-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

متى نُطهِّر مجلّاتنا الأكاديمية؟!

متى نُطهِّر مجلّاتنا الأكاديمية؟!
أرشيف

قبل سنتين كتبنا عن سوق‮ ‬المجلات‮ ‬الجامعية في الجزائر، ووصفناه بالمهزلة لأن عددها كان قد بلغ آنذاك 262 مجلة؛ إذ ليس من المعقول أن يبلغ عددها هذا المقدار الخيالي في مجمل مؤسساتنا الجامعية. ومن عادة السلطات أن تتدخل لمحاولة تصويب الأوضاع عندما تتجاوز حدودها. لكنها في هذا الباب نراها تتباهى بالكمّ بدل السعي إلى تحسين النوعية.

تُخمة في العدد وشح في النوعية
كنا لاحظنا مثلا أن هناك مركز بحث يصدر 10 مجلات، وأن مؤسسة جامعية ينتسب إليها بضعة آلاف طالب تنشر 12 مجلة أكاديمية! أما في هذه السنة فلاحظنا أن عدد هذه المجلات، بدل أن يتجه من الكم إلى الكيف، قد زاد في الكم وتجاوز بكثير 300 مجلة وقارب 400 مجلة. ويجد القارئ قائمة هذه المجلات في “منصة المجلات الجزائرية” في موقع مركز البحث الإعلام العلمي والتقني “سيريست” وقد بلغ العدد 388 مجلة!
يحدث ذلك في الوقت الذي نعيش فيه وضعا ماليا غير مستقر وفترة تقشف تجنبًا للأسوأ، ففي الجانب المادي المحض، نلاحظ أن أقل تقدير من حيث تكلفة إصدار عدد من أيّ مجلة هو نصف مليون دينار. وإذا افترضنا أن المجلة تُصدر عددين أو ثلاثة أعداد سنويا فسنجد أن التكلفة الإجمالية لا تقل عن 50 مليار سنتيم سنويا… وهذا ما يغطي منحة شهرين لجميع طلاب الجامعات في البلاد!
أضف إلى ذلك نفقات التوزيع إن كانت المجلة تهتم بالتوزيع، أي بمقروئيتها، وإلا فعلينا مراعاة مساحات التخزين. ولو كان هذا المال يُنفق في أمر يعود فعلا بالفائدة العلمية للبلاد لثمّناه، لكننا نراه في الحقيقة وبالا في مجمله يزيد في رداءة الأداء الأكاديمي، فعندما ننظر إلى من ينشر في هذه المجلات نجد معظمهم ينتسب إلى إحدى الفئات الثلاث التالية:
الفئة الأولى: طلبة الدكتوراه، وهمهم الوحيد (وهذا أمرٌ شبه طبيعي) نشر مقال يتيح لهم إمكانية مناقشة رسائلهم. إنهم عموما لا يهتمون بدسامة المضمون بقدر ما يهتمون بظهور المقال باعتباره “تأشيرة” الموافقة على مناقشة الرسالة.
الفئة الثانية: الحاصلون على الدكتوراه الطامحون إلى نيل التأهيل الذي يُلزم أيضا بالنشر، ولذا يتهافت هؤلاء على نشر مقال في مثل هذه المجلات مباشرة بعد إحرازهم على شهادة الدكتوراه، وهذا ليحق لهم تقديم ملف التأهيل. وهم أيضا لا يهمهم بصفة عامة الجانب الأكاديمي والمهامُّ التي ستلقى على كاهلهم بعد التأهيل بالقدر الذي يهمهم ظهور المقالات التي تتيح لهم الحصول على هذا التأهيل!
الفئة الثالثة: الأساتذة المحاضرون المتطلّعون إلى الترقية إلى درجة “أستاذ التعليم العالي”، فلا بد لهم من نشر عددٍ من المقالات يزيد في حظوظ إمكانية هذه الترقية حين يأتي الموعد (5 سنوات بعد التأهيل).

