-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

كيف سنكون دولة بعد 2014؟

كيف سنكون دولة بعد 2014؟

هل كُنّا في مرحلة، ما قبل تأسيس الدولة، إذا كان الجميع اليوم يطالب بدستور توافقي؟ أوليس الدستور هو الوثيقة الأولى لبناء الدولة؟ وكيف يمكن أن نسمي الدساتير السابقة التي كانت بين أيدينا؟وهل بدأ الخلل من اليوم الأول عندما فرضت مجموعة معينة الدستور الذي تريد دون مراعاة توافق جميع الآراء؟ وكيف السبيل لتصحيح الخلل؟

بالفعل يبدو مطلب الدستور التوافقي اليوم مطلبا يكاد يحقق الإجماع وإن كان طرحه يختلف من مترشح إلى آخر حسب وضوح الاقتراحات والتعديلات، حيث هو بالنسبة للبعض ركيزة مشروع التجديد الوطني وبالنسبة للبعض الآخر جزء فقط من عملية الإصلاح… ما يهمنا أن فكرة الدستور التوافقي أصبحت اليوم محل إجماع الغالبية من الجزائريين.  الكل شعر بأن التلاعب بالدستور أو شخصنته هي مسائل في غاية الخطورة على مستقبل البلاد. والكل تأكد اليوم أن صوغ مشروع دستور في غرف مغلقة ثم عرضه على الاستفتاء هي فكرة خاطئة بالأساس. وقد سبق لي قبل اليوم في أكثر من حصة تلفزيونية حول الإصلاح المؤسساتي أن أثرت هذه الفكرة بالقول: أن تكليف لجنة من الخبراء من قبل رئيس الجمهورية لتقديم مقترحاتها بشأن إصلاح الدستور ثم عرض المقترحات سواء على البرلمان أو على الاستفتاء هي فكرة خاطئة.  وأن الديمقراطية التشاركية تقوم بالأساس على فكرة إشراك القاعدة والجميع(دون إقصاء أي أحد) في صوغ أي مقترح  من شأنه أن يأخذ صفة القانون الأعلى وتعود آثاره على من شارك  في إعداده ومن لم يشارك، باعتبار نجاح أي مشروع مستقبلي يقوم بالأساس على تبنيه من قبل صانعيه وليس على الوقوف منه موقف المتفرج أو الامبالي. وكنت باستمرار في مواقع أخرى أقدم من التجارب التاريخية تجربة  دولة مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث بعد الهجرة والمآخاة بين المهاجرين والأنصار وبناء المسجد كانت الخطوة التالية في تأسيس الدولة الإسلامية الفتية هي إقامة دستور فيما عُرف بدستور المدينة، حيث تم فيه تحديد مفهوم المواطنة (المسلمون أمة واحدة من دون الناس) وواجبات وحقوق كل فرد في الدولة الناشئة، والمسائل المتعلقة بالحرب والسلم، بل أبعد من ذلك أتم فيه توضيح علاقة المسلمين بغير المسلمين داخل الدولة من خلال تحديد واجبات وحقوق اليهود  الخ  أما من التجارب الحديثة فكنت باستمرار أقدم إعلان الحقوق والدستور الأمريكي كنموذج، حيث كان المنطلق في توحيد الولايات المتحدة الأمريكية وفي صناعة أمجادها التي نعرفها الآن. والكل يشهد أن الأمريكيين هم أكثر الشعوب اليوم احتراما للدستور وأقلهم تعديلا لبنوده عبر عمر هذه الدولة. بل أضيف أحيانا، للتدليل على أن الدستور ينبغي أن يكون تشاركيا أو أنه سيتعرض إلى الاهتزاز ويهدد مستقبل الدولة، ما حدث بالنسبة للسود الأمريكيين. فإذا كان دستور دولة مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم (باعتبارها نواة الدولة المستقبلية) قد أخذ بعين الاعتبار حقوق وواجبات الجميع بما في ذلك اليهود، فإن الدستور الأمريكي لم ينتبه إلى أن السود الأمريكيين سيتحررون ذات يوم وسيعلنون أنهم غير معنيين بذلك الدستور الذي أُعد في غيابهم. ولعل هذا ما جعل صُنّاع السياسة الأمريكيين ينتبهون في بداية القرن الحادي والعشرين إلى خطورة إحساس جزء من الشعب الأمريكي بأنه غير معني بالدستور الذي لم يُشارك فيه، بعد أن تزايدت أعداد الأقلية السوداء في المجتمع وتبدل دورها. وكان من بين الحلول المقترحة لاستباق مشكلة إحساس الأقلية السوداء أنهم ليسوا جزءا من المجتمع الأمريكي وأنهم لم يساهموا في صناعة الدولة الأمريكية بما يترتب عن ذلك من مخاطر على التماسك العضوي للدولة، أن مَهدوا ليصل أحد السود إلى البيت الأبيض وقيادة أكبر دولة في العالم. وهكذا كان “أوباما” حلا لمشكلة استراتيجيه للولايات المتحدة الأمريكية ولم يكن أبدا مشكلة جديدة كما يفترض البعض. فالسود الأمريكيون لن يشعروا بعد حكم أوباما أنهم على الهامش أو ليس بإمكانهم الوصول إلى أعلى قمة في الدولة. ولن يَعتبروا تِبعا لذلك أن الدستور الأمريكي الذي أعده البيض في غيابهم يُقصيهم أو لا يخدم مصلحتهم.

