-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

محطات للعلماء في شهر أفريل

التهامي مجوري
  • 2952
  • 3
محطات للعلماء في شهر أفريل

من غرائب ما سمعنا في هذه السنوات القليلة الماضية، أن جهات معينة تسعى من لإلغاء يوم العلم، لارتباطه باسم رائد النهضة في الجزائر الشيخ عبد الحميد بن باديس وبجمعية علماء، بحجة ان العلم لجميع الجزائريين وليس حكرا على ابن باديس وجمعية العلماء…، وكأني بهذه الجهات تريد استدعاء أيام من الماضي قد ولت غير مأسوف عليها، تعدها جمعية العلماء من التاريخ ومن الماضي الذي لا يحسن استداؤه.

وإلى جانب هذه المساعي، بدأنا نسمع أيضا بين الحين والآخر، مقترحات تطالب بتغيير الذكرى من 16 أفريل الذي هو تاريخ وفاة الشيخ ابن باديس، إلى 5 ماي وهو يوم تأسيس جمعية العلماء، او اليوم الذي أتم فيه الشيخ باديس تفسيره للقرآن، وحسب رأي أصحاب هذه المقترحات، أن إحياء الذكريات يكون بالميلاد وتحقيق المكاسب وليس بالوفاة.

إن الأيام هي أيام الله كلها فلا فضل لواحد منها إلا بما خصه الله بالذكر والعبادة والصفة، وإنما هناك أيام قد تأخذ من علامات التدبر والتذكير ما لا يكون لغيرها من الأيام، ولذلك تحرص تلك الجهات المطالبة بالإلغاء، وهي أغلب الظن معادية لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، ولا تريد لها أن تخلد بشيء ولو كان مجرد ذكرى، اما الذين يطالبون بتغيير تاريخ الذكرى فهم من أبناء الجمعية، ولكنهم بحسن ظن منهم، سقطوا في فيما يريد خصوم الجمعية.

ورغم أنهم يريدون استبدال تاريخ بتاريخ عملا بالأولى، إلا أنهم غفلوا عن أن لهذا التاريخ تاريخ.

عندما اقترح الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي، يوم 16 أفريل ليكون يوما للعلم، وقد كان وزيرا للتربية يومها، لم يخطر بباله أن هذا الاختيار سوف تترتب عنه موافق معينة من بعض الجزائريين –مع أوضد-، وسواء كان اختيار الدكتور طالب لهذا اليوم يوما للعلم، عن قصد منه لربطه بالشيخ ابن باديس وهو رائد النهضة العلمية بلا منازع، أو كان اختيارا عفويا عن غير قصد، فإن الأمر ليس بهذا المستوى من الخطورة بحيث يكون للناس موقف منه، لا سيما وان الموضوع متعلق بالعلم.. ومن ثم فهو مرتبط بكل من له علاقة بالعلم، سواء كان من المعجبين بابن باديس وجمعية العلماء أو كان من خصومهما؛ لأن العلم وحبه من القيم المشتركة، اللهم إلا إذا كان حسد القوم قد أعماهم وأعمى بصائرهم.

عندما كنت أفكر في هذا الموضوع، وأتساءل فيما يمكن ان يقال في إنسان يريد تغيير مناسبة لمجرد أنها ارتبطت باسم شخص لا يحبه؟ ثم ما يمكن أن يقال عن هذا التاريخ؟ وما خلفيته الحقيقية التي يمكن ان تبنى عليها مواقف كالتي تطالب بإلغائه أو استبداله؟

وبينما انا كذلك حتى عرجت بي الخيال إلى محطات تاريخية هامة، تعبر عن مواقف لجمعية العلماء ورجالها، لم تخطر لي على بال من قبل، ولعل الذين يريدون إلغاء الاحتفال بيوم العلم، يريدون للجزائريين أن ينسوا هذا التاريخ ومن ورائه تلك المحطات، التي تزعج الذهنيات الراكدة الراقدة.

المحطة الأولى: وهي وفاة اين باديس رحمه الله.. وقد اتخذت الجمعية هذه الذكرى كمناسبة للملمة الشتات الجزائري، سواء للتذكير به كشخصية جامعة، او كفعل إصلاحي شُقَّ طريقُهُ على يديه في الجزائر، لم يوفق غيره فيه كما وفق هو عليه رحمة الله، أو كمناسبة لإحياء مبادئه في نفوس الناس والدعاء له بالرحمة. لا سيما وقد توفي أثناء الحرب العالمية الثانية، التي طلب منه ان يبعث ببرقية لتأييد فرنسا في حربها ضد الألمان، فرفض وقال “لو قالت لي فرنسا قل لا إله إلا الله ما قلتها”، مسجلا بذلك موقفا سياسيا خالدا، لا يمحى بموته. لقد استغلت الجمعية ورجالُها هذه الذكرى، كغيرها من الذكريات الدينية والمناسبات العرفية، لتقوية الصف الإصلاحي، وجمع الشمل الجزائري على المبادئ التي أقامها ابن باديس  منذ انطلاق نشاطه الدعوي سنة 1913م.

