال عاجزا إلى درجة تصديق أنه تم إنجاز أكثر من مليون ونصف مليون وحدة سكنية؟ وهل هو يعيش في كوكب آخر حتى يصدّق أن نسبة البطالة هي أقل من 10 بالمئة؟ وهل هو متخلّف عقليا حتى يصدّق أنه يمكن لشخص أو حزب مهما كان أن يجمع 4 ملايين توقيع في ثلاثة أيام؟ وهل فقد منطقه وعقله وصحته وشبابه ليقبل برئيس مريض يحكمه؟

يبدو أن هناك فئة مازالت تؤمن وإلى اليوم بأن الحيلة تغلب الذكاء، والجهل يغلب العلم، وأن هؤلاء الذين يُسمون أنفسهم “نخبة” ليسوا سوى أولئك المعلمين والأساتذة، والشعراء والفنانين والأطباء والمهندسين، ورجال القانون والإعلام والطلبة والعمال والفلاحين الأذكياء، بل وكل من قرأ وكتب بدء من قوله تعالى “قل أعوذ برب الفلق” التي سخر منها أحدهم واعتبرها شعرا. وما دامت النخبة لا تمثل سوى هؤلاء ــ يقولون ــ فلا حاجة لنا بها، لأننا نعول على الشعب والشعب معنا، في جهل مركب تام للتمييز بين من تكون النخبة ومن يكون الشعب.

بالفعل لقد غاب على هؤلاء أن النخبة اليوم أصبحت هي الشعب. لقد غاب على هؤلاء أن ما حدث من تحول كبير في المجتمع الجزائري منذ الاستقلال، جعل النخبة تصبح ممثلة في كل بيت في الريف أو المدينة، وفي كل قطاع من الصناعة إلى الفلاحة إلى البناء إلى الخدمات، وأن تهميشها و”حڤرتها” مثل الشعب، جعلها تزداد ارتباطا به، ولعلّهم لم يدركوا أن التبدلات الحاصلة في مستوى توزيع المعرفة (من خلال التعليم) ستؤدي بالضرورة إلى تبدلات في مستوى توزيع السلطة (الحكم) على حد تعبير السوسيولوجي الأمريكي الشهير “ألفن توفلر”، بل لم يدركوا أن سياسة ديمقراطية التعليم ومجانيته وتعميمه التي أقرّها منذ الاستقلال رجال مخلصون للوطن والشعب، قد أدت بالفعل إلى إنشاء هذا الجيل الذي من بينه (المعلمون والأساتذة والأطباء والمهندسون والقضاة والمحامون والطلبة والصحفيون، والعمال والفلاحون المتعلمون…الخ)، الذين أصبحوا محل سخرية الآن يوصفون بـ”الدراويش” و”المساكين” لأنهم متعلّمون، بالرغم من أنهم في الواقع وبحكم طبيعة التطور الاجتماعي، هم من ينتظرهم إعادة توزيع السلطة وهم أهل الحكم في المستقبل.

هذا التطور الطبيعي للأشياء لا يريد أن يعترف به البعض، ويصرون على الاستهتار به والسخرية منه، إنهم مازالوا يتندّرون بالقول: “زعموا أن النخبة ستحكم”.

دعهم يتندّرون، ودعهم يعتقدون بأن الشعب الجزائري مازال كسنوات مضت يؤمن أنهم بالفعل يشبهون الحكام الذين صهرتهم الثورة، وقادهم الصدق إلى النجاح حتى من غير علم أو تعليم.

دعهم يعتقدون أن الذين يتابعونهم في القاعات المغلقة حيث تجري الحملة الانتخابية، أو يتابعون خطبهم وتحاليلهم عبر وسائل الإعلام، أو يعلقون على نوادرهم وزلاّت لسانهم، أو يقذفونهم بالحجارة أو الياغورت هنا أو هناك، هم رعاع لا مستوى ثقافي لهم، ولا كفاءة لديهم في أي من المجالات، دعهم يعتقدون أن من يحيطون بهم من مستشارين وكفاءات ذات مستوى عال هم أدوات يسيرونها كما شاؤوا، “نخبة” لا حول ولا قوة لها إلا كما يريدون، دعهم يعتقدون ذلك  حتى إذا ما حانت ساعة الحسم، وأُعلن القرار سيكتشفون طبيعة الوهم الذي كانوا فيه.