ما الحل؟
وقد يعقب المعقبون: وما العيب في كل ذلك؟
نقول إن العيب في ذلك أن معظم تلك العمليات تتم على حساب النوعية، فمن يكون هاجسه الأول (وربما الأخير) هو النشر وظهور اسمه كمؤلف في مجلة سوف لن يتقن عمله، وسوف يرسله إلى المجلة الأكثر تساهلا في النشر. وهذا العدد الهائل من المجلات الوطنية يستجيب إلى هذا المطلب (سهولة النشر). والواقع أن من له عملا أكاديميا جادا وذا قيمة سيتمكن من نشره في الخارج حتى لو تطلب ذلك إرساله إلى مجلة ثانية أو ثالثة إن تعذر نشره في المجلة الأولى أو الثانية.
ولا بأس أن يمزج الباحث بين النشر في الداخل والخارج، غير أن قانوننا يطلب مقالا واحدا، ومن الطبيعي أن يعرضه طالب الترقية على “أفضل” مجلة بالنسبة إليه، أي تلك التي ستقبله بأقل شروط ممكنة، فلو طلب منه مثلا مقالين، أحدهما على الأقل منشور في الخارج لكان الوضع أفضل إلى حد معيّن، وبالتالي وصلنا إلى مرحلة صارت فيها جل الترقيات عندنا تتم بالاستناد إلى مقالات نُشرت في مجلات وطنية ومحلية، وهذا وضعٌ يسيء إلى الجامعة الجزائرية وجامعييها.
وفضلا عن ذلك، فحتى المجلات العلمية الأجنبية نجد فيها الكثير من الغث والقليل من السمين، وأهل الاختصاص يعلمون ذلك.. بل إن المديرية العامة للبحث العلمي تفطنت لهذا الوضع، والدليل أنها وضعت في موقعها قائمة من المجلات “المخادِعة”؛ أي المجلات التي تدّعي أنها أكاديمية وعلمية، وهي في الحقيقة تجارية محضة تنشر أي شيء يُرسل إليها إذا دفعتَ لها مالا.
ويتساءل المتتبعون: وما السبيل إلى تحسين الوضع عندنا؟ الآراء هنا متضاربة؛ إذ ترى فئة من الأساتذة أنه يتمثل في إيقاف كل المجلات الأكاديمية (لاسيما العلمية) لأن مهما كان الحال فلن ترقى إلى مجلة ذات صيت علمي مقبول. وتعتقد فئة أخرى ضرورة وجود المجلات بكل تخصصاتها لأن ذلك يحفّز البحث في المخابر ويعكس للعالم مستوى “المنتوج الوطني”. والكل يُجمع أن الوضع صار غير مقبول من حيث العدد الذي تجاوز كل الحدود، وما يزيد الأمر تعقيدا رغم كل ذلك أننا لا نجد أيَّ مجلة وطنية في بعض التخصصات!
نعتقد أن الحل الذي يتعين التوجهُ نحوه هو محاولة التحكم في الأمر من خلال “مركزية القرار” في إصدارات المجلات الأكاديمية، بمعنى أن المديرية العامة للبحث العلمي هي التي تبتُّ في إصدار المجلات الأكاديمية التي تقترحها المؤسسات الجامعية المختلفة ومراكز ومخابر البحث. والإذن بإصدار مجلة ينبغي أن يُمنح للجامعة التي تعتبر “قطبا” في ذلك التخصص، وألا يزيد عدد المجلات في نفس الاختصاص عبر القطر عن كمية معينة (مجلتان مثلا)، أما الإيقاف فيترتب عن تقييم سنوي للمحتويات العلمية لكل المجلات.
ومديرية البحث في مسعاها يجب أن تشجع بعض الاختصاصات التي ترى أن أصحابها أهملوا جانب النشر، فعلى سبيل المثال، نحن لا نفهم ألا تكون هناك مجلة في الرياضيات رغم وجود جمعية وطنية للرياضيات منذ ثلاثين سنة ووجود “أقطاب” في الرياضيات، ككلية الرياضيات بباب الزوار وجامعة تلمسان… وفي هذا السياق يتساءل الكثيرون كيف أن للمغرب وتونس ومصر والسعودية وفلسطين مجلات في هذا الاختصاص ذات مستوى مقبول، بل راق بالنسبة لبعضها ونظل نحن بدون إصدار؟!
المسؤولون عندنا يخفون إحراجهم من سوء تصنيف جامعاتنا في العالم، ويدافعون عن الوضع بحجج واهية، ويطلبون من الجامعات أن تكون مواقعها أكثر شفافية و”لمعانا”. ويعتقد بعضهم أن “لمعان” المؤسسة سيأتي بإصدار كمّ من المجلات الرديئة يغالطون به الناس ويغالطون به المصنّفين عبر العالم. وفي الواقع، فهم لا يخادعون إلا أنفسهم ويزيدون الطين بلة في موضوع نظرة الخارج إلى جامعاتنا. لا شك أن المسؤولية هنا جماعية، والكل مطالب بتغيير الوضع نحو الأفضل.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
12
  • عباس

