-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
تؤسس للذوق الجمالي وتعيد قراءة مسارات الشعوب

“قيامة أرطغرل” نموذج للدراما التاريخية الراقية

الشروق العربي
  • 1683
  • 1
“قيامة أرطغرل” نموذج للدراما التاريخية الراقية
ح.م

أنا لا أريد الحديث في مسألة تاريخانية الأحداث التي يقدمها مسلسل “قيامة أرطغرل” لمشاهديه في كونها أحداثا واقعية وحقيقية مائة بالمائة أو اتكأ صانعو هذه الدراما على الخيال لملء الفجوات التاريخية التي لم يرد تفصيلها في كتب التاريخ، من أجل صناعة الدهشة والذهول واستقطاب المشاهدين، ولا أريد الخوض كذلك في الحديث عن تيمات القيم التي يتضمنها المسلسل التي يؤسس لها من خلال العلاقات الاجتماعية التي تربط أبطال الدراما مع غيرهم ممن يشاركونهم صناعة أحداث التاريخ، إذ أن الفيلم من هذه الناحية مترع بقيم الفضيلة والوفاء وحب الدين والقبيلة والوطن والدفاع عنه مهما كلف ذلك من أمر.إن ما يلفت النظر في هذا العمل الضخم هو قدرة الدراما التاريخية على إعادة تشكيل الأفكار وتصحيح المسارات وتقديم التاريخ في أبهى صوره دون الوقوع في مطبّات السرد التاريخي الفاتر والباهت الذي لا يثير في المتلقي الرغبة في السؤال وفضول متابعة أحداث الدراما.

إن ما وصل إليه المسلسل من نجاح باهر وانتشار واسع ومشاهدة فاقت كل التوقعات يعكس مدى شغف الناس بالدراما التاريخية المؤسسة على رؤية جديدة في تقديمها للمتلقي بعيدا عن النمطية والسطحية والسذاجة الفنية ولكليشيهات المكررة التي أبعدت المشاهد عن متابعة الأعمال التاريخية.
اثبت مسلسل “قيامة ارطغرل” أن المشاريع الضخمة يجب ان تتأسس عن رؤية ورؤيا وغاية متوخاة، هذه الأعمال يجب ان تكون وراءها مؤسسات ضخمة تعرف هدفية إنفاقها الأموال الطائلة من اجل الحفر في ذاكرة تقادم عهدها والنفخ في أوصالها لبث الحياة فيها مجددا علاجا لأسقام الحاضر ورأبا للشروخ التي طالت المجتمع وقيمه، نحن اليوم نعيش معركة وجود وصراع قيم وذاكرات، فالذي يحسن التمكين لذاكرته وتسويقها بتقنيات درامية عالية هو من يفرض ذاته الحالية، أضف إلى ذلك كله يشكل التصالح مع التاريخ والإحساس بالانتماء إليه دافعا قويا نحو إعادة صياغته دراميا بقوة والنضال في تقديمه، خصوصا لأجيال اليوم والغد، هذه الفلسفة فهمها الغرب قديما وحديثا، إذ رصدوا ملايير ضخمة لإقناع الناس بتاريخهم ومدى إسهامهم في سيرورة البشر والحضارات، بينما نحن مازلنا ننظر للتاريخ كأحداث ماضية نستحضرها للمتعة لا للفائدة، إذ نحن اليوم نعيش حاضرنا فما جدوى العيش في سياقات نختلف عنها جذريا بدعوى الحداثة والمعاصرة؟

إن حظ الدراما التاريخية في مؤسساتنا الإعلامية قليل جدا مقارنة مع أنواع الدراما الأخرى، ويعود هذا العزوف إلى أسباب عدة، منها الأفكار الجاهزة والمكرسة التي تنظر إلى الدراما التاريخية بأنها غير جاذبة للمشاهدين خصوصا فئة الشباب، بل تقتصر على كبار السن فقط أو المسكونين والمفتونين بالتاريخ، ينضاف إلى ذلك كله أن الصورة النمطية المكرسة عن الدراما التاريخية من ناحية لغة التخاطب الدرامي وأسلوب تقديمها وخلوها من المشاعر الانسانية والعلاقات الاجتماعية التي تربط أبطال الدراما باتت بعيدة عن قاموس المشاهد المعاصر ولا تلامس أفق توقعاته، بحيث تصيبه بخيبة الانتظار فيضطر إلى مقاطعتها، زيادة على ذلك كله لم ترتق الدراما عندنا إلى مستوى استثمار تقنيات السينما الحديثة في إنتاجها مما يعطي لها حيوية وحركة وإثارة وشغفا، فهذا ما ينتظره المشاهد المعاصر حتى ينخرط في تذوق الدراما التاريخية، كل هذه الأسباب وأخرى نجد المؤسسات الإعلامية والمنتجين اليوم يتجهون نحو الدراما التي تتناول واقع الناس وقضاياهم بمختلف محمولاتها حتى وإن كانت تافهة وبعيدة عن جوهر حياة الناس، إلا ان الإقبال على استهلاكها أصبح أمرا لا مناص منه في ظل عدم وجود وعي بقيمة الدراما التاريخية التي تقرب الحدث التاريخي لمتلقي اليوم بتقنيات ورؤية جذابة وآسرة..

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • عمر

    بل هو نمودج للبروباغندا التاريخية.