ولا شك أن هذا القرار سيتخذ، إن من النخبة التي هي الآن تشكل جزءا كبيرا من المجتمع ولها كل التأثير فيه، في العائلات والأحياء والمدن وحتى القرى، أو من النخبة التي هي الآن تمتلك بعض القرار أو هي قريبة من سلطة القرار، التي لم يعد أمامها سوى خيار واحد أن تحسم الأمر، وكلاهما يستطيع أن يصنع مستقبل الجزائر.

لم يعد مقبولا اليوم من أي جزائري يملك جزء من المعرفة، أن يسمح بأن يضيع منه ذلك الجزء من السلطة الذي يستحقه ليذهب لمن لا يستحق.

علينا جميعا أن ندرك أننا بدأنا نعيش مرحلة تحول حقيقي في السلطة ببلادنا، من سلطة تعبّر عن حكم مجموعة تعتقد أن الشعب جاهل ـ يتبع من يطعمه ـ (على حد قول أحد المسؤولين) إلى سلطة تعبّر عن غالبية تعتقد أن الشعب أصبح متعلما لا يتبع إلا من يقنعه ببقية مسار الطريق.

ولا نشك أن ما نلاحظه اليوم، من انخراط واسع لأفراد النخبة في العمل السياسي، ومن مواقف واضحة للغالبية منهم بشأن مستقبل البلاد، من أي مشرب فكري كانوا، إنما هو المؤشر الحقيقي أن زمن النخبة الواعية المسؤولة قد حل.

لقد تأكد لي هذا في أكثر من موقع انتخابي حضرته، حيث وجدت أن الوجوه قد تبدلت، وأن عدد الجامعيين والمتعلمين الذين يشاركون في العمل السياسي أكثر من غيرهم، وعدد الأميين الذين يقودون المسيرة قد بدأ في التقهقر. وبرغم بقاء بعض رموز “الجهل” ممن يحركون المال الفاسد، ويتحركون به بارزة، وبرغم بقاء فئة من الناس تحيط بهم لتحقيق مأرب أو غاية من الغايات، إلا أن الطريق الذي يسلكون بات قصيرا والكل أصبح يعلم قرب نهايته، فقط هي النخبة في حاجة اليوم، إلى أن تتخذ القرار، بل وأن تحسم القرار، وبإمكانها ذلك إذا أرادت.   

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
17
  • أرقاز من جرجرة

    شكرا يا دكتور ، ليت هذا المقال يحرك المواجع . ونقول بأن الشعب اليوم أصبح كله نخبة ، الا أنه على درجات من النخب . نقول هذا بكل تأكيد لأننا نسجل التذمر والسخط والإشمئزاز والقنوط من هذا الوضع المزري وهذا النظام الفاشل المتسلط على رقاب الشعب، نسجله ونلاحظه في بيوت عامة الناس لدى غير المتعلمين أصلا. ومن هنا نستخلص بأن أمر وجود النخب مفروغ منه، لكن بقي فقط من يعجل بتفعيل دور هذه النخب، وهنا نلقي بكل اللوم على الشخصيات الوطنية النظيفة التي لزمت بيوتها وبقيت صامتة تتفرج وكأن مصير البلد لايعنيهم ...أسفا

