-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مستقبلُنا مع الغش!

مستقبلُنا مع الغش!

أسدِل السِّتار على طبعة جديدة من امتحانات البكالوريا، وهي مسابقة تحوّلت خلال السنوات الأخيرة من مجرد اختبارات إلى محطة تعليمية تُحدث ضجة يمتد صداها إلى خارج الحدود، بسبب آفة الغش التي كاد استشراؤها يضرب مصداقية هذه الشهادة.

مع انتشار الانترنيت والتكنولوجيات الحديثة، شهدت نسخٌ سابقة من امتحانات البكالوريا، موجة غش تعدّت جدران حجرات مراكز الاختبارات إلى تسريب مواضيعها عبر الفضاء الالكتروني، بشكل أثار مخاوفَ كبيرة على مستقبل هذه المسابقات وصورة المنظومة التربوية بصفة عامة.

ويبدو أن تشديد عقوبة الغش في الامتحانات الرسمية قبل 3 سنوات بدأ يؤتي ثماره، بحكم أن نسخة 2023 شهدت تراجعا محسوسا لحالات التسريب وحتى الغش داخل المراكز، لكن هذه الآفة مازالت حاضرة، والدليل هو حبس عدة أشخاص بأحكام قضائية هذه المرة أيضا.

قد يكون الردعُ أحد أهمِّ أسباب تراجع الغش وتسريب أوراق الاختبارات، وأيضا تعطيل الانترنيت وحجب منصات التواصل على الهواتف المحمولة، لكننا جميعا نطرح السؤال ذاته مع انطلاق امتحانات البكالوريا ومفاده: إلى متى يستمرّ هذا الوضع، الذي تتحول فيه اختبارات تعليمية إلى ما يشبه “معركة” تُجنَّد لها هذه الترسانة من القوانين والإمكانات وتعطيل مصالح أشخاص آخرين؟

والأمر الذي يثير التوجُّس أكثر هو أن العالم مقبل على ثورة في الذكاء الاصطناعي، عبر روبوتات المحادثة التي أُطلقت قبل أشهر، ويزداد انتشارها يوما بعد يوم عبر كافة المجالات، إلى درجة أن هناك من يصفها بأهمِّ إنجاز علمي بعد اكتشاف النار، وقال أمين عامّ الأمم المتحدة إن تهديدها الوجودي يضاهي خطر الحرب النووية.

وإلى جانب الأسباب المعروفة لهذه التخوفات من الذكاء الاصطناعي الذي قد يعوِّض البشر في عدة مهام مستقبلا، فإن خطره على التعليم بدأت بوادره من خلال استعماله في الغش عبر الجامعات والمؤسسات التعليمية، بعد تسجيل حالات استعانة بهذه الروبوتات في كتابة بحوث ومذكرات وحل امتحانات معقدة من قبل الطلاب.

وبالرجوع إلى قضية آفة الغش عندنا، فإنه في ظل غياب الوازع الديني بحكم وجود نص واضح يحرمها، وهو الحديث النبوي الشريف “من غشنا فليس منا”، يبقى دور الأسرة أيضا غائبا، بل إننا وقفنا على حالات غش بطلها أولياء تواطؤوا مع أبنائهم وخاطروا حتى بسمعتهم ومستقبلهم في سبيل ذلك، بحكم أنهم أودِعوا السجن وعوقب أولادهم سواء بالإقصاء أو بعقوبة سالبة للحرية.

كما يُرجع مختصون في علم الاجتماع جنوح عدة تلاميذ للغش إلى ضغوط الأولياء من أجل تحصيل الشهادات بغضِّ النظر عن مستواهم التعليمي.
وأمام هذا الوضع يبقى التفكير في حلول دائمة لمواجهة هذه الآفة أمرا حتميا، وهناك من أعضاء الجماعة التربوية والخبراء من يقترح التفكير جديا في إعادة النظر في طريقة تصميم وإعداد مواضيع الامتحانات، بشكل يجعلها مبنية على الذكاء والتحليل والتوظيف المعلوماتي للمعارف والمكتسبات بالدرجة الأولى بالنسبة للتلميذ وبالتالي إسقاط السرد والاسترجاع الذي يعدُّ من أهم أسباب الغش.

ويبدو أن الوزارة الوصية بدأت تجسِّد هذا التوجه من خلال إعادة النظر في منهجية إعداد أسئلة بعض المواد على غرار ما سجِّل بالنسبة لامتحان الرياضيات في شهادة التعليم المتوسط، ومادة العلوم الطبيعية بالنسبة للبكالوريا.

وخلال النسخة الحالية للبكالوريا، أظهرت انطباعاتٌ نُقلت عن تلاميذ فوجئوا بمواضيع اختبارات لم تكن ضمن توقعاتهم، بحكم أن تحضيرهم للامتحان مبنيٌّ على “التكهن” بالتركيز على دروس محددة من خلال الحفظ الانتقائي بدل المراجعة الشاملة، وهو باب آخر يقول مختصون أن آفة الغش تتسلل منه.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!