وهكذا يتبين لنا أننا نحن الذين، بالرغم من أن كافة العوامل تجمعنا، تقوم سياستنا على ما يُعرف بالزمر أو المجموعات (les clans)، ووصل بنا الأمر في العقدين الماضيين إلى الاقتراب من حكم الفرد حيث أصبح الدستور لا يُعدَّل كما في فترة الشرعية الثورية أو العشرية السوداء حسب منظور مجموعة معينة  إنما حسب ما يراه فرد واحد من أنه في خدمة المجتمع والدولة. أي أننا سرنا باتجاه تقليص دائرة المشاركين في صياغة أي تعديل دستوري  إلى درجة أن أصبحت استشارة خبراء جزائريين وأحيانا أجانب في كيفية القيام بالتحديث المؤسساتي تحظى بالأولوية  على حساب الجمهور العريض من الجزائريين. فوجدنا العهدات وصلاحيات المجلس الدستوري ومواد أخرى تُبدل حسب مقياس فرد واحد ومن غير فتح استشارة واسعة  وعلانية بشأنها. والنتيجة أن أصبح الكل متفقا أن هذا الأسلوب في التصحيح المؤسساتي غير مجد ولا يمكنه أن يكون ركيزة لدولة تقوم على المؤسسات وليس على الأفراد. وتم التعبير على ذلك في أكثر من مناسبة، ومن قبل الكثير، إلا أن الانتخابات الرئاسية الحالية كانت الفرصة الأكثر ملائمة لمثل هذا الطرح.

وبالنظر إلى أهميته وإلى أثره المستقبلي على الدولة الجزائرية برمتها وعلى التماساك العضوي لكافة مكوناتها فقد أصبح هناك شبه اتفاق على القيام به، بل إن السلطة الحالية التي كرست مبدأ الاستشارة الضيقة وأحيانا التعديل الذي يكتفي بالمرور على برلمان لا يمكن أن نعتبره يعكس التمثيل الحقيقي لمختلف الفئات والشرائح والاتجاهات في المجتمع، أصبحت هي الأخرى تندرج ضمن هذا المسعى وتعد الناس بالتراجع عن فتح العهدات وعن مواد أخرى لم تُفصح عنها. مما يؤكد عدم الجدية في الطرح ومواصلة ربطه بوجهة نظر الفرد الواحد أو الفئة الضيقة الواحدة.

