“فرش التراب” تناولت الموت وليس المحمول على الأكتاف

من بين المنشدين المميزين على الساحة العربية من خلال أعمال رسخت لدى الجمهور العربي يرددها الكبير قبل الصغير على غرار “خير البرية”، “يا رجائي”، “فرش التراب”، هذه الأخيرة التي لاقت نصيبا وافرا من النقد، “الشروق العربي” اتصلت بالمنشد الشاب مشاري العرادة، واستفسرت منه عن عديد القضايا المهمة التي ستجدونها بين ثنايا هذا الحوار.

*قال الشيخ القرضاوي في حصة “الشريعة والحياة”: اقتلوا كل من يساند النظام ويؤيده حتى ولو كان عالما، أفرز اغتيال آخر علماء السنة بدمشق الشيخ “البوطي” رحمه الله، ما تقولون في هذه القضية؟

أظن بأن أخطر ما نواجهه اليوم في وسائل الإعلام هو أخذ المانشيت وترك التفاصيل لتصبح الفتاوى والآراء تتوشح رداء (التعميم) رغم ما لها من تفصيل وضوابط أخرى يغفل عنها المتلقي الذي اقتطع من ذهنه جزءا من الحديث وترك الباقي، لذا فإنني أعتقد بأن هذه القضية لم تكن تحدد شيخاً أو طائفة بعينها، بالإضافة إلى أن القتل الذي تبيّن لنا بما لا يدع مجالاً للشك بأن هدفه زعزعة صف المقاومة إعلامياً وأوضح هزلية النظام في فبركة وتلفيق القصص الدامية التي تحدث يومياً في تصفية الحلفاء قبل الخصوم، وأول من استخدم هذه الفتاوى هي الأنظمة نفسها في العراق والشام ومصر وليبيا التي قامت بتصفية العلماء والرموز لتشعل نار الفتنة بينهم .

*لماذا يعد خيار التيار الاسلامي الأصعب عند الشعوب العربية في سدة الحكم؟

هذا يرجع لأسباب كثيرة من أهمها تعدد التيارات الإسلامية وتشتتها، بل وعداوة بعضها لبعض وتناحرها من الداخل، كذلك النماذج السلبية التي يحاول الإعلام وخصوم الدين من المسلمين وغيرهم تسليط الأضواء عليها والتركيز عليها بهدف إفقاد الثقة فيها من خلال بعض النماذج التي يظهرها عن الإسلاميين مع ضعف الإسلاميين في الجانب الإعلامي، كذلك تشتت مشاريع وأوليات الإسلاميين يضعف من كفاءتهم في الحكم والنجاح فيه.    

*يقول الرسول –صلى الله عليه وسلم- وشك أن يأتي على الناس زمان لا يبقى من الإسلام إلا اسمه، ولا يبقى من القرآن إلا رسمه، مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى، علماؤهم شر مَن تحت أديم السماء، مِن عندهم تخرج الفتنة وفيهم تعود. هل وصلنا إلى ذلكم الزمان؟

هذا من الأثر الذي يروى عن الإمام علي كرم الله وجهه وفيه ضعف، ولكن من حيث المضمون فقد أتى بما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم بأن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً وربما لا يخرج عن هذا المعنى، وهو سنة كونية في الأرض لمختلف الديانات التي جرى عليها التحريف والتغيير، ولكن دين الإسلام يبقى في الناس إلى قيام الساعة يعتريه الضعف في الظاهر ويبقى في اللّب قوياً متيناً لا يتزعزع وفي قلوب المؤمنين ثابت لا يتغير، لأن الله سبحانه وتعالى ختم به الرسالات وحفظ القرآن ويسّره للناس، والفتن جرت في الأمة على مرّ العصور وكانت ربما أحلك من ذلك، ولكن نحن مع البشائر الربانية والتفاؤل القرآني والنهج المحمدي المبشر، فالدين الإسلامي دين البشائر والمبشرات يزرع فيهم إلى نهاية الزمان حب المبادرة ولو كانت غرس فسيلة..