  • ali bellala

    لا توجد نخبة يا دكتور و ادا وجدة فهي لا تخيف النظام ، هدا النظام كالثعبان يغير جلده كل ما سنحة له الفرصة، و النخبة التي تتكلم عنها هي جزء من جلد الثعبان الدي تم تغييره في مرحلة ما من تاريخ الجزائر، نعم هدا النظام يعمل بمقولة ديقول الدي قال دات يوم في مستعمرته diviser pour reigner le plus tongtemps possible ، و النظام عرف كيف يقسم الشعب الى اجزاء متععدة ، اسرة ثورية ، ابناء الشهداء ابناء المجاهدين ارامل الشهداء، ضحاية الارهاب ، الجيش،الامن ، المستيدون من الريع ، هدا هو الوعاء الانتخابي الدي يعتمد

  • Aek dz

    النخبةكلمةجميلة وتعبر عن صفوة المجتمع في كل مجالات السياسيةوالاقتصاديةوالاجتماعيةوالثقافيةوالعسكريةالا في الجزائرليس لهاقيمة.لماسيطر اشباه المثقفين على زمام الامور في المجتمع وهم من يصنعون القراروالمؤسف له حقامشاركتهم في تنفيذه بعض من معهم شهادات عليامن الشياتين.فعدم احترام نخب الوطن من الكفاءات في كل المجالات وعدم الاهتمام بالعلوم والمعارف ميدانيا وعدم الاخذ بعين الاعتبارلنتائج مراكزالدراسات العلميةوالبحوث التي تقوم به نخب الوطن او في الخارج في الاستراتيجيات الشاملةوعلم الاستشراف والتكنولجيات.

  • عيسى

    عن أي نخبة تتحدث أو تلمح أو تبحث يا رجل
    عن من يصنعون الردائة اليوم سواء كانوا في السباق أو أولائك الذين في الشوارع و المطالبين بمطالب لا عقل فيها و لا منطق ؟ أم مع من يصنع العنف و يحرق الصور و المقرات ؟

    أين النظال الحقيقي لهؤلاء على مدار الوقت و الزمن ؟ أين هم من العمل الميداني الفعال لتجنيد الشعب و بناء فكر و توجه سياسي حقيقي عوض الخروج في الوقت البدل الضائع قبيل سويعات من الإستحقاقات ؟ أوليس هذا الأخير هو من عمل الإنتهازيين ؟

    كفانا دجل و جدل فحرمة الوطن من حرمة الدين. الإصلاح يبدأ من العمق.

  • فاتح

    شكرا يا استاذ ربي حفظ البلاد ويلم لا خير في أمة تقدس الجهل و الجهالة و تعرض عن العلم و تهين أهلهشملنا . و لا كن الخير في نخبها المثقفة هي التي ستقود البلاد الى بر الامان ان شاء الله

  • ابو حسام

    بسم الله الرحمان الرحيم
    " إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ"
    يقول عبد الرحمان الكواكبي:
    " المستبد في لحظة جلوسه على عرشه ووضع تاجه الموروث على رأسه يرى نفسه كان إنساناً فصار إلهاً " .

  • فوزي

    استاذ سليم . علينا اولا ان نحدد المصطلحات
    النخبة/ المثقف/ المناضل/ السياسي...
    هل تنكر سيدي ان من عللى سدة الحكم انهم ليسوا من النخبة . لكنهم عندما وصلوا باعوا كل شي بما فيها مبدائهم
    فالكارثة عظيمة سيدي

  • بلقاسم

    اتمنى ان يكون الموضوع القادم هو كيف ومتى و مع من يمكن حسم القرار؟

  • هشام

    صحيح أن الجزائر اليوم تملك النخب و لكنها نخب مشتت شملها في مجتمع تسوده الفوضى، و التشتت و الفوضى من عمل النظام القائم، إن النخبة اليوم مطالبة بلم الشمل أولا ثم وضع الأطر التي تسمح لها بإيصال أفكارها إلى المجتمع المدني، فتصبح هذه الأفكار وقود كل حراك شعبي كان أو سياسي، عندئذ فقط يمكن للنخبة أن تحسم الأمر يا أستاذي. أما هذا التنظير الذي أمارسه أنا و أنت و هو و هم فلن يكون له جدوى، فقد نجحت سياسة فرق تسد التي تبناها النظام و لا مجال لمجاراته إلا بالتجمع و الاتحاد، هل هو ممكن اليوم؟ اللهم يسره لنا

