-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

في القصبة.. ريحة رمضان وسر الأربعين يوما وأذان الصنعة

فاروق كداش
  • 1754
  • 0
في القصبة.. ريحة رمضان وسر الأربعين يوما وأذان الصنعة

للقصبة سطوة عجيبة على النفوس. فمدينة عريقة مثلها لا يجب أن تشبه أي مدينة أخرى. فجدرانها تاريخ حي وبيوتها متاحف صامدة ضد التغيير، ولسان ناسها حلو محلـى.. وإن حلفت القصباوية فستقول حتما بالكفارة وصيام العام، أي إن حنثت ستصوم السنة بأكملها.. فما هو حالها وحال بيتها في رمضان… الشروق العربي تعيدكم لأيام الزمن الجميل، في سقايف ودور القصبة العتيقة ودق المدفع تمام الإفطار.

في القصبة زمان لرمضان رائحة افتقدناها اليوم. فالتحضيرات لهذا الشهر الفضيل تظهر للعيان من خلال التنظيف والترتيب ودهان البيوت وتحضير الأواني، كل هذا طبعا والكل يمد يد العون، فالأم تنشغل بدويرتها والأب “يقضي” لوازم البيت بعد قهيوة مع لحباب، والأطفال فرحون بالصيام لأول مرة يجلبون الماء من العيون في جلبة مقصودة.. في رمضان المدمن على الخمر يقلع عن فعلته أربعين يوما قبل ليلة الشك، كي تقبل صلاته، اعتقادا ونية منهم أنها المدة الكافية كي يتخلص الجسم من آثار الكحول اللعين… في القصبة تنتشر العيون بكثرة، فقرب كل جامع عين، وقرب كل زقاق عين تنتظرك لتتوضأ وتتطهر، بالإضافة إلى ارتباطها بالشرب والري أخذت هذه العيون أبعادا معمارية لقدسيتها، فهندستها الموريسكية مزجت حرفة الزليج بأنواعه بالقرنفلة والفوارة بلونيها الأبيض والأخضر أو الأبيض والأزرق وفم الأسد الذي يفيض منه الماء.

بعيدا عن الساتيني والفنيل، كانت نسوة القصبة عادة هن من يعدن طلاء البيت بالجير الممزوج بالنيلة الزرقاء وفرينة ورق التين البربري، لتبيث الجير والحفاظ علـى رطوبة البيت، ففي رمضان، الكل يتطهر حتى الجدران. ولم تقتصر عادة طلاء وغسل الجدران على البیوت فقط، فالمساجد أيضا كانت تستعد لشهر التراویح، بطلاء جدرانها أو غسلها، وكذلك السجاد. وتُركّب المصابیح الملونة على مآذنها وقبابها وعلى مداخلها. وكذا تفعل الزوایا التي كانت منتشرة في أزقة المدینة القدیمة.

للأواني في رمضان رمزية كبيرة لدى الجزائريات، فهي مرتبطة بالتجديد وتعويض ما تكسر من السنة الماضية، فمن غير اللائق طهو شوربة مقطفة في قدر قديمة، وليس من المستساغ أن يكون طقم التقديم ناقصا.. فهذا انتقاص من قدر الضيوف وقلة أدب لا تغتفر في المعتقد السائد في تلك الفترة المميزة. ورغم الاستعمار، فالعادات بقيت وترسخت وتستميت في البقاء.

في الأسواق، تكتظ النسوة لشراء توابل البيت من العكري والقرفة والكمون، إلى الفلفل الأكحل ورأس الحانوت والكروية، وتغمس أناملها لتتحسس التابل بعناية، وتتأكد من نوعيته الجيدة.

مدفع الإفطار.. فكرة فرنسية

قبل التلفزيون والراديو، كيف كان سكان القصبة يعرفون وقت أذان المغرب للإفطار؟ إنه سر الهندسة الفريدة لمدينة القصبة. فقد بنيت في منحدرات من بوزريعة إلى لابيشري بطريقة مدرجة، فلا نور يحجب ولا رؤية تتعذر بين البيوت. وكان بالإمكان رؤية الأنوار المنبعثة من قناديل الزيت، وكذلك رؤية الراية البيضاء التي كانت ترفع فوق المآذن، إيذانا بدخول وقت الإفطار، ومن بعدها ترفع الراية الخضراء، التي ترمز إلى انتهاء الصوم. هذه الرايات، عمرت طويلا، واختفت مع دخول الاستعمار، الذي استبدلها بضرب المدفع من دار السلطان أو الأميرالية، وصار وقت المغرب رديفا لضرب المدفع. ويتذكر بعض كبار السن أغاني وأهازيج الأطفال، الذين ينتظرون لحظة اهتزاز المدينة على وقع المدفع: “أذّن أذّن يا الشيخ.. بَاشْ يَضْرَبْ المَدْفَعْ.. هو يعمل بَمْ بَمْ.. وانا نَعْمَلْ هَمْ هَمْ.. هُو مَا يَضْرَبْشِي.. وانا مَا نَاكُلْشِي”..

الأذان، وإن لم يكن يصل كل البيوت، كان يرفع علـى طريقة الصنعة علـى مقام زيدان ورمل ماية، ولا تزال بعض المساجد محافظة عليه، رغم السنين ودخول الأذان على الطريقة الخليجية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!