-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

كفى إزراءً بالأئمّة

سلطان بركاني
  • 373
  • 0
كفى إزراءً بالأئمّة

على خلاف ما كان معهودا في أزمنة مضت، وعلى النّقيض ممّا هو مفترض في تبوّء الأئمّة المكانةَ السّامقة في أمّة الإسلام واختصاصهم باحترام كلّ فئات المجتمع، فإنّ واقع الأئمّة في هذا الزّمان أصبح مثيرا للشّفقة، حيث أصبح يُنظر إليهم بازدراء، ليس فقط من قبل المسؤولين الذين ما عادوا يرعون للأئمّة مكانة ولا قدرا، وإنّما أيضا في الأوساط العامّة، التي تنظر إلى الأئمّة على أنّهم موظّفون في مؤسّسات رسميّة تسمّى “المساجد”! وأنّهم لا يختلفون كثيرا عن الصحفيين المكلّفين بقراءة النّشرات التي يكتبها لهم مسؤولو التّحرير!.

صحيح أنّ بعض الأئمّة هم من تسبّب في تدنّي مكانة الإمام وضياع هيبته في المجتمع، عندما تحوّلوا من حملة رسالة إلى موظفين يبحثون عن الرواتب، مع تقصير واضح في أداء مهامهم التي يتقاضون رواتبهم لقاءها؛ صحيح أنّ بعض الأئمّة قد ارتضوا هذا الواقع، لكنّ في مقابلهم كثيرًا من الأئمّة، وخاصّة فئة الشّباب منهم، يحملون همّ رسالتهم ويجتهدون في الدّعوة إلى الله، ومع ذلك لا يَعرف لهم المجتمع مكانة ولا يقرّ لهم بفضل. بدءًا من المسؤولين الذين يُطلعون وسائل الإعلام المختلفة على التعليمات الموجّهة إلى أئمّة المساجد، ليطّلع عليها العامّ والخاصّ، قبل أن تصل إلى أيدي الأئمّة أنفسهم. بل إنّ الجهات المسؤولة تتعمّد في بعض المناسبات إلزام الأئمّة بعناوين محدّدة لخطب الجمعة، وتتباهى بذلك في وسائل الإعلام لتظهر الأئمّة في صورة الموظّفين الذين ينقلون خطاب الجهات المسؤولة إلى عامّة النّاس! ومن جانبها لا تتوانى مديريات الشؤون الدينيّة في الإزراء بالأئمّة، إلى الحدّ الذي يجعل موظّفا بسيطا في الإدارة يستطيل على الأئمّة ويعاملهم باستعلاء وفوقية، كلّما توجّهوا مضطرّين إلى الإدارة لاستخراج بعض الوثائق أو طلب العطل أو الاستفسار عن بعض حقوقهم، ويسجّل كثير من الأئمّة أنّه وفي مقابل هذه المعاملة التي يلقونها من الإدارات التي تمثّلهم، فإنّ ذات الإدارات تعامل رؤساء الجمعيات الدينيّة بكلّ حفاوة وتميل إلى جانبهم في كلّ خلاف يقع بينهم وبين أئمّة المساجد، بل إنّ بعض الإدارات تُصغي إلى عامّة المصلّين ولا تصغي إلى الأئمّة؛ فالإمام عندها مذنب حتى يثبت العكس، حتى غدَا في إمكان أيّ مصلٍّ أن يتوجّه إلى الإدارة ليقدّم شكوى ضدّ الإمام، ليتمّ استدعاء هذا الأخير على جناح السّرعة ويُساءل وربّما يهدّد!.. أمّا الجرائد، فإنّها هي الأخرى لا تكاد كثير منها ترعى لأئمّة المساجد حرمة ولا قدرا؛ فالعناوين المثيرة التي تتحدّث عن الأئمّة أصبحت تعتبر صيدا ثمينا لدى بعض الصّحفيين الذين يستهويهم تضخيم أخطاء بعض من ينتسب إلى الإمامة من المتطوّعين وبعض الأعوان الدينيين الذين يكلّفون بالإمامة، وإظهارُها على أنّها أخطاء وقع فيها أئمّة يرتقون المنابر ويؤمّون جموع المصلّين!.

هذا الواقع، جرّأ عامّة النّاس على الأئمّة، وجعلهم يَقبلون كلّ ما يقال ويروّج عنهم من دون تثبّت أو تمحيص، وأصبح كافيا في ظلّ استشراء ثقافة التّعميم، أن يُنشر خبر عن أحد المنسوبين أو المنتسبين إلى الإمامة، زلّت قدمه وأخطأ ببشريته،  حتّى تجد عامّة النّاس يسحبون الواقعة على كلّ الأئمّة ويجزمون بأنّهم جميعا على تلك الشّاكلة، وبأنّه لم يبق في هذا الزّمان أئمّة يستحقّون هذا اللّقب!.. ولا شكّ أنّ هذا المنطق هو منطق خاطئ؛ فأكثر الأخبار التي يتداولها النّاس عن الأئمّة هي أخبار كاذبة مبالغ فيها، وما صحّ منها فلا يمثّل سوى المعنيّ به الذي ربّما يكون دخيلا على الإمامة ولا تربطه بها سوى منحة أو راتب، ولو كان إماما فهو في البداية والنّهاية بشر يصيب ويخطئ، ولا يجوز أن تُدفن فضائله وحسناته بزلّة.

لقد آن للجهات المسؤولة من وزارة ومديريات ولائية أن تكفّ عن الإزراء بالأئمّة، وأن تعرف لهم قدرهم ومكانتهم، وآن للصحفيين ومسؤولي التّحرير أن يكفّوا عن اللّهث خلف الإثارة على حساب مكانة الأئمّة، ويتثبّتوا فيما ينشرون إن كانت هناك مصلحة في نشره، فليس كلّ من يتقدّم لإمامة جموع المصلّين هو إمام يُحسب على الأئمّة، وليس كلّ من كُلّف بالخطابة في ظلّ نقص التّأطير في قطاع الشؤون الدينية هو إمام تُرصد كلماته وتحسب مواقفه.. كما آن لعامّة النّاس أن يتّقوا الله في الأئمّة ويتخلّوا عن ثقافة التّعميم التي لا تجوز في حقّ عامّة المسلمين، كيف بالأئمّة والخطباء، والله جلّ وعلا يقول: ((وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)).

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!