-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

لا تحقرنّ من الذنوب صغيرا!

خير الدين هني
  • 302
  • 0
لا تحقرنّ من الذنوب صغيرا!

معالجة الأمراض النفسية والأخلاقية للإنسان، هي ما يقهر نفسه المركبة تركيبا غريبا وعجيبا، وهذا التركيب المتناقض هو ما يُصعِّب عليه تغليب جوانب الخير فيه، على غرائز الشر العدوانية الكامنة في أعماقه أيضا.. والتربية والتزكية والتطهير، والجهاد والمجاهدة والصبر والمصابرة والمثابرة، التي يتيحها له حلول الشهر الفضيل، هي العوامل التي تردع غيه ونزوعه، وتتوثّب فيه النفس اللَّوَّامَةُ، وهي النفس المترنّحة بين الخير والشر، فتغالب شهواتها تارة حين تسمو بها الفضائل إلى مراتب الكمال الإنساني، وتسقط في شر المعاصي والآثام والمزالق تارة أخرى، حين تنسى أو تتناسى الالتزام بطرق البر والمعروف والمراجعة الذاتية.

صاحب النفس المترنحة، يستحضر الملامة والحسرة والخشية، حينما يقترف الذنب فيستشعر الخطر ويبادر إلى التوبة والإنابة، ولكن ما إن يخرج من عبادة الصيام والقيام والذكر والإنابة إلى الله تعالى، حتى تعاوده نزوات الميل إلى اقتراف الذنوب والآثام تارة أخرى، وهذه هي أم المصائب حين يعود إلى التردي في المزالق من لا يراقب نفسه، ويحاسبها على كل صغيرة وكبيرة، ويزجرها عن غيها وغرورها، ونزوعها نحو الإشباع بقبيح الفعال، من السيئات والذنوب المترتبة على سوء الأخلاق والآداب وحسن معاشرة الناس.

لأن الإصرار على اقتراف الذنوب الصغيرة من دون الكبائر، هو استهانة بأوامر الله ونواهيه وتمادٍ في طريق الخطأ، وسيتحول تراكم الذنوب الصغيرة حتى يصبح من الكبائر المهلكات، وقد حذّر من خطر استصغار الذنوب النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد جاء في الحديث المروي عن سهل بن سعد السّاعديّ -رضي الله عنه- أن النبي – صلّى الله عليه وسلّم-  قال: “إياكم ومُحقِّرات الذنوب، فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد، فجاء ذا بعود، وجاء ذا بعود، حتى حملوا ما أنضجوا به خبزهم، وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه” (رواه الإمام أحمد بإسناد حسن).

وما يتعيّن على الفرد فعله، حين تعاوده هواجسه ونوازعه إلى ارتكاب الذنوب، أن يردعها عن غيّها وهواها وشهواتها، ويجعل نفسه لوّامة فتعيده إلى رشده وتقواه، قال تعالى: ((وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ)) (القيامة: 2) وهذه النفس اللوامة طيبة المنبت والرائحة، لأنها ترجع إلى الحق كلما راجعت أفعالها، وأعادت تقويم هذه الأفعال والنزوات، وجعلتها على ميزان الحق والعدل والصواب، ولا توجد لديها عادة الإصرار على ارتكاب الأخطاء والذنوب، وتنهى صاحبها على الجنوح إلى ارتكاب الشر والفواحش والمناكر وقول البهتان والزور، ما دامت هذه النفس  لوّامة وملتزمة بالصوم والذكر الحسن.

وعرّف العلماء محقرات الذنوب، فقالوا: “إنها الذنوب الصغيرة”، وهي الذنوب التي لا يبالي بها مقترفها لاستصغار شأنها، وازدرائها واعتبارها غير مُهلكة ومسببة لغضب الله تعالى، فإذا اعتاد عليها الإنسان استسهل ارتكاب المهلكات من الذنوب الكبيرة، لأن تعوّد النفس على الاستهانة بالصغائر، يميت فيها فعالية الضمير ويضعف لديها الوازع الديني والأخلاقي، ويكون ذلك مشجّعا على انتهاك حرمة المقدسات والممنوعات والمحرمات والكبائر.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!