  • صلاح الدين

    شكرا استاذنا الفاضل على الموضوع القيم .اقول بان جيلنا المثقف جيل الاستقلال لم يسلم لنا المشعل و ها نحن على ابواب التقاعد و بقى المشعل حبيس وجوه الثمانين الله يشعلوا فى وجوههم

  • بدون اسم

    الاستاذ اتبعت مقالاتك منذ زمن
    ارى المنطق اءلغي وضهر بعض اشبه المثقفين يهترفون بما لايعون

  • عبدالحفيظ

    السلام عليكم ليس لي تعليق حول الموضوع لكن اشكركم على ما تقدمونه من رؤى و نصائح للامة شكرا

  • Kada

    عن اي نخبة تتكلم يااستاذ ؟ هل الخبزيست والمستنفيعين؟ام المعارضين من وراءالبحار؟ام الذين اينما تميل ريح القوة و المصلحةيميلون؟ام الاقصائيةوالاستئصاليةوتخوين الغير؟ام التي تكفركل الناس عدا من هومن الجماعةاو الحزب اوالطائفة؟حسب وجهةنظري المتواضعةهذه هي النخب الموجودةفي الجزائراليوم.ليس من باب التشائم انني صنفت النخب بذلك التصنيف لكن الواقع من يثبت ذلك.اماالنخب القادرةعلى التغيير من الذين يريدون الخيرللجزائر وكل الجزائريين فهم يعدون على رؤوس الاصابع وليس عندنامنهم الكثيرولايبرزون الا بزوال هذاالنظام

  • محمود

    كلامك خطابي مرسل يا "دكتور " حان الوقت. لم يعد من الممكن .. لم يعد مقبولا اليوم .. علينا جميعا أن ..
    عندما تتخلصون يا معشر الاساتذة الجامعيين من آفات التحرش و الغش و السرقة العلمية و التزلف للحصول على الرحلات السياحية باسم البحث العلمي و تنظيم الزردات المسماة ظلما ملتقيات علمية بأموال الريع البترولي فقط من أجل الأكل في المطاعم و الحصول على المحافظ و الأقلام و الهروب من المحاضرات مدة ايام الملتقى عندما تتخلصون من هذه الآفات المعيبة تكلموا عن الاصلاح و إلا فانتم لا تختلفون عمن تنتقدونهم

  • بدون اسم

    شكرا أستاذ على الموضوع... و أقول يجب ان ينتهي عصر فقر السياسة و ينتصر عصر سياسة الفكرة و العلم... إذ لا خير في أمة تقدس الجهل و الجهالة و تعرض عن العلم و تهين أهله...يجب أن ننتقل من عصر تقديس الأوثان و الجهل وثنية إلى عصر الفكرة و العمل بها...فالمجتمع اليوم ضحية فقر السياسة و سياسة الفقر "فقر في الأخلاق، فقر الأفكار..."؟

  • korichi

    في الجزائر توجد قنابل موقوتة

    ـ 000 500 1 طالب جامعي

    ـ 000 100 متخرج كل سنة

    ـ 000 600 أستاذ تعليم " بدون احتساب التعليم العالي "

    ـ 000 100 2 موظف

    ربي بيقي الستيرة على هذه "البلاد ّ!!!!!!!

  • الهواري

    كان على النخبة المستقلة (خبراء إقتصاد) أن يحسموا الجدل الذي حصل فيما يسمى إنجازات الرئيس 800 مليار دولار في طريق شرق-غرب ,سكنات, الماء لتمنراست....
    و أنتم مركز الشروق لدراسات الإستراتجية لو نشرتم تقرير إقتصادي في هذا المجال لحسمتم الأمر..."و لا تعرفوا غير تجيبوا الظواهر الصوتية تع الأفلان تكثر الهدرة في القناة و خلاص؟"

    يا بوتفليقة الصرف وين راه؟؟؟