-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مسعى خارج مجال التغطية

التهامي مجوري
  • 1295
  • 0
مسعى خارج مجال التغطية

قد أكون متأخرا عن الزملاء الإعلاميين، وغيرهم من السياسيين الرسميين والحزبيين والمستقلين، في التعليق على مبادرة أو مسعى مجموعة الـ19، ورسالتهم الموجهة إلى رئيس الجمهورية، بمناسبة ذكرى