-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

في ذكرى ميلاد الاتحاد المغاربي

محمد قيراط
  • 5050
  • 2
في ذكرى ميلاد الاتحاد المغاربي

في الذكرى الحادية والعشرين لميلاده، يبدو أن الاتحاد المغاربي قد أدرك مرحلة متقدمة من الاحتضار والشلل، حيث أنه أثبت أنه اتحاد وُلد ميّتا ولم يحقق على مدار عقدين من الزمن طموحات وآمال شعوب المنطقة.

  • فالحدود الجزائرية المغربية مازالت مغلقة منذ سنة 1994، كما أن الأهداف التي جاء من أجلها مازالت حبرا على ورق والتجارة البينية بين دول الاتحاد لا تتجاوز الـ5٪.
  • فرغم تحديات العولمة وتربصات الاتحاد الأوروبي بالدول المغاربية والتنافس الأوروبي ـ الأمريكي ـ الصيني على المنطقة، نلاحظ أن دول المغرب العربي لم تدرك حتى الساعة، أو بالأحرى لم تستطع أن تضع آليات عملية للتكامل الاقتصادي وللعمل المشترك من أجل إقامة كيان موحد يستطيع أن يواجه التكتلات المختلفة في العالم، والقوى الإقليمية التي تتربص به. أزمة القضية الصحراوية وتعقّدها بالنسبة للمملكة في المغرب والنظام في الجزائر كانت ومازالت عبر ما يزيد على ثلاثة عقود من الزمن الحجرة التي انكسرت عليها كل محاولات العمل المشترك بين دول الاتحاد. كل الاتفاقيات التي توصل إليها الطرف المغربي والطرف الصحراوي تحت إشراف الأمم المتحدة فشلت إلى حد الآن وواجهت مشاكل إجرائية في أرض الواقع، الأمر الذي أدى بالمسؤولين في الأمم المتحدة في العديد من المرات التهديد بالتخلي عن استمرار نشاط “لجنة الأمم المتحدة المكلفة بمتابعة مسار تقرير المصير في الصحراء الغربية”. الحل إذن، حسب الملاحظين، هو انفتاح أكثر على الديمقراطية والحريات الفردية في الدول المغاربية وبناء علاقات بين الشعوب والنقابات والاتحادات والجمعيات والأحزاب السياسية والصحافيين  والجامعيين والباحثين والأكاديميين ورجال الأعمال…الخ. هذه العلاقات من شأنها أن تخرج الطرفين – الجزائر والمغرب – ودول المنطقة من الدبلوماسية السلبية والتمسك بالمواقف، الأمر الذي جمّد التكامل الاقتصادي بين دول المنطقة لأكثر من ربع قرن. الاتحاد بحاجة ماسة إلى دبلوماسية إيجابية وإلى براغماتية وواقعية تهدف إلى البناء والتكامل وتهدف إلى الاستجابة إلى طموحات شعوب المنطقة. هذا التوجه من شأنه أن يستفيد من الإرث المشترك بين دول المنطقة ويعيد ذلك الوئام والتلاحم اللذين كانا سائدين في عهد الاستعمار. فمستقبل المغرب العربي مرهون بالاعتراف بالسلطة الانتخابية والرأي العام كمصدر قوة وشرعية للسلطة. فالاتحاد المغاربي يعاني من مشكلات وتناقضات داخل حدود كل دولة أثرت على نجاحه في إرساء قواعد عمل مشترك. وتتلخص هذه المشكلات فيما يلي:
  • الأنانية القطرية وحب الزعامة والصراعات والنزاعات الجانبية بين  الدول الأعضاء.
  • معضلة إجماع دول الاتحاد واتفاقها على برنامج عمل محدد بسبب غياب الرؤية والاستراتيجية الموحدة وتبعية دول الاتحاد لقوى خارجية مختلفة تتضارب مصالحها في المنطقة.
  • الارتباط باتفاقيات ومعاهدات ثنائية مع قوى خارجية على حساب المصلحة المشتركة لدول الاتحاد وعلى حساب العمل العربي المشترك.
  • تفتقد قرارات الاتحاد المغاربي لآليات الإلزام والتنفيذ وهذا يضرب في الصميم فاعلية الاتحاد.
  • انعدام التعاون والتبادل الاقتصادي المشترك، فالعمل المشترك يقوى  ويصبح فعالا إذا كانت هناك آليات التكامل والتبادل الاقتصادي بين دول الاتحاد.
  • تهميش وإقصاء شعوب دول الاتحاد من الممارسة السياسية والمشاركة في صناعة القرار.