    تكملة4
    التمويل غير الثابت يتم من خلال العروض الوطنية السنوية للبحث التي تتقدم لها المخابر كما يمكن فتح المجال للباحثين بغض النظر عن الشهادات ثم يتم التقييم البعدي لتعيين البحوث الجدية على جهة والبحوث المتميزة على جهة اخرى.
    4- تتكون هذه المنظومة ايضا من كيان اعلامي على الانترنيت ، والراديو، والتلفزيون لجعل الخبر العلمي مادة اعلامية يومية وجعله محل اهتمام جميع افراد المجتمع (كحال كرة القدم حاليا).
    تقبلوا استاذنا خالص التحيات والتقدير

  • عباس

    تكملة 3
    تهدف هذه الملتقيات الى انتقاء الأعمال العلمية القابلة للنشر على اساس الجودة بعد التمحيص و المناقشة كما تهدف لصقل المواهب الناشئة بتوفير جو علمي هادئ ودائم (صفة الدورية) كما تكافئ الباحثين المتميزين باقامة تقليد منح جوائز علمية للباحث ومخبره وجامعته.
    2- كما تتكون هذه النظومة من مجلات متخصصة تنشر ما تم انتقائه من خلال هذه الملتقيات كما تنشر الاعمال التي تخضع لمراجعة علمية من طرف باحثين مرموقين جزائريين وغير جزائريين بصفة تتسم بالسرية والشفافية.
    3- تمويل الباحثين : في اطار المنظومة المقترحة يعتمد تمويل ثابت ودائم لكل مخابر البحث والباحثين وطلبة الدكتوراه كما يعتمد تمويل غير ثابت ,,

  • عباس

    تكملة
    هذه الهيئة العلمية تتكون من نواة صلبة تتمثل في مجموعة من الكفاءات الجزائرية في الداخل والخارج المشهود لها علميا وعالميا بالتميز العلمي ويستحسن تطعيمها بكفاءات علمية اجنبية مرموقة. وتتشكل جمعيتها العامة من جميع الكفاءات العلمية التي اثبتت وجودها في البحث والنشر على مستوى المجلات المرموقة.
    تتكفل هاته الملتقيات العلمية السنوية المتخصصة، التي تقام في فترة ملائمة من السنة حيث تصبح مندمجة في الرزنامة الجامعية وتنتقل دوريا مكان اقامتها من جامعة لاخرى، باتاحة الفرصة لأكبر عدد من اصحاب البحوث لتقديم اعمالهم في مرحلة اولى لتقييم اولي ثم اتاحة الفرصة لنقاش علمي خلال ايام الملتقى.

  • عباس

    الى الأستاذ الفاضل أبو بكر خالد سعد الله
    شكرا على هذا المقال الذي يعالج مسألة جامعية مهمة جدا. أود تقديم اقتراح يتمثل في انشاء نظام نشر علمي يهدف الى تحقيق المصداقية للأعمال المنشورة ويسمح بتقليص مدة الانتظار للراغبين في النشر.
    في المقام الاول يجدر بنا ان نعتبر ان الكم الموجود من طلبة الدوكتوراه والباحثين عن الترقيات الجامعية ثروة وطنية تقتضي تثمينا بدل التبديد الحاصل.
    الاقتراح يتضمن انشاء منظومة تتكون اساسا من1- ملتقيات وطنية متخصصة سنوية تنظمها هيئة علمية وطنية مستقلة تتميز باسقلالية مالية وفي التسيير, ,,,,, يتبع

  • Enseignant

    Est ce que l'université algérienne existe encore???

  • أبو بكر خالد سعد الله

    1) إلى "سرحان الهادي"
    شكرا جزيلا على تصويب الخطأ النحوي الذي لم أنتبه إليه فأنتم محقون تماما في ذلك.

    2) إلى "mohamed"
    في الغرب الذي ينتج العلوم ليس هناك مقابل مادي لمن ينشر البحوث (عدا من خلال الترقيات). وأعتقد أنها طريقة أسلم في تسيير البحث عندنا.. فلا نبني التألق في البحث على الجانب المادي المحض.

    3) إلى "أستاذ"
    جميل إذا ما أسست جمعيات علمية مجلات راقية لكن في ظروف الجمعيات عندنا فلا يمكنا ذلك حسب رأيي ما لم تدعمها جامعة أو مؤسسة أكاديمية.

