-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

لماذا لا نوافق على صفقة ترمب؟

الشروق أونلاين
  • 392
  • 0
لماذا لا نوافق على صفقة ترمب؟

لماذا لا نوافق على صفقة القرن؟ ماذا لو استرددنا جزءا من أرض فلسطين التاريخية حتى حدود العريش وأقمنا دولة على أرض غزة وامتدادها في سيناء؟ ما الذي يضر لو أن أهل المخيمات الفلسطينية المعذبين في لبنان حيث العنصرية الطائفية وفي سورية حيث الوضع الأمني البوليسي وفي العراق حيث الحقد الطائفي..؟ وماذا لو لم نقبل صفقة القرن؟ ما هو البديل؟

إن الصهاينة في خمسة عشر عاما الأخيرة أنجزوا للاستيطان أكثر أربع مرات مما أنجزوه خلال أربعين سنة قبلها، فما الذي ينتظره الفلسطينيون: مفاوضات ومفاوضات عدمية عبثية فوضوية؟ أم حصار متواصل خانق على غزة افقدها عناصر الصمود وأهان شعبها وألقي بها على رصيف الانتظار للقمات يسمح بها العدو؟.. هذا هو منطق من تطرب نفسه للتعاطي مع مشروع ترمب وهذا هو تبرير الذين تُبطن نفوسهم عكس ما يتنطعون به من مواقف فيما هم يواصلون تكريس الخطة الأمريكية عمليا.. ويمعن البعض في التذكير بأوسلو إذ إن المبررات للذهاب إلى اتفاقيات أوسلو التي تم بموجبها التنازل عن 80 بالمائة من أرض فلسطين هي المبررات التي تنتصب اليوم أمامنا فمن ذهب إلى أوسلو وتنازل ونسَّق أمنيا لا يجوز له الآن أن ينتقد التماشي مع خطة ترمب..

وهكذا دخلنا في دائرة المنطق الفاسد والتعليل المنحط عندما نغادر ساحة الشرف والكرامة والعزة والامتلاء بالحق، وقبل مناقشة هذا المنطق وأهله الذين يتحركون بقوة على الأرض مكرسين واقع المشروع الأمريكي لابد ان نشير الى مجموعة حقائق من خلال طرح أسئلة: هل هناك من يتصدى لصفقة ترمب؟ هل هناك من يمتلك الوقوف ضد خطة ترمب لحل قضية الصراع العربي الإسرائيلي؟ ماذا بقي من مشروع الإدارة الأمريكية لم يُنفذ بعد؟

عندما أعلن الرئيس الأمريكي أنه منكبٌّ على الإعداد لخطة تنهي الصراع العربي الإسرائيلي هرول حكام المنطقة الى البيت الأبيض استجابة لدعوات من قبل ترمب ليُعلنوا وأمام وسائل الإعلام العالمية إنهم يؤيدون الرئيس الأمريكي في مسعاه واستعدادهم على الدفع بكل وسائلهم لإنجاحها، واكد المسئولون العرب اقتناعهم بأنهم نشَّطوا العلاقات الاقتصادية الأمريكية العربية كما لم يتم في أي مرحلة تاريخية.. ويتبادر الى الذهن أسئلة في مقدمتها: على ماذا وافق الحكام العرب؟ هل كانوا يجهلون ما يخطط له البيت الأبيض؟ ألم تكفهم الإشارة عندما عين ترمب صهره الصهيوني مكلفا بوضع تصور لحل القضية؟

من خلال سلوك عناصر الاشتباك في المنطقة يتبين لنا ان الجميع ينفذ مراحل صفقة ترمب ولا احد يتصدى لها، فلقد أعلنت الإدارة الأمريكية ضمّ القدس إلى الكيان الصهيوني ولم يقابَل هذا الموقف الشنيع يأي رد فعل من أي من أطراف الاشتباك العرب والفلسطينيين.. ثم هاهم الأمريكان يعلنون ضم الجولان للدولة العبرية ولم يردّ عليهم احد من حكام العرب، وعندما نقترب من الاعتراضات الرسمية من قبل هذا الطرف او ذاك نرى ان مواقف الرسمية العربية لا ترقى الى موقف الرفض بل هي محاولات لتحسين بعض البنود والدعوة الى تلطيفها بمساحيق تخفف وطأها على الحس العام.

هنا لابد من قراءة لحقيقة المواقف المحيطة بفلسطين؛ فالموقف العربي المحيط بفلسطين ابعد ما يكون عن رفض المشروع الأمريكي، إنه فقط يطرح اجتهادات على أرضيته لتعديلات لا تمس جوهره.. الدول العربية المحيطة بفلسطين لا همَّ لها إلا التخلُّص من القضية الفلسطينية وتداعياتها، ففي لبنان لا يصحون الا على القلق من الوجود الفلسطيني، وفي سورية رغم ان الدولة تجنبت الصدام المباشر مع إسرائيل خلال عقود طويلة الا انه لم يغفر لها الوقوف مع المقاومة الفلسطينية رغم ان لها أرضا محتلة من قبل العصابات الصهيونية، وأما الأردن فالمشكلة لديه ان الصفقة تجرِّده من أسلحة معنوية خاصة بالأسرة الهاشمية في القدس كما ان الصفقة غير واضحة المعالم في ترسيم الحدود وهناك كلام عن فرض تنازل عن أجزاء من الأردن لصالح الدولة العبرية، ومصر تواجه الخطة الأمريكية غير الواضحة المعالم وغير المحددة لأنه لا يمكن قبول صفقة الا من خلال معرفة حجم الفوائد والخسائر بالنسبة للتراب والمواقع الإستراتيجية والتعويض المالي، والعراق في حالة تماهي عمليا مع الأمريكان ومنشغل بنفسه وبتوزيع الحصص على الطوائف المتنافرة، والسعودية معنية الآن أكثر من أي مرحلة سبقت بتأمين الملك والحكم بعد ان كادت تصرفات ولي العهد ان تعصف به وتتهدده بتصدعات داخلية عنيفة وبضغوط خارجية يمكن ان يكون لها أثرٌ بالغ ينتهي بتلاشي المملكة حسب تصورات مشروع الشرق أوسط الجديد.