المحطة الثانية: صدور بيان 16 أفريل 1964، وهي امتداد للأولى، وقد كانت في بداية الاستقلال. فعندما اختلف الفرقاء وتقاتلوا وتنازعوا، وكانت الصائفة المحرقة، التي صُفيِّت فيها وبها الكثير من الحسابات، كان الشيخ محمد البشير الإبراهيمي، الذي ضُيِّق عليه وعلى إخوانه من رجال الجمعية، فلم يسمح لجمعيته باستئناف نشاطها التعليمي التربوي، ووضع فيما يشبه الاعتقال، ربما كان ذلك عقابا له لعدم المساندة، إذ بقي طيلة النزاعات ساكتا لم يقل شيئا، ولما اقتضت الحاجة إلى الكلام، أصدر الشيخ بيانه المذكور، كاحتجاج على الواقع السياسي المتردي التي ما آلت إليه الأوضاع في البلاد، وقد جاء فيه: “إني أشعر أمام خطورة الساعة، وفي هذا اليوم الذي يصادف الذكرى الرابعة والعشرين لوفاة الشيخ عبد الحميد ابن باديس رحمه الله، انه يجب علي أن أقطع ذلك الصمت (الصمت التزمه بعد عودته إلى الجزائر)، إن وطننا يتدحرج نحو حرب أهلية طاحنة ويتخبط في أزمة روحية لا نظير لها،  ويواجه مشاكل اقتصادية عسيرة الحل.

ولكن المسؤولين فيما يبدو لا يدركون أن شعبنا يطمح قبل كل شيء إلى الوحدة والسلام والرفاهية، وأن الأسس النظرية التي يقيمون عليها أعمالهم، يجب أن تنبعث من صميم جذورنا العربية الإسلامية، لا من مذاهب أجنبية.

لقد آن الأوان للمسؤولين أن يضربوا المثل في النزاهة وألا يقيموا وزنا إلا للتضحية والكفاءة، وأن تكون المصلحة العامة هي أساس الاعتبار عندهم، وقد آن أن يرجع لكلمة الأخوة -التي ابتذلت- معناها الحق، وأن نعود إلى الشورى التي حرص عليها النبي صلى الله عليه وسلم”.

أما المحطة الثالثة، فقد كانت بعد 20 سنة، وهي وفاة الشيخ عبد اللطيف سلطاني رحمه الله الذي توفي في 9 أفريل 1984، في الإقامة الجبرية ببيته بالقبة، إذ ألقي عليه القبض في نوفمبر 1982، مع الشيخ أحمد سحنون والدكتور عباسي مدني، وغيرهم من الدعاة، حيث أصدروا بيان النصيحة الذي وقعه الشيوخ الثلاثة مع بعضهم، احتجاجا على حملة الاعتقالات التي أعقبت أحداث الحي الجامعي ببن عكنون، وتُلِيَ في تجمع الجامعة المركزية بالجزائر العاصمة، وقد كان ذلك التجمع أول لظهور للتيار الإسلامي في الجزائر بذلك الحجم، وقد تضمن هذا البيان مطالب سياسية واجتماعية وثقافية، من 14 نقطة، مفتتح بحديث  النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: الدين النصيحة، قلنا لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم“، وكان مما جاء في ذلك البيان: “نظرا لخطورة الموقف، فإن التعاون المشترك بين العناصر الطيبة في الأمة، أصبح أمرا لابد منه، وأي تهرب من المسؤولية من أي طرف كان، يعد خيانة كبرى للإسلام والوطن“ّ. يقول الشيخ عبد اللطيف سلطانيرحمه الله تعقيبا على هذه العبارة من البيان، و”جو هذا التعاون لا يتوفر في اعتقادي إلا في ظل العودة الصادقة إلى الإسلام”.

لم تكن وفاة الشيخ عبد اللطيف سلطاني في بيته وفاة طبيعية، لأنما كانت نتيجة تأثره بسبب حرمانه من حضور جنازة لأحد أقاربه، فحز في نفسه عدم حضور الجنازة، كعالم مجاهد وداعية وشيخ كبير قد جاوز الثمانين سنة، يقال أنه دعا على من منعه بكل ما أوتي قوة التضرع إلى الله، والمبالغة في الدعاء.. ولذلك لما توفي كانت جنازته ضخمة جدا، بحيث كانت بمثابة الاستفتاء على وضعه في الإقامة الجبرية، وقد حضر الجنازته رفيق دربه الشيخ أحمد سحنون الذي كان هو الآخر في الإقامة الجبرية في بيته، وقد صلي عليه الشيخ حمزة بوكوشة في مسجد ابن باديس بالقبة ودفن في قاريدي. 

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • karim

    المشكلة أن نظرتنا للعلم ضيقة ومحدودة ،فالشيخ عبد الحميد بن باديس رجل دين يدعوا إلى العلم في إطار العقيدة الإسلامية، والإسلام له علاقة بالقيم و الأخلاق و المبادئ و الروحانيات و لكن ليس له أدنى علاقة بالعلم و الحقائق العلمية الحديثة، والمشكلة الجوهرية أننا سنرفض هذا العلم عندما يتعارض أو يتصادم مع معتقداتنا ،من هنا يحق لغيرنا أن يقول بان العلم أوسع من الدين ، وبالتالي فاختيار شخصية دينية لتمثيل يوم العلم لا يعطي لكلمة "العلم" حقها.

  • بدون اسم

    السلام عليكم
    شكرا أستاذ
    " كُـــــــــــل طَير أَيغَنِـــــي بَغنـــــــــــــاه"
    ... نعود الى الشورى التي حرص عليها النبي صلى الله عليه وسلم"
    - أيطول في عمرك ويحفظك"
    شكرا

  • أينشتاين

    اطلاق كلمة "عالم" على الشيخ عبد الحميد بن باديس" ليس في محله ، فالوصف الأقرب له هو "الفقيه" أو "المصلح" أو "رجل دين " لكن "علامة" هذا لا يستقيم ، العلماء هم المتواجدين في المختبرات و ف مراكز البحث العلمي ، و هم الذين قدموا أبحاثا علمية نشرت في الدوريات العلمية الموثوقة .