-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مآثر كتامة الحضارية على القاهرة المعزّية

الشروق أونلاين
  • 15428
  • 7
مآثر كتامة الحضارية على القاهرة المعزّية

تستحضرني اليوم حقائق تاريخية من شأنها أن تذكر من خانته الذاكرة بدور الجزائر المحوري في هيكلة الدولة الفاطمية بمصر التي قامت على أكتاف قبائل كتامة البربرية التي ندين لها بمآثر حضارية وفكرية لا تحصى منها جامع الأزهر الشريف بالقاهرة الذي باشرت تأسيسه عقول وسواعد جزائرية منتصف القرن الرابع الهجري. ففي هذه القلعة الفكرية انعقدت مجالس الحكمة التي أرست الدعائم الفلسفية للتصوف الإسلامي الذي تشرفت الجزائر بتبنيه ورعايته.

  •  
  • يذكر شيخ المؤرخين المصريين المقريزي بوفود أكثر من مائة ألف من فتيان كتامة وفرسانها إلى أرض الكنانة أعقبها سيل من الهجرات المتعددة بعد حملة هي أشبه بالنزهة العسكرية كما يصفها الأستاذ المرحوم موسى لقبال في كتابه عن “دور كتامة في تاريخ الدولة الفاطمية”. قطع الكتاميون النيل سباحة بإشارة القائد جوهر الصقلي الذي خاطب صنوه الكتامي في قيادة الحملة الفاطمية أبي الفضل جعفر بن فلاح: “لهذا اليوم أرادك المعز لدين الله” إلى أن دخلت جيوش كتامة الفسطاط يوم السبت 17 شعبان 358هـ حيث وضعت أسس الدولة المصرية الجديدة.
  • وكان المعز قد تنبأ بهذا النصر المبين أمام جند كتامة مخاطبا قائدهم: “والله لو خرج هذا وحده لفتح مصر، وليدخلن بالإرادة من دون حرب، ولينزلن في خرابات ابن طولون، ويبني مدينة تسمى القاهرة.. ” وكان الأمر كما قال إذ دخل المعز لدين الله القاهرة ظافرا يوم الثلاثاء سابع رمضان 362 هـ مصطحبا معه أهله وحاشيته ورفات آبائه من الأئمة الفاطميين الذين قضوا بإفريقية.
  • وترتب على انتقال المعز انقلاب مصر من مجرد عمالة إخشيدية تافهة يحكمها عبد أسود يعرف بكافور يدين بالولاء لبغداد إلى دار خلافة ومستقر الإمامة، فصارت القاهرة دارا للهجرة جديدة بعد أن كانت إقجان بمنطقة بني عزيز بأعالي سطيف دارا لهجرة خلفاء دور الستر. كما ساهمت كتامة في الدفاع عن مصر حيال مخاطر الروم التي كانت تحدق بها في ظل تخاذل العباسيين فصاروا بمثابة قادة للنظام الجديد الذي استصفاهم لعصابته واعتمد عليهم اعتمادا كليا في تسيير سياسة الدولة الجديدة والإشراف على شؤونها العسكرية والإدارية فكان منهم عمال الخراج والشرطة وولاة بعض الأقاليم والمحتسبون وقضاة المظالم، بل من الكتاميين من بلغ مرتبة “نائب الغيبة” لدى مغادرة الخليفة الفاطمي مصر لمباشرة الحرب وأنعم على بعضهم بأسمى الألقاب كأمين الدولة ووزير الوزراء وقطب الدولة.
  • ولم يتوقف دور كتامة عند هذا الحد بل تعداه ليشمل الجوانب الاجتماعية والثقافية بقيادة توبة بن ميسرة الكتامي الذي تزعم مدرسة فنية راقية كان من بينها رسامون ومنشدون مشهورون. فكل ما نشاهده اليوم في القاهرة من مشاهد ومزارات وجوامع ومساجد وسائر التقاليد الاحتفالية من موالد ومواسم وقراء الحضرة ومرتلين وشعائر وحتى الأكلات والأهازيج والمصابيح وغيرها من مخلفات الفاطميين هي من مآثر الكتاميين.
  • هذه الهجرة الجماعية للجزائريين لتأسيس مصر الفاطمية وإنقاذها من التهديدات البيزنطية فريدة من نوعها في تاريخنا الوطني ترتب عنها اندثار شبه كامل لهذه السلالة البربرية في بلادنا وذوبانها في كيان الشعب المصري ـ أين صاروا يعرفون تحت تسمية المغربيين أو البلديين ـ ما يعد أكبر تضحية للجزائريين في سبيل تحقيق نهضة مصر واستقلالها وهيكلة إدارتها وتحديد ملامح كيانها المادي والمعنوي كما تشهد عليه عديد المعالم الأثرية والحضارية التي تزخر بها القاهرة والتي تذكر بعصر كتامة المجيد وقوتها وسيادتها.
  • ــــــــــــــــــــ
  • * باحث أكاديمي في علوم الإنسان والأديان
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
7
  • حياة

