-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

كيف تطيب الأفراح والأقصى يستباح؟

سلطان بركاني
  • 1759
  • 0
كيف تطيب الأفراح والأقصى يستباح؟

من المواقف المشرّفة التي سجّلها التاريخ بأحرف من ذهب، لبطولات المسلمين في زمن العزّ، أنّ الخليفة الأمويّ على الأندلس “محمّد بن أبي عامر” الملقّب بالحاجب المنصور، خرج للجهاد في سبيل الله، وبعد أن حقق النصر كعادته على الأسبان، عاد إلى قرطبة، ووافق رجوعه صلاة عيد الأضحى والناس في المصلى يكبرون ويهللون، وبينما هو على صهوة جواده لم ينزل بعدُ، اعترضت طريقَه امرأة عجوز وقالت: يا منصور، كل الناس مسرورون إلا أنا. قال المنصور: وما ذاك؟ قالت: ولدي أسير عند الصليبيين في حصن رباح. فما كان من القاد الفذّ إلا أن ثنى عنق فرسه من حينه، ونادى في جيشه ألا ينزل أحد من على فرسه، وأعلن النّفير إلى حصن رباح، وشنّ على الصّليبيين غارة قوية، أجبرتهم على إطلاق سراح جميع أسرى المسلمين مقابل وقف القتال، وعاد المنصور إلى المرأة العجوز بابنها، فتمتّ فرحتها وفرحة المسلمين.

نسوق هذا الموقف المشرّف ونحن نعيش أياما نستعدّ فيها للفرح بعيد الأضحى المبارك، بينما يموت إخوان لنا غرقا في عرض البحر وهم في طريقهم للهجرة إلى بلاد الغرب، بعد أن أُخرجوا من ديارهم وأموالهم بغير حقّ، وبعد أن خذلهم إخوانهم في بلاد الإسلام مترامية الأطراف، في سابقة قلّ أن يشهد التاريخ الإسلاميّ لها نظيرا؛ سابقة ستسجّل على صفحات التاريخ بمداد الحسرة والأسى، لتقرأها الأجيال وترسل لعناتها على حكّام المسلمين الذين رضوا بهذه المأساة، وأبوا إلا أن يستنسخوا نكبة ملوك الطّوائف في الأندلس في القرن الخامس الهجريّ، ويتنكّروا لمآسي المسلمين في فلسطين وسوريا والعراق وبورما، ويغضّوا أبصارهم عن الانتهاكات الخطيرة التي تستهدف مقدّسات المسلمين، ويصمّوا آذانهم عن نداءات المسجد الأقصى الذي يتعرّض منذ عقود إلى محاولات لهدمه واستباحته، حتى اضطرّت حرائر القدس إلى المرابطة في ساحاته وتحمّل شتى صنوف الأذى للحيلولة بين الصّهاينة وبين اقتحامه، لكنْ ولأنّ الصّهاينة قد أمنوا غضب حكام العرب والمسلمين، فقد أساؤوا الأدب ورفسوا الحرائر بأقدامهم النّجسة وقاموا بعدة اقتحامات متوالية للمسجد الأقصى بدءًا من يوم الأحد الماضي، واعتدوا على المصلّين وانتهكوا حرمة أولى القبلتين على مرأى ومسمع من العالم الإسلاميّ أجمع.

الحاجب المنصور لم يطِب له أن يفرح بعيد الأضحى المبارك، بينما عجوز من رعيته تبكي ولدا لها قد أسره الصليبيون، فليت شعري كيف طاب لحكام المسلمين أن ينشغلوا هذه الأيام بتجديد الولاء لأمريكا في ذكرى أحداث الـ11 سبتمبر 2001م، وهم يرون كيف يستنكف قادة هذه الدّولة الراعية للإرهاب الصّهيونيّ عن إدانة هذا العدوان السّافر على مقدّسات المسلمين! وليت شعري كيف سيطيب لنا أن نفرح بالأضحى المبارك بعد أيام، بينما أخواتنا المرابطات في الأقصى يصرخن “وا إسلاماه”، والأقصى ينادي “أدركوني قبل أن تفقدوني”؟.

وكيف يرى الإنسان في الأرض متعة * وقد أصبح القدس الشريف ملاهيا

يجوس به الأنذال من كل جــانب * وقد كان للأطهار قدساً وناديـا

إنّنا جميعا مسؤولون عمّا يجري في الأقصى ومِن حوله، حكّاما ومحكومين؛ فلْنراجع أحوالنا، ولْيُصلح كلّ واحد منّا نفسه وبيته.. الأقصى يستباح. وقد آن لنا أن نطلّق حياة الغفلة والعبث، وحياة الأفلام والمسلسلات والألحان.

ربّما نكون السّبب في تأخّر النّصر عن إخواننا المرابطين في الأقصى وفي فلسطين. ربّما يتأخّر النّصر بسبب المعاصي التي لا نزال مصرّين عليها في بيوتنا وفي محلاّتنا ومدارسنا وشوارعنا. مِنّا وعلينا “إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِم”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!