  • عدم التناوب على السلطة وعدم إشراك الجماهير في صناعة القرار وتقرير مصيرها بنفسها. وغياب  ثقافة الديمقراطية والحوار واحترام الرأي العام والمجتمع المدني.
  • غياب معارضة قوية وأحزاب سياسية فاعلة من شأنها مراقبة الحكومة والمطالبة بعمليات الإصلاح والتوزيع العادل لثروات البلاد.
  • الاستحواذ على النظام الإعلامي والسيطرة عليه من قبل السلطة، الأمر الذي يعيق العمل الديمقراطي وتكريس مبدأ النقد والنقد الذاتي واحترام الرأي والرأي الآخر.
  • الفعل الديمقراطي في دول الاتحاد مغيّب، ونلاحظ أن طاقات هائلة، سواء كانت مادية أو بشرية، غير مُستغلة بطريقة جيدة. فالقرار لا يُتخذ بطريقة مدروسة وعلمية والسلطة تعيش بعيدة عن هموم ومطالب الشارع ونجدها تتربع على سدة الحكم لعقود من الزمن. النظام الإعلامي لا يقوم بدوره الحقيقي وما يفعله هو التملق والتسبيح والتمجيد. فالفجوة، إذن، كبيرة جدا بين السلطة والجماهير، هذا على مستوى كل دولة في الاتحاد، فكيف تنجح هذه الدول في تحقيق عمل مشترك وهي عاجزة عن تجسيد قواعد الديمقراطية داخل حدودها. فدول الاتحاد اليوم عاجزة على إنشاء شبكة سكك حديدية مشتركة ولا شبكة طرقات سيارة تربط دول المنطقة، ولا شبكة كهرباء. فدول الاتحاد المغاربي اليوم أخفقت حتى في تنظيم بطولة أمم اتحاد المغرب العربي لكرة القدم. ومن هنا، فإن اتحاد الشعوب مغيّب تماما، والعمل المشترك بين دول الاتحاد نجده غائبا على مختلف المستويات، سواء تعلق الأمر بالسياسة أو الاقتصاد أو التعليم أو الثقافة أو الرياضة…الخ. فبدون تكامل اقتصادي وبدون تبادل في مختلف المجالات بين شعوب المنطقة لا يكتب النجاح للاتحاد المغاربي ويبقى بذلك جسد بلا روح. دول الاتحاد المغاربي بحاجة إلى وقفة مع الذات لتحديد آليات التغيير والتأقلم مع متطلبات القرن الحادي والعشرين. التغيير لا بد منه ويجب أن يأتي من الداخل وبإيمان عميق من صانع القرار. فمستقبل الاتحاد المغاربي يكمن في تحرير الفرد العربي وإعطائه إمكانات الخلق والإبداع حتى يساهم بطريقة إيجابية وفعالة في بناء مستقبله ومصيره.
  • لقد حان الوقت أمام دول الاتحاد المغاربي لتعي أنها أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الإصلاح والشروع في الديمقراطية والتخلي عن الآليات البالية السلطوية التعسفية، أو المحافظة على الوضع الراهن وهذا يعني الموت البطيء للاتحاد المغاربي والعمل المشترك والخنوع والخضوع للقوى الخارجية التي تتربص بالمنطقة. فالسلطة الحقيقية تكمن في الشعب وليس في أجهزة البوليس والمخابرات وقوات الردع. الأمر يتطلب إعادة ترتيب أوضاع دول الاتحاد بإجراء إصلاحات حقيقية على المستوى الداخلي لكل قطر وعلى مستوى العلاقات بين دول الاتحاد بما يحقق التنمية الشاملة والإصلاحات السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية والفكرية في إطار نظام مغاربي متكامل يقوم على الديمقراطية واحترام شعوبه بالدرجة الأولى واحترام الدول الأعضاء بدون مزايدة ولا مساومة. فشعوب المغرب العربي تحتاج اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، إلى أنظمة قوية تستمد قوتها من شعوبها ومن العدالة والديمقراطية والحكم الرشيد، كما تحتاج إلى عمل مشترك قوي وفعال يقوم على رؤى واستراتيجيات واضحة وعلى الأفعال وليس الأقوال والشعارات الفارغة والرنانة.        
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • سفيان-