  • سعيد غندير

    شكرا على المقال أستاذ.
    من المعلوم ان الهدف الاول للوزارة والمسؤولين السياسين هو انجاح نظام ل.م.د رغما عن أي بُعد آخر تفضلت به. إذ لا يهمهم العدد على حساب الكيف والنوع. واولوياتهم هي اجتناب أي إنسداد ومشكل مستقبلي بخصوص طلبة الدكتوراه إذ ان القليل منهم فقط يمكنه النشر في مجلات ذات التصنيف العالمي والبقية لن يستطيعوا ان ينشروا بذلك المعيار. هذا يستلزم--> لا أحد يتاقش مذكرة دكتوراه --> إضرابات واعتصامات --> نظام ل.م.د فاشل --> الحل أطلق الماء على البطيخ وانشىء مجلات ولو بالاسم فقط --> ماشاء الله نظام ل.م.د ناجح ولدينا انتاج علمي محلي...والمستفيد من هذا الماخور العلمي هو أبناء المسؤولين.

  • سرحان الهادي

    أظن أن عبارة: "الواقع أنّ من له عملا أكاديميا جادا وذا قيمة سيتمكن من نشره" خاطئة والصحيح هو: "الواقع أنّ من له عملٌ أكاديميٌّ جادٌّ وذو قيمة سيتمكن من نشره" لأن إسم أنّ هو الإسم الموصول [مَنْ] وخبرها الجملة الفعلية [سيتمكّن...]، أما الجملة الاسمة[له عملٌ أكاديميٌّ جادٌّ وذو قيمة] فهي في محل نصب نعت لاسم أنّ و هو مَنْ. هذا ما أراه لأن اعتبار [عمل أكاديمي وذو قيمة] اسما للحرف الناسخ أنّ، يفقد الجملة معناها والله أعلم.

  • أستاذ

    المجلات التابعة للجامعة ماهي إلا مجلة أنشطة داخلية Revues des activités internes بعيدة عن كونها متخصصة
    أبهذه المجلات نتطلع إلى تصنيف عالمي لجامعاتنا ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

  • أستاذ

    للأسف من الحيل التي اهتدت إليها جامعاتنا هو إنشاء مجلات تظمن النشر لأساتذتها قصد الترقية فقط دون مراعاة القيمة العلمية والمستوى وكونها :
    1ـ غير متخصصة لأنها تشمل جميع علوم وتخصصات الجامعة !!
    2ـ ليس لها نظام فراءة و نشر إلكتروني متطور تنتمي إلى Open Axcess مثلا
    3ـ تنشر وفق المحاباة و الوصية دون البحث في أصلية الموضوع و أهميته
    حاليا يعاني طلبتنا وأساتذتنا من النشر و المجلات العريقة تشك في مقالاتنا فلا تقبلها إلا بشق الأنفس
    الحل إذن في رأيي إنشاء مجلات متخصصة وتؤسس من طرف جمعية
    مثلا مجلة لعلم النفس الوطنية لا تنشر فيها إلا مواضيع علم النفس وهكذا
    ومع الوقت ستصبح مجلاتنا عريقة

  • mohamed

    السلام عليكم استاذنا الفاضل
    اين هو التشجيع على البحث هته نقطة مهمة جدا ينبغي التاكيد عليها في بعض الدول من ينشر مقال له مقابل من المال ايعقل ان تتم مناقشة الدكتوراة بمقال واحد والتاهيل بمقال عبارة عن تمرين.
    اما فيما يخص انشاء مجلات علمية اعتقد ان النخبة لم تقم باي مبادرة من هذا النوع
    في الاخير نتمنى اعادة احياء المجلة المغاربية في الرياضيات لاني اعتقد ان لها مكانة حتى عالميا

  • أبو يونس

    السلام عليكم
    • المتصفح للمنصة الجزائرية للمجلات يلاحظ أن أكثر من 90% من المجلات تخض العلوم الاقتصادية بفروعها والآداب واللغات والقانون ...
    • من البديهي أن معظم الدكاترة والأساتذة في الجامعة الجزائرية هم من الشعب المذكورة سابقا...وجلهم ينشرون أبحاثهم –مجرد حبر على ورق في معظمها- في مجلات المنصة الجزائرية...
    • الملاحظ أن معظم المجلات تنشر أكثر من 80% من البحوث !!! محلية الكتابة وعن طريق العلاقات والتوصيات في غياب الجودة ووو...
    تحياتي