ولعل هذا ما يجعلنا نؤكد أن التعاطي مع وثيقة كالدستور ليست بالأمر الهين. ولعلها اليوم الفرصة المواتية بالنسبة لنا لنتوافق على وثيقة جامعة من خلال فتح نقاش شعبي ومؤسساتي ونخبوي  شامل لكي نعرف  أي رئيس جمهورية ينبغي أن يكون لدينا وأية حكومة وأي برلمان وأي قضاء وأي إعلام وبأي صلاحيات…الخ. بل أية دولة ينبغي أن تكون لدينا لأننا على أبواب أن نُفقد الدولة معناه لدى فئات واسعة من الناس وبخاصة الشباب.

إننا نعتبر من هذه الزاوية أن الوصول إلى دستور توافقي هو المتغير الاستراتيجي الأول الذي ينبغي أن نراهن عليه حتى قبل الرهانات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. لأننا إذا لم ننجح في هذا الرهان الذي يعيد من خلال الديمقراطية التشاركية الثقة لدى المواطن في دولته نكون قد فقدنا الأساس الاستراتيجي لبناء الدولة. أما إذا نجحنا في هذا الرهان فإن كل إصلاح نقوم به فيما بعد سيكون ذا معنى لأنه سيكون إصلاحا من وجهة نظر دولة وليس من وجهة نظر أفراد أو زمر، ولنا في الأولين والآخرين  كل العبرة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
9
  • Nabil

    تابع..حاكما أو محكوما) الذي يؤمن ويحترم بل ويقدس الدستور ككتاب ينظم علاقته وتفاعله مع محيطه. فقط في هذه الحالة يكون للدستور دور في تنظيم علاقات الأفراد ويشكل لبنة لبناء دولة متينة. وفقط في هذه الحالة ينموا في نفسية المواطن شعور يقدس الدستور كمرجع مقدس، بعد الكتاب المقدس، ويستوجب الإنصياغ لأحكامه وإحتارمها. فهل سيكتب للجزائر في 2014 أن تظفر بشرعية تسمح لها بالاستواء على الطريق؟

  • Nabil

    قبل أن تسأل كيف سنكون دولة بعد 2014، يجب أن تسأل هل ستكون لنا دولة بعد 2014؟ المؤشرات الأولية تشير لمستقبل مبهم، اللهم إلا إذا حدثت معجزة. أنا شخصيا أعيش كابوسا حقيقيا أرى فيه مركبة الجزائر تسير نحو المجهول، بسرعة متهورة وفي منحدر خطير دون مكابح ولا قائد. أتمنى وأدعو الله أن تحدث المعجزة وتتخطى الجزائر هذا المنحدر وتستوي على الطريق. حينها فقط سيكون بإمكاننا أن نتكلم عن إعداد دستور جامع، لكن ليس كخطوة أولى، لأنه قبل إعداد دستور وتخمه بأحكام تقنن للحقوق والواجبات، يجب أن نعد الفرد (سواء كان.. يتبع

  • الهواري

    يا سيدي الكريم حتى لو توافقنا على دستور في الوقت الراهن من يضمن لنا أن لا يأتي رئيس يغيره حسب هواه ...المشكل في الذهنيات ..ذهنيات المسؤولين و المرؤوسين غلى حد سواء..المشكل في عقلية الزعيم عند الرئيس و عقلية تقديس الزعيم عند الشعب.واذكروا إن شئتم ذلك الذي أراد أن يجعل من بوتفليقة ركنا سادسا من أركان الإسلام.

  • قادة

    النظام الفارض نفسه عنوة لن يغيرالدستور الاوفق هوى سيده شخصا او عصبة. كماجاء في المقال فالدستور هواساس الدولةوالجمهوريةالجزائريةالثانيةالتي نصبوا اليها.فلا يكون تاسيسه من قبل سلطة او عصبة .فيجب ان يكون من الاختصاصيين بعدالتوافق الكامل بين اطياف المجتمع من كل الاعراق والمشارب الفكريةوالاتجاهات السياسيةولا يقصى ولايستاصل احد وبعدتحقيق التوافق على الثوابت .ومشروع المجتمع ينجزالمشروع الدستوري ويعرض على في استفتاء على الشعب.فان نال الاغلبية فسيكون مستقبلا هو مصدر اصلاحاتناالسياسيةالاقتصاديةو الاجتماعي