كل هذا يعني شيئا واحدا؛ إنه توفر الشروط الموضوعية لنجاح مشروع ترمب الصادم.. هذا المشروع الذي تم الإعلان عن معظمه ولم يبق منه الا القليل وقد تمَّت التهيئة الإقليمية لكل التفاصيل.. هكذا يُظهر ترمب ونتنياهو الأمر وينتشون طربا أمام عدسات التلفزيون وميكروفونات الصحفيين..

لكن غاب عن المنهزمين وعن المتآمرين وعن المخططين الكبار من صهاينة واستعمار أنهم يتحركون جميعا في خارج سياق التاريخ ويتكلمون بلغةٍ عجماء لا تتعاطى مع مفردات الحياة وطبيعتها وهم جميعا عميٌ عن قراءة حقيقة للواقع وصمٌّ عن سماع آيات التاريخ وسننه فأصبح كلامهم كأنه البكم.. غاب عنهم قراءة الواقع بأبجدياته الأولى في طرفي الصراع على الجبهة الفلسطينية وعلى جبهة الكيان الصهيوني.

على الجبهة الفلسطينية رغم هزال القيادة الفلسطينية وضعفها وتيهانها في دهاليز العمل السياسي العقيم وافتقادها أدوات الضغط المادية، ورغم عبثية سلوك النخبة السياسية الفلسطينية سلطة ومعارضة، إلا ان الحالة الفلسطينية تشهد نموا في الوعي والإدراك لم يكن متوفرا في أي مرحلة سبقت.. وما يمثله الجيل الشاب من تحديات للواقع الرسمي الفلسطيني كما للكيان الصهيوني يشير بخطورة الى ان هناك إرهاصات حقيقية تنبعث من طولكرم والخليل ونابلس وسلفيت ورام الله وجنين والقدس تتجاوز كل الحدود الموضوعة أمام الشعب الفلسطيني وان هناك أداء متميزا لرفض شروط الاستسلام والتنازل والصِّغار أمام العدو يتجلى ذلك في نوعية أداء لم يتوفر مثيله قبل الآن.. وفي غزة وتحت الحصار المرّ وبفعل ارتباك سياسي واضح يصل الشباب الى قناعات عميقة بان فلسطين اكبر من الأحزاب وانه يمنع ربطها بأجندة تنظيم مهما بلغت مناقبيته.. في غزة تنمو حالة وعي عميق متفتح وجذري للقضية الفلسطينية برمّتها، ولعل هذه الرؤية التي تنتشر في قطاعات واسعة من الشباب يكون لها مع تطور حالة الأداء والوعي في الضفة الشأن العظيم الذي سيرد عمليا على كل الخطط والمؤامرات الأمريكية والصهيونية والعربية الرسمية.. هذا في ظل تنامي الوعي الإنساني وتزايد التعاطف الشعبي الدولي مع الشعب الفلسطيني كما يتجلى في حملات المقاطعة سواها من نشاطات ثقافية وسياسية في أرجاء الكرة الأرضية.

على الصعيد الفلسطيني ورغم ان الساسة الفلسطينيين بممارساتهم يهيِّئون الفرصة لنجاح خطة ترمب بمحاصرتهم لبعضهم وبصراعهم الداخلي العبثي إلا ان المجتمع الفلسطيني في حالة مقاومة أكثر من أي مرحلة سبقت. وعلى الصعيد الصهيوني تشهد التجمُّعات الصهيونية حالة تصدع لم يسبق لها مثيل وسؤال الوجود أصبح أكثر طوره في تحديه للمستعمِر الذي يجد نفسه في مهب الريح وفي مواجهة كل الاحتمالات التي يمكن ان يتجلى عنها الحراك في المنطقة.. هذه هي معادلة الصراع الحقيقية بين مستعمِر يمتلك السلاح لكنه يفتقد إلى اليقين ومن طرفٍ آخر مرابط يمتلك اليقين والوعي رغم قلة ما باليد.. المعركة هنا تحسمها المرابطة ويحسمها الصمود والصبر.. وشعبُ فلسطين يعرف فنون الصبر وثقافته ويحسن ممارسته وهو على أرضه ونحو أرضه لا يتنازل عن حبة تراب من أقدس ارض عرفها الإنسان..

هكذا نكون اجبنا على خطة ترمب التي سيكون لها مكانٌ واحد فقط؛ إنه تحت أقدام أبناء فلسطين والأحرار من العرب والمسلمين، وسيذهب ترمب كما ذهب من سبقه ويبقى شعبُ فلسطين وتبقى فلسطين.. وسيعلمون نبأه بعد حين.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!