    رد على الأخ السعودي-الحق يقال-
    أحب أن أوضح لك لماذا اختار الجزائريون مصر لبناء القاهرة و الجامع الأزهر لتكون لتكون قطب للحضارة الأسلامية لأنها تتوسط المشرق العربي و المغرب العربي ، فهم مسلمون بمعنى الكلمة ،فكروا في الإسلام و مصلحة المسلمين قبل أنفسهم ، عكس ما هو عليه حال الدول الإسلامية اليوم، وقد صدق الإمام الغزالي عندما قال أن الإسلام الحقيقي موجود في دول المغرب العربي ،لأن أعمالهم بعيدة عن الرياء و النفاق ، ولولا تفضّل المصريين علينا لما ذكرناهم بفضلنا القديم عليهم و البادي أكرم

  • عصام

    وكمان بنيتم الأهرامات وثقافتم المصريين وعلمتهم الفن والشعر والأدب وكمان وزعت عليهم جوائز نوبل وكمان وكمان... ياعم أرحمونا بقى وبطلوا هبل وركزوا في بلادكم وعمروها بدل الهبل ولاعب العيال ده أنا طبعا بحترم شعب الجزائر قصدي على كاتب المقال اللي مخه فاضي وعمال يعبط خلاص ياعم أعترفنا بفضلكم على شعوب الأرض علشان ترتاح وتعرف تنام

  • احمد

    شكرا علي الحقائق التاريخية
    احنا في العالم العربي خصوصا وسط الشباب لا نعرف الكثير عن تاريخ امتنا العربية و تأثيرنا علي بعضنا البعض في مختلف العصور

  • الحق يقال

    هههههههههه نكتة بايخه يااخى روحو ابنوا حضارتكو الاول وبعدين ابنو حضارة غيركم انت عايزين تلصقوا انفسكم لمصر باى شكل اتقو الله .مصر عظيمة منها خرجت هاجر ام ولد ابراهيم عليه السلام ومنها خرجت مارية ام ابراهيم ولد الرسول علية الصلاة والسلام الذى بكى لموته كثترا وبها جبل الطور المكان الوحيد على الارض الذى تجلى الله تبارك وتعالى عليه محدثا موسى عليه السلام مصر ليست بكم كما تتدعون بل هى بارادة الله عز وجل وستبقى كذلك رغم حقد الحاقدين وحسد الحاسدين فالهم سلم شعبها وارضها من كل سؤ.

  • الفوهرر

    عشنا وشفنا
    الجزائريون بنوا القاهرة !
    والمعز لدين الله الفاطمي التونسي اصبح جزائري !
    وسنكتشف بعد قليل أن قطز وبيبرس قاهري التتار من قبائل تيزي أوزو
    بالجزائر وأن الجنرال أحمد اسماعيل بطل حرب كتوبر وقاهر اليهود
    من مدينة وهران ! وأحمد زويل والبرادعي ونجيب محفوظ من الجزائر العاصمة !!!!!!
    ربنا يشفي ..............

  • Lina

    شكرا على المنعرجات التاريخية .تمنيت لو أن المؤرخين و الباحثين تحت رعاية السلطة المختصة تعمد الى اصدار كتب تاريخية تروي لنا بطولات أمجادنا و دورهم في بناء أسس الأمة الاسلامية.زعماء كتبوا التاريخ و بخلتم علينامن أن نعتز بهم أمام العرب والمسلمين و تحفزنا للمضي قدما بالجزائر.