  • الجزائرية

    تابع :أما وقد استجمعت الدولة أنفاسها ،فقد بات من الضروري الحث على مناقشة دستور توافقي يحرس كل الجزائريين على مناقشته وإثرائه .في إطار تشاوري يشبه الميثاق الوطني في السبعينات.تحدد فيه العهدة الرئاسية..و يكفل بناء دولة القانون و استقلالية العدالة و محاربة الفساد المالي و التعسف الإدراي و المغالاة الإعلامية بمعنى تحديد عقد أخلاقي يخضع له كل المواطنيين رؤساء و مرؤوسين دون استثناء و كل من يخالفه يطبق عليه القانون بشفافية.

  • الجزائرية

    ما يعيق التفكير السليم للكثيرين اليوم أنهم لم يستطيعوا فهم المرحلة التي عدل فيها الدستور عام 2008. نعم من الناحية القانونية المحضة هواختراق للدستور.لكنه ليس قرآنا منزلا لا يقبل ذلك .لماذ؟إن القاعدة الفقية تِؤكد على أن الضرورة تبيح المحظورة.فالفترة التي مرت بها الجزائر ليست بالهينة على كل ذي لب أوبصيرة.فقد مرت بأكثرمن عقد من الزمن لعمل ممنهج في سبيل تدمير الدولةو مؤسساتها التحتية،فعمت الفوضى من قتل وتشريد وارض محروقةو مديونية وشبه حصار خارجي وتشويه إعلامي وإحباط شعبي و جاء ذلك لاستمرار بعث الدولة

  • مراد

    انا ليس من مؤيدي بن فليس لكن ياءخواني لا ارى البديل غيره في الوقت الحاضر ، اعطوا للرجل فرصة جربوه 5سنوات ، لا تخربوا وطنكم بايديكم وتعيدوا نفس المقولة سنة 1992 التي تقول : اذا حكم الاسلاميون فاءنهم سيقودوا البلاد الى الهاوية . وهاهم اصحاب هذه المقولة انتزعوا السلطة من الاسلاميين عنوة وقادوا البلاد الى الهاوية . فلاتغتروا وراء اصحاب المصالح ، فاءن مصالحهم الخاصة هي برنامجهم وهي هدفهم .

  • محمد ب

    النية حسنة والطريق للوصول إلى المبتغى الأمثل غامض.تأسيس دولة صالحة ينتج إما عن طريق نخبة ذات ‏مصداقية تشرك الجميع في إنجاز دستور وفق إرادة الشعب أو بعد أن يستولي المجتمع على مقاليد أموره ليقرر ‏آماله.الأسلوبان كلاهما صعب لأن النخبة ذات مصداقية غير متوفرة اليوم لأننا نشك في بعضنا البعض والمصالح ‏والأطماع متضاربة.أما امتلاك زمام الأمور من طرف الجماهير لتحديد رغباتهم لا يكون إلا بثورة لا نستطيع ‏مواكبتها.بقي علينا أن نسمح بجمع الوسيلتين وهذا يعتمد على قبول بعضنا البعض.هل وصلنا إلى مستوى ‏المواطنة؟

  • korichi

    تساند من تجاوز السبعين و تقول : نُعطيه فرصه........

    فرصه لم يتحصل عليها قبل 10 سنوات .......10 سنوات يا عباد ربي !!!!

    لقد أصبح الزمن عندنا مميعا ، سياسة التمييع بفضل اقتصاد الريع طالت

    جميع الميادين

    بعد 17 أفريل : الجزائر الى وجهتين لا ثالث لهما :

    ـ فوضى عارمة عارمـة تأكل ما تبقى من الاخضر و اليابس عاجلا

    ـ استمرار السقوط في الهاوية بالتدريج آجلا .