    شكرا على المقال لكن مع كامل احتراماتي اقول : انك تخاطب الاموات ... سبب النكسة ان صح التعبير في المنطقة المغاربية سببها الساسة ولا أحد فعلها غيرهم والكل يعلم علم اليقين ما يدور من نفاق سياسي يذاع عبر قنوات وجدت اصلا لتعبر عن راي الطبقة الحاكمة في المنطقة المغاربية من ليبيا وصولا الى موريتانيا .... التطور يأتي من سلطة شرعية مستمدة قوتها من الشعب، والمنطقة بكاملها تفتقد الى هذا الشرط ... لنلقي نظرة على من يحكمنا كمغاربة :

    أولا في ليبيا هناك رئيس غير شرعي منذ 1969 الى تاريخ كتابة تعليقي اي بمعنى آخر انه لم يضفي الشرعية الدستورية على انقلابه.
    ثانيا في تونس هناك رئيس مدى الحياه استمد شرعيته من انقلابات متتالية على صناديق الاقتراع وهذا الحال يشبه قرينه في السلطة على راس ليبيا.
    ثالثا في الجزائر هناك رئيس يسعى على خطى زين العابدين ليكون بدوره زعيم زمانه بفرض منطق الانقلاب الدستوري دون استشارة شعبية وهذا ما مهد الى ما يسمى تخذير سياسي على مستوى الجزائر
    رابعا في المملكة المغربية هناك ملك يملك ويحكم لكن لصالح المصالح الغربية هلى حساب شعبه ومنطقته.
    خامسا في موريتانيا الوضع لم يستقر بعد بدليل انقلاب الانقلابين على من انقلب على سيده قبلهم.

    إن هذا الزخم السياسي بمفهوم القادة المغاربين لا يسمح لهم بالتكامل السياسي ولا الاقتصادي باعتباران هذه الانظمة متخوفة من بعضها البعض وبالتالي لايسمح أحد من القادة في هذه البلدان من إقامة نظام يؤدي به الى الاختفاء.
    ليبيا ادعت اكثر من مرة انها تسعى الى تكامل مغربي على الاقل لكن ما يعانيه المغاربة المتواجدين في ليبيا دليل واضح على نفاق النظام السياسي هناك على غرار المضايقات التي يتعرض لها كافة ابناء الجاليات المغاربية المتواجدة في هذه المنطقة.
    الحل يكمن في انقلاب عارم يؤدي بوجوه جديدة الى سدة الحكم تتميز بلاجهويتها ... لكن الانقلاب في حد ذاته هو مخالفة قانونية غير شرعية تكرس مبدأ قانون القوة وهذا مرفوض اصلا لدى شعوب المنطقة ... فقط الحل يمكن في يد القاطنين لهذه المنطقة لاذابة جليد الانظمة بالمطالبة وبصفة دائمة بفتح الحدود والعمل على تنشيط المناطق الحدودية لبعث دناميكية جديد قد تودي بمرور الوقت الى تكامل إقتصادي ويبقي على الصراع السياسي في الخفاء بين الانظمة السائدة في البلدان المغاربية.

  • محمد لغروس

    بسم الله الرحمان الرحيم
    بداية أشكر الأخ محمد قيراط على مقاله الجيد الذي لا مس الجرح وقدم الحلول للخروج منه وما دفعني للتفاعل معه هو أنني أتقاسم معه هذا الرأي وأحمل معه هذا الهم كما جل شعوب هذه الربوع، وعندي ملاحظتين الأولى مرتبطة بقوله أن مشكل الصحراء الغربية المغربية أحد أسباب إطالة فترة وجود الاتحاد بالعناية المركزة وهذا امر صحيح لكن أستاذي الفاضل الأمم المتحدة لا ترعى مسألة تقرير المصير بل ترهى البحث عن حل سياسي للنزاع أما قولك بتقرير المصير فيعني انحيازك لطرف دون آخر بوعي أو بغير وعي والأسلم كما أشرت هو القول برعايتها لحل سياسي بيم الطرفين وفق القرارات الأخيرة للأمم المتاحدة في الموضوع وهذا فقط من أجل الموضوعية وعدم الانحياز الغير مطلوب أصلا في الإنسان المثقف، وإلا سنجد من الكتاب المغاربة من يتحدث أيضا بدون موضوعية ويقول بأن الأمم المتحدة ترعى سبل تطبق الحكم الذاتي بالصحراء مثلا وهذا في انحياز للاطروحة المغربية، اما الملاحظة الثانية والتي أشاطرك الرأي فيها فهي مسألة الدمقرطة والتنمية الداخلية بمعنى آخر التوزيع العادل للثروة والسلطة والقيم والمعرفة لأنها ما تزال محتكرة وباختصار إن مجل دول الاتحاد تعيش حالة من الاستبداد المطلق ويبقى الاختلاف في آليات الإخضاع والإكراه من دولة إلى أخرى، أكتب هذه الأسطر وأنا كل أمل شأن كل شعوب المنطقة بأن نرى الاتحاد يولد وينبعث من جديد للتحديات الخطيرة التي تعيشها المنطقة والعالم والتي تتطلب الاتحاد حتى مع البعيد والمخالف أحيانا ما بالك بمن تشترك معه في الدم واللون والسحنة والدين واللغة و....ولكن هذا كله يتطلب مرحلة وعي فائقة توقف المهازل وتفتح الأفاق للمستقبل وتحية مججددة لك وللإخوة في موق الشروق أون لاين