  • عربية اصيلة

    إقبال كبير على معرض (كتامة والحضارة الفاطمية)

    كامل الشيرازي من الجزائر: يُحظى معرض "كتامة والحضارة الفاطمية" الذي تحتضنه مدينة ميلة الجزائرية (500 كلم شرق العاصمة) بإقبال كبير من طرف الجمهور المحلي وكذا عديد الزوار من خارج البلاد، ويعتبر هذا المعرض الذي أعد سينوغرافيته عدد من الشبان المبدعين، فضاءا مفتوحا بإتقان ساهم فيه كوكبة من الحرفيين والمصورين والمصممين بغرض تسليط الضوء على تاريخ قبيلة "كتامة" الشهيرة والدور الذي لعبته على صعيد التحضير والتأسيس للحضارة الفاطمية التي نشأت بمنطقة المهدية (تونس) سنة 308 هجرية - 920 ميلادية لتستمر لغاية العام 567 هجرية-1171 ميلادية.
    ويقدم هذا المعرض لوحات رائعة ومشاهد جلية عن الدور البارز الذي لعبته قبيلة "كتامة" البربرية فيما كان يسمى قديما (المغرب الإسلامي) حيث قامت على سواعد وأكتاف أبنائها حضارة إسلامية كبيرة امتد نفوذها من المغرب الأوسط و بالتحديد من ضاحية إيكجان بولاية سطيف الجزائرية، حتى شبه الجزيرة العربية واليمن مرورا بتونس ومصر وبلاد الشام، ما مثل ترابطا فريدا في التواصل بين أطراف وأجزاء العالم الإسلامي وبين قبائل البربر والعرب.
    ويشير "أحمد رفاعي" محافظ المعرض، إلى أنّ الداعية أبو عبد الله الشيعي وهو يمني من صنعاء جاء رفقة حجاج من كتامة إلى دار الهجرة الأولى بـ"إيكجان" شرق الجزائر أواخر القرن الثالث الهجري-أوائل القرن العاشر الميلادي، فانطلقت من "إيكجان" الدعوة الفاطمية وحملت مشعلها قبائل كتامة البربرية التي أمكن بفضلهم القضاء على حكم الأغالبة في إفريقيا (تونس) والرستميين في المغرب الأوسط والأدارسة في المغرب الأقصى والمدراريين في سجلماسة، ليؤسسوا المهدية العاصمة الأولى للخلافة الفاطمية سنة 308 هجرية.
    ويتعرض منظمو المعرض إلى منعطفات تاريخية حاسمة اعترت مسيرة قبيلة كتامة، مثل الذي حصل سنة 358 للهجرة، حينما استطاع القائد جوهر الصقلي بمساندة جيش كبير قوامه مائة ألف فارس كتامي فتح مصر وتأسيس "قاهرة المعز" لدين الله الفاطمي، كما شيد بها الجامع الأزهر ليتم بعدها فتح دمشق (الشام) على يد جعفر بن فلاح الكتامي سنة 360 ميلادية.
    ويبرز المعرض أيضا ما قام به أبناء كتامة التاريخية من علماء وقادة جيوش وحرفيين وحتى بنائين في قيام حضارة طبعت الحياة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية للدولة الفاطمية، ويمثل جامع الأزهر أعظم إنجازات قبيلة كتامة والحضارة الفاطمية بالمشرق العربي، مثلما يؤرخ لذلك المعرض المذكور، إذ تم بناؤه سنة 359 هجرية بعد عامين وثلاثة أشهر من الجهد، ويحتفظ هذا الجامع الذي أريد له أن يكون منارة دينية وعلمية لدى المسلمين بأجزاء هامة من عناصره المعمارية الأصلية التي يبرز فيها تأثير عمارة بلاد المغرب كما هو الشأن بالنسبة لصحن الجامع وكذا الأوتار والروابط الخشبية.
    ويؤرخ هذا المعرض لبعض قادة كتامة في مصر وبلاد الشام من أسر ابن فلاج وابن ثعبان وبن منزو وحيدرة وغيرها، ولا تشبه مكانة كتامة وأهميتهم بالنسبة للخلافة الفاطمية -كما يقول أحمد رفاعي محافظ المعرض- سوى منزلة الخرسانية والأتراك في حياة الخلافة العباسية