-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

لكم الله يا أطفال سوريا

سلطان بركاني
  • 2477
  • 0
لكم الله يا أطفال سوريا

مع البدايات الأولى للثّورة السّورية، ومع استمرار نزيف الدّم السّوريّ الذي أصبح يتصدّر نشرات الأخبار اليومية، في كبريات القنوات العالمية، ومع استمرار الصّمت العربيّ إزاء ما يعانيه السّوريون من قتل وتهجير وتشريد، رفع السّوريون شعارات كثيرة تنطق بمأساتهم التي خذلهم فيها القريب قبل البعيد، كان بينها شعار قالوا فيه: “لو كانت عروقنا تنزف نفطا، لاجتمع العرب لأجلنا”..

  وقد صدق أحرار سوريا في وصف خذلان العرب لقضيتهم وتنكّرهم لمأساتهم؛ فها هم العرب يجتمعون المرّة تلو المرّة، لأجل النّفط، ولا يجتمعون لحقن دماء السّوريين، وها هو اجتماع الجزائر هذه الأيام يأتي بالتّزامن مع حملة الإبادة الجماعية المروّعة التي يشنّها الطّيران الرّوسيّ بالتعاون مع طيران النّظام الأسديّ على أحياء مدينة حلب المحاصرة..

منذ إعلان نظام الأسد انتهاء الهدنة في 19 سبتمبر 2016م؛ شنّ الطّيران الرّوسيّ حملة مدمّرة على أحياء مدينة حلب، راح ضحيتَها أكثر من 400 سوريّ إلى حين كتابة هذه الأسطر، نصفهم من الأطفال والنّساء، استخدمت فيها قنابل الفوسفور الأبيض المحرّمة دوليا، إضافة إلى القنابل الحارقة والذخائر العنقودية وقنابل أخرى خارقة للتحصينات، يتجاوز وزن الواحدة منها 4 أطنان، وقد كان لافتا أنّ الطّيران الرّوسيّ وبالتّعاون مع طيران النّظام السّوريّ، يتعمّد استهداف المباني والمرافق العامّة والمستشفيات وقوافل الإغاثة، في حملة إبادة ممنهجة على طريق ما سمّي “سوريا المفيدة”.

في خضمّ هذه الفواجع التي يعيشها أهالي حلب، تناقلت وسائل الإعلام مأساة الطّفلة غزال قاسم، التي نجت من الموت بأعجوبة بعد انتشالها يوم الثلاثاء الماضي من تحت الأنقاض التي خلّفتها غارات الطيران الروسيّ على حيّي الشعار والمشهد؛ كان والدها حسن قاسم خارج البيت، وفوجئ بعد عودته بأنّ المبنى الذي يسكن فيه قد سوي بالأرض، وتحته جثامين شقيقات غزال الثلاث وأمها وعائلة عمتها، والجدة. عاد حسن ليعيش لحظات انتشال ابنته غزال وإنقاذها، ولحظات انتشال جثث أفراد أسرته الكبيرة، لتبقى غزال وحيدة مع أبيها الذي لم يجد غير احتضان ابنته، وإسبال دموع القهر على مأساة لم تكن الأولى ويبدو أنّها لن تكون الأخيرة، وسط حملات الانتقام الوحشية التي لا تستثني النّساء والأطفال.

تأتي مأساة الطّفلة غزال لتضاف إلى مآسي آلاف الأطفال السّوريين الذين تجرعوا الغصص والحسرات وهم يُنتشلون من تحت الأنقاض بأجساد مضرّجة بالدّماء؛ يخرج الواحد منهم من تحت الرّكام وهو ينظر إلى دمائه، وربّما إلى أعضائه المبتورة ولسان حاله يتساءل: أيّ جريرة اقترفتها حتى يُفعل بي كلّ هذا؟

قبل غزال قاسم كانت مأساة الطفل “عمران دقنيش” الذي روّعت صورته الضّمائر الحية في شهر أوت المنصرم، وهو ينظر بعينيه البريئتين إلى الدّماء التي غطّت يديه وثيابه بعد انتشاله من تحت الأنقاض، وقبلها كانت مأساة الطّفل “إيلان الكردي” الذي لفظت أمواج البحر جسده البريء، بعد أن غرق مع عائلته في طريقهم للهرب من جحيم الحرب في سوريا، وبين مأساة إيلان ومأساة عمران، تُختصر المحنة المروّعة التي يعيشها أطفال سوريا، بعد أن أصبحوا مخيّرين بين مصير “إيلان” ومصير “غزال وعمران”، بل ومصير آلاف الأطفال الذين انتشلت جثثهم من تحت الرّكام؛ بين أن يموتوا تحت الأنقاض، أو يموتوا غرقا إن فرّوا من إرهاب الطّيران الرّوسيّ وبراميل بشّار المتفجّرة، براميل ضحاياها من الأطفال والنّساء أضعاف ضحاياها من الرّجال، تختصر مأساتها صورة لا يزال النّاشطون على مواقع التّواصل الاجتماعيّ يتداولونها، لطفل سوري دون الرّابعة من عمره، يحمل بين يديه إطار درّاجته الصّغيرة، ليضعه بجانب العجلات التي تضرم فيها النيران، لتُعمي بدخانها طائرات النّظام السّوريّ التي تمطر الأبرياء بالبراميل المتفجّرة، دون شفقة أو رحمة. أراد هذا الطّفل ببراءته أن يتحدّى بطش نظامٍ تمادى في جبروته، ويساهمَ في حماية أبرياء مثله يعاقبون على رفضهم الخضوع إلا لله، ويبعث برسالة حُقّ لها أن تكتب بدموع العيون إلى أمّة مسلمة خذلت أطفال سوريا، الذين رفعوا شعار “ما لنا غيرك يا الله”، وقال قائلهم ذات يوم لحظات قبل أن يُسلم الرّوح إلى بارئها: “سأخبر الله بكلّ شيء”؛ فهل سيفهم حكام العرب والمسلمين الرّسالة؟ وهل يمكن أن تؤثّر أمثال هذه المواقف المبكية في ضمائر أولئك الذين يجدون المبرّرات للنّظام السّوريّ في تحالفه مع الرّوس ومع مليشيات الحقد الطّائفيّ، ويُصرّون على تغطية إجرامه بحكاية الممانعة التي أثبتت الأحداث المتعاقبة أنّها ممانعة موجّهة ضدّ شعب حرّ أبيّ، كان سندا للأحرار من حوله.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!