-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

لا نرتضي إمَامَنا.. مالم يكن أمَامَنا..

لا نرتضي إمَامَنا.. مالم يكن أمَامَنا..

في آخر سنة 1991 طلب مني الدكتور أمحمد برضوان وزير الشؤون الدينية أن أمثله في مؤتمر اتحاد الطلبة المسلمين في أوربا، الذي عقد في مدينة فرانكفورت بألمانيا.

كنت أرجو أن أزور ألمانيا لأحقق السماع بالمشاهدة، فقد قرأت عن “المعجزة” الألمانية بعد الحرب العالمية الثانية، فلما زرت فرانكفورت آمنت بما كان يقوله الأستاذ مولود قاسم ـ رحمه الله ـ وهو أن هناك أربع أمم عملاقة في تاريخ البشرية، اثنتان في التاريخ القديم، واثنتان في التاريخ الحديث، فأما الإثنتان القديمتان فهما الفراعين والمسلمين عندما كانوا مسلمين، وأما الإثنتان الحديثتان فهما الألمان واليابان.

سعدت في ذلك المؤتمر بلقاء كثير من العاملين في حقل الدعوة الإسلامية في أوربا وفي العالم الإسلامي ومنهم الأستاذ عبد الله العقيل، نائب رئيس رابطة العالم الإسلامي، الذي كنتب قد زرته في مكتبه بوزارة الأوقاف الكويتية في أواخر الستينيات حيث كان مديرا وكنت طالبا في ثانوية الشويخ، وتفضل فأهدالي كتاب “تشبيهات القرآن” لابن ناقيا البغدادي، ومازلت محتفظا به إلى الآن.

قضينا ثلاث ليال ممتعة، تحدثنا فيها عن تاريخ المسلمين المجيد، وعن حاضرهم غير السعيد وعن المأمول من مستقبلهم القريب والبعيد..

لقد استفدت من الأستاذ العقيل كثيرا، حيث كان يشيد ـ فيمن يشيد بهم ـ بالإمام محمد البشير الإبراهيمي، وبالداعية الفضيل الورتلاني، حيث كان حديث المحافل العلمية والمجالس الأدبية في القاهرة عندما كان هو طالبا في الأزهر الشريف، ومما سجلته عنه بيتا من الشعر قال إنه من قصيدة للإمام الإبراهيمي، ولم يعلق بذاكرته منها إلاه، وهو:

لا نرتضي إمامنا في الصف

مالم يكن أمامنا في الصيف

ومعنى هذا البيت أن الناس لا يلقون السمع لأي إمام، ولا يسارعون في إيتاء ما يأمر به إلا إذا كان فعالا لما يأمر به منتهيا عما ينهى عنه، وقد كان الإمام الأول والأعظم – وهو سيدنا محمد عليه الصلاة و السلام ـ الذي هو قدوتنا وأسوتنا أول آت لما يأمر به، وأول تارك لما ينهى عنه، وكذلك كان العلماء، والأئمة والدعاة الذين تركوا أثرا طيبا في مجتمعاتهم.

ضاق صدري وانطلق لساني يوم الأحد الماضي، حيث كنت على موعد مع الأستاذ عبد الرحمان دويب في مقر جمعية العلماء والمسلمين الجزائريين، وعندما وصلت إلى المقر وجدت سيارة تكاد تسد الباب، حيث أوقفها صاحبها بطريقة لا يمكن لسيارة متوسطة – فضلا عن سيارة كبيرة – بالدخول، ولا يمكن لسيارة صغيرة أن تدخل إلا بصعوبة.

ضغطت على المنبه مرتين أو ثلاثا فلم يظهر أحد، فدخلت بصعوبة، وأوقفت سيارتي، وكان في الساحة كثير من الأماكن الفارغة..

توجهت إلى الحارس وسألته عن صاحب السيارة فأشار إلى شخصين غير بعيد مني كانا يتحدثان، فقلت: لمن السيارة التي بالمدخل؟ فقال أحدهما: إنها لي.

فقلت: ما ينبغي أن توقفها في ذلك المكان فتعرقل حركة المرور، وتضيع على الناس أوقاتهم ومصالحهم..

ظننت أن الرجل سيهرول لإبعاد السيارة عن المدخل، فإذا به يرسم على شفتيه ابتسامة تدل على اللامبالاة، وقال:

– ما عليهش، ما عليهش، خمس دقائق.. واستمر يحدث صاحبه.. “كدت أطير” – كما يقول أبو العلاء المعري – من جوابه، وقلت له: إن لم تكن في حاجة إلى خمس دقائق فغيرك في حاجة إليها.. ولم يزيدا على أن تحركا بضع خطوات ليواصلا حديثهما.. والسيارة في مكانها..

تركت الشخصين اللذين قيل لي إنهما إمامان – فالبناية تضم – أيضا- مديرية الشؤون الدينية – والتحقت بموعدي، وقد أشهدت على هذا السلوك الشائن كلا من الأستاذين عبد الحليم قابة، وبوطاوي –

لاشك في أن هذا الإمام وغيره يحب النظام، ويحرص عليه، ويأمر به، ولكنه – للأسف الشديد – لا يتجاوز ذلك إلى تطبيق النظام الذي يحبه ويحث عليه، ولاشك في أنه لو واجه ما واجهته لأرغى وأزبد، وأسمع الفاعل قوارع الكلام، وما لا يهوى من القول. لقد كان بفعله ذلك مجسّدا للآية الكريمة: “يا أيها الذين آمنوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون، كبُرَ مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون”، ومسجدا للبيت الشعري القائل:

لا تنه عن خلق وتأتيَ مثله

عار عليك – إذا فعلت – عظيم

إن الإمامة عندنا نحن المسلمين هي أشرف عمل يقوم به إنسان، وقد احتج بها أكثر المسلمين الذين اختاروا سيدنا أبا بكر- رضي الله عنه – لخلافة سيدنا محمد- عليه الصلاة والسلام- حيث قالوا للمعارضين لتولية سيدنا أبي بكر: لقد رضيه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لديننا، أفلا نرضاه لدنيانا؟

إن كثيرا من الأئمة يشرفون هذه الوظيفة ويتشرفون بها، ويبذلون في سبيل ذلك مجهودات كبيرة لتعليم الناس مبادئ الإسلام وقيمه، ويجتهدون للالتزام بما يقولونه في دروسهم وخطبهم، فندعو لهم الله – عز وجل – ليثبتهم على ذلك ويزيدهم توفيقا ؛ ولكن بعضهم يقولون بأفواههم ما لا يفعلونه، فيشوهون بسلوكهم غير الطيب وقولهم غير الحسن هذا الدين الحنيف، فيصدون – من غير قصد – الناس عن هذا الدين.

يعلم هذا الإمام، وهو من الذين علّمونا حديث رسول الله – عليه الصلاة والسلام – القائل: “الدين النصيحة”، فقال له من كان معه: لمن؟ فقال – صلى الله عليه وسلم: “لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم”، وقد نصحت لي وله، وأرجو ألاّ يكون ممن لا يحبون الناصحين.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
20
  • الأخلاق

    بعض الأئمة قمة قدوة ،لغة خطابهم قوية لها أثر عميق.
    وأمر آخر...
    من المفروض الإمام رسالي وليس موظف
    وسؤالي
    هل تنتهي رسالة الإمام بمجرد خروجه من المسجد؟
    انتظر إجابة
    بارك الله فيكم
    ...............فقط للتأكيد
    ............من المفروض كل منا يجب أن يكون رساليا

    هل تنتهي رسالة الإمام بمجرد خروجه من المسجد؟
    انتظر إجابة
    بارك الله فيكم
    .

  • سليم

    بارك الله فيك يا استاد لكن يا الشيخ ماذ نامل من اامة عمال موضفين يرجون الاجرة اخرة الشهر وفقط مدام ان معدل من يلتحقون بشعبة العلوم الاسلامية 7/20 dans un système de rachat
    لا اعمم كل الائمة لكن ?

  • imame

    ياأستاذ الاساتذة ياليت لو دونت هذه القصة في كتابك رجوم ونجوم .

  • صالح

    حضرت في إيطاليا لدورة تكوينية فكانت في موضوع التعاون بين ضفتي المتوسط وكانت في معهد بأعالي جبال باليرمو وكانت امتدادا لكنيسة، أتدري أستاذنا من كان مديرها؟...
    هو من أكبر القساوسة في إيطاليا وكان غزير المعلومات متمكنا من تخصصه في علوم السياسة والاقتصاد...
    إذا لم يصل أئمتنا إلى مستوى معين من العلم الشرعي والثقافة العامة فلا يمكن أن نتحضر...
    والدين ثقافة وفهم قبل أن يكون طقوسا ورموزا...

  • عبد الرزاق الجزائري

    السلام عليكم استادنا الفاضل لن يستقيم الظل ما دام العود اعوجا نورك الله كما نورتنا بمقالاتك

  • merghenis

    سلوك هذا الإمام سلوك جزائري. يا ليت هذا السلوك يتحول من سلوك جزائري إلى سلوك مسلم.

  • خادم العلم والعلماء

    سيدي الهادي الحسني أوجزت فأفدت ونصحت فأصبت وقلت وقولك وقعه أشد من وقع السهام ,,,,,أ ئمتنا ــ هداهم الله ــ وليس كلهم بحاجة إلى دروس يعونها ويحفظونها من أمثالك لأن كل مقالاتك تربي وتهذب وتعلم وتثقف ،لكن البعض من تعلم آيتين نصب نفسه إماماوشيخاوهولايدرك قيمة الكرسي والمنبر في التربية وتهذيب السلوك ،ويصدق فيهم قول القائل "تعلم آيتين وصار شيخا ويلحن كل وقتإن تلاهى "دمت ــ سيدي ــ في خدمة الدين والعبادوالله سيجازيك أحسن الجزاء ,,,,,

  • محمد

    باين جيجلي يا الشيخ لو احدا ماشي جيجلي لركن سيارته وانصرف بارك الله فيك

  • ام كلثوم

    الاخ الهادى تحية طيبة..نشكرك على هذه الكتابات البناءة..وبعد.
    ما هى المقاييس التى يجب ان تتوفر فىالامام حتىيؤدىالمسجد
    رسالته كماينبغى..وحتى يكون الامام قدوة ونموجا بل مثالايحتدى به الاخرون ..المثال الذى ذكرته هو شاهد عيان علىان هناك بعض المساجديعتلى منابرها من هب ودب.. فيتلقى الماموم دروسا رديئة من حيث المضمون تسىء الىالمسجدورسالته.لذلك اصبحت بعض بيوت الله فى الجزائرتواجه معضلات فىترسيخ خطاب دينى بناءيوجه الامةالى الخير والفلاح...لقد نصحت واجرك على الله اماهذاالامام فخيراجرله هوهذاالمقال....

  • mohamad

    لقداسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي

  • محمد

    أستاذكم الفاضل كلما تقع له حادثة جاءنا بابن باديس والابراهيمي. لا ثقافة له إلا غير جمعية ما يسمى بالعلماء الجزائريين.

  • قسنطيني

    هكدا يكون التغيير لو كل واحد منا راى منكر ويعيره بالكتابه كما فعل استادنا الفاضل فلسوف تتغير سلوكياتنا الى الاحسن لكن ليس كلنا له امكانيه الكتابه في الصحف او عبر اي وسيله اعلاميه.... بارك الله فيك يااستادنا

  • ابو اييناس

    نعم النصيحه و نعم الناصح وبئس لمن لم يعمل بها

  • محمد

    هذه قصة أحد الأئمة الشباب كان قد عين حديثا في أحد المساجد فأراد أن يفرض نفسه، وكان قبله إمام شيخ كبير يشهد له الناس بالورع قد أفنى عمره في تعليم الناس، فأساء الإمام الشاب الأدب مع الإمام الشيخ، رغم أنه كان يقول بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم:" ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا" فكان من اللذين قال فيه المولى جل وعلى:" يا أيها اللذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون"، لا يزال الإمام الشيخ حيا، لا يراه أحد إلا أقبل عليه يسلم عليه ويسأله عن حاله، والآخر انفض الناس من حوله لأنه كان يقول ولا يفعل.

  • اBaki

    السلام عليكم سيدي
    ان الكثير من الأمة هم اامة لشئين لا ثالث لهم
    1 الشهرية
    2 حب لاصواتهم في المكبرات الصوتية
    اللهم غفراك

  • الطيب

    بارك الله فيك يا استاذنا

  • أحمد الجزائري

    أين تعليقي يا شروق ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

  • أحمد بو علية

    الناس الطيبون و الناس الأشرار في كل زمان و مكان و في كل الوظائف و في كل القطاعات ، و حتى في الجامعة التي تدرس فيها يا شيخنا الفاضل . و يا ليتك لو تعرضت لبعض تلك التصرفات التي تشاهدها يوميا في الجامعة من ازدراء للطلبة و للأساتذة ، حتى دورة المياه بالنقود ، و لا قاعة استقبال جميلة للاساتذة وووو...
    الله يهدينا جميها .

  • بوبكر

    بارك الله فيكم أستاذنا الحسني فإن ما يقال عن الإئمة يقال على سلوكات بعض الناس في الجزائر فللامبالاة وقلة الأدب وحدث ولا حرج في ذلك

  • ZOURA

    ما أهون ما رأيت في زماننا يا أستاذنا الكريم، هل سمعت ما يُفعل بصناديق الزكاة في بعض مساجدنا