-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مداواة الورم.. بالفيروس

مداواة الورم.. بالفيروس

جميل أن يتحدّ الجزائريون على قلب واحد، ولسان واحد، حزنا على مقتل شاب إفريقي على أرضهم، وتنديدا بالعمل الإجرامي الذي هز العالم، حتى وإن كان ضمن خانة القتل غير العمدي قانونا، وجميل أن يقرّوا جميعا بأن مسؤولياتهم في الحادث ثابتة، من إعلام شجع على الانحراف أو سكت عنه، إلى مدرسة صارت تنتج مثل هؤلاء الشباب الذين لا يتنفسون إلا عنفا، إلى مساجد عجزت عن جعل المؤمنين مثل البنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضا، إلى شعب ودولة اتفقا على أن يحلا ما يصادفهما من مشاكل، بالعنف.

لكن القبيح في الحكاية أن الكثير من الذين يُنظّرون هذه الأيام عبر وسائل الإعلام، ويقدّمون أنفسهم كملائكة الرياضة، وينتقدون بكثير من العنف اللفظي الذي لا يختلف عن عنف المراهقين الذين قذفوا اللاعب الكامروني بالحجر، هم من المتورطين في هاته المهازل التي بدأت من الملاعب وانتقلت إلى الشارع وصارت أسلوب حياة بالنسبة إلى الكثير من الجزائريين.

رؤساء أندية اعترفوا في حوارات مسجلة، بأنهم تاجروا في نتائج المباريات وخانوا أمانة اللعبة المبنية على الثقة، ومدربون باعوا أنديتهم من أجل دينارات إضافية، ولاعبون اعتدوا على حكام وخيّبوا الجماهير، وحتى مشجعون شوفينيون، تحوّلوا بين رمية طوب، ورُوح مٌسلّمة لبارئها إلى مفكّرين، يتحدثون عن ماضيهم الأبيض في زمن إيفوسا الأحمر، وعن إنجازاتهم الأخلاقية والرياضية المرسومة في خيالهم، ونصّبوا أنفسهم في ظلام الأزمة، كحلول جاهزة ليس لإنقاذ الكرة والرياضة في الجزائر وإنما لإنقاذ الأخلاق التي بلغت درجة من الحضيض منذ أن زرع هؤلاء نبتتها السامة في ميدان الكرة والسياسة ذات سنوات من الغفلة.

وعندما لا يجد الورم الأخلاقي، من علاج سوى فيروسات تنتحل صفة المضادات الحيوية، فإن الحالة ستزداد تعقدا وتصبح هاته الهبّة الشعبية والرسمية التي جاءت بعد مقتل مواطن كامروني على أرض الجزائر مجرّد زوبعة في فنجان، تقرؤه عجوز أمّية شمطاء، فلا تزيد الضباب سوى خزعبلات، وستنقل بالتأكيد هذا الورم الخطير مباشرة إلى المرحلة الأخيرة من المرض أو ما يسمى بالموت الكلينيكي.

ما حدث في عالم السياسة والاقتصاد عندنا، انتقل بسلاسة إلى عالم الكرة، وكما حدث في الانتخابات الرئاسية السابقة، عندما قدّم بعض المتسببين في الأزمة أنفسهم كحل للوضع الخطير، وكلنا نعلم أنهم قادوا البلاد ورأسوا الحكومات من دون أن يتمكنوا من حل أي مشكلة، وكما حدث في عالم الاقتصاد عندما حمل مشعل الاستيراد والتصدير، من فلّسوا الجزائر وباعوها ذات سنوات لصندوق النقد الدولي، يبدو أن الكرة التي تعلق بها الجزائريون واتحدوا بها حاملين العلم الجزائري مردّدين نشيد قسما، قد تُجرّ إلى الهاوية، حيث كان مصير بقية القطاعات التي عولج داؤها بالداء نفسه، وبلغت غالبيتها مرحلة الميؤوس منه، وإذا كانت الكرة هي المتنفس الوحيد باعتراف الشعب والنظام، فإن ضياع هذا “النفس” سيكون رمية حجر على رأس.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • جزااااااااااائررررية

    يمكننا مداواة الورم بالفيروس في حالة واحدة هي افقاد نجاعة مفعوله-أي الفيروس-

  • بدون اسم

    منذ مدة و العقلاء في هذا البلد دقوا ناقوس الخطر المحدق بالمجتمع بعد الانهيار الأخلاقي الفظيع؟ لكن لا حياة لمن تنادي و اعتقد هؤلاء القائمين على الأمور أن أفضل طريقة لإلهاء المجتمع هي ترك الحبل على الغارب، فانتشرت الجريمة بشكل واسع و مخيف؟ و هؤلاء القائمين يتلذذون بمعاناة الناس الغلابى؟ فلم يتخذوا الإجراءات اللازمة لمحاربة الجريمة بصرامة و فعالية؟ و استمر الوضع هكذا حتى يوم الناس هذا بجريمة فظيعة اقترفت ضد لاعب كرة أجنبي؟ جريمة عنصرية بكل ما تحمله الكلمة؟