*تاريخ النشيد او الأنشودة يقول أنه قائم على الرجاء، الترغيب، لكن الكثيرين يرون أن أنشودة “فرشي التراب” كانت تخويفا أكثر من شيء آخر وهذا قد يؤدي إلى التنفير كيف ترد على ذلك؟ هل جاءت أنشودة “فرش التراب”، لأنك رأيت أن الناس انصرفوا وراء الدنيا وابتعدوا عن الآخرة؟ كما يعتبر الكثيرون أن أنشودة “فرشي التراب” تطرقت للأمور الغيبية، خاصة وأن المحمول على الأكتاف لا ندري جزاءه، كيف ترى ذلك؟

النشيد يأتي في سياق الشريعة الإسلامية كإطار عام على مضامينها والمواضيع التي يتناولها، حيث يأتي الإيمان بالله عز وجل على جناحي الخوف والرجاء، كما يقول ابن القيم رحمه الله، فلا يوجد ما يمنع من تناول هذه المواضيع بأشكال فنية وعظية مع الموازنة بينهما، فلا يطغى جانب على آخر، كذلك لم نكن نقصد أن نقوم بأنشودة مصورة بهذه الطريقة وبهذا الأسلوب، كل ما في الأمر أن الشاعر طرح علي القصيدة وأعجبت بها واخترتها أن تكون ضمن أناشيد شريط يا رجائي الثالث فصادف وقت تلحينها وفاة أحد أقاربي المقربين مني جدًا، فكانت القصيدة متنفسا لألحاني الحزينة التي لم يخالطها تصنع، وبعد القيام بتسجيلها كانت ذات صدى طيب من طاقم العمل ومن كان يستمع لها، وكان في القصيدة بعض المشاهد التصويرية التي ساعدتنا على الإقدام لتسجيلها فيديو كليب، والحمد لله كان التوفيق في جميع مراحل العمل بدءا بتأليف القصيدة وانتهاء بعرضها على شاشات التلفزيون الفضائية، وكان أكثر ما ميّز الأنشودة هو تناولها لموضوع عام لا يخص شريحة معينة ملتزمة أو غير ملتزمة، مسلمة أو غير مسلمة، ولكنها رسالة إنسانية وفق منظورنا الاسلامي لها. والأمور الغيبية هي جزء من عقيدتنا الإسلامية، ولم نتناول المحمول على الأكتاف بقدر تناولنا للموت ونهاية كل إنسان سواء كان مسلما أو غير مسلم.

*قلتم سابقا سيناريو الهلال الشيعي مازال يخطو بشكل جارف على مناطق العراق وسوريا ولبنان، وبقية الأمة مشغولة إما بثرواتها وإما بثوراتها، كيف ذلك؟

ما كنا نسمع عنه بدأ ينفذ على أرض الواقع بصورة أو بأخرى، وهذا الحال يذكرني بملوك الطوائف في شبه الجزيرة الأيبيرية “بلاد الأندلس” التي سقطت دويلاتها بسبب انشغال هذه الدويلات بثرواتها ونعم الله عليها وإسرافها في الأرض، ودويلات أخرى انشغلت بثوراتها والفتن التي تحيكها وتحاك لها من جيرانها، أجد بأن الحكومة الإيرانية والنظام السوري وحزب الله اللبناني يشكلون الهلال الشيعي الذي تحلم به إيران وتعمل على المحافظة عليه بكل ما تملك من قوة وهذا واضح وجلي للعيان، وخطره على الدويلات السنية مستقبلاً يهدد أمنها واستقرارها.

*ماذا عن اقرؤوا للإخوان ولا تقرؤوا عنهم؟

جماعة الأخوان المسلمين كغيرها من الجماعات الإسلامية يراد لها أن تكون إما جماعة صوفية أو جماعة بعيدة عن كل ما يخص الحكم أو حتى المشاركة في الحكم وذلك بهدف اقصاء الوجود الإسلامي منذ سقوط الخلافة الإسلامية وحتى يومنا هذا من سدة الحكم الذي ظلت عقودا طويلة محتكرة لفئات دون أخرى، حتى ولو كانت الوسيلة هي الدم والسجون والإقصاء والإعدامات العشوائية، وهذا ما حصل اليوم، حيث يواجه الإخوان موجة إعلامية تشويهية على منهج دعوتهم، ومن جهتي فهذه دعوة إلى لناس لقراءة منهجهم قبل أن يقرؤوا من خصومهم.

*هل زرت الجزائر، وماذا تعرف عنها؟

حتى الآن لم يحالفن الحظ لزيارتها ولكنني أتطلع لزيارتها قريباً بإذن الله وألتقي بشعبها العظيم والذواق للفن والنشيد، والذي يزخر بتاريخ طويل من الأسماء الفنية الكبيرة والإرث الثقافي الذي يحق للجزائر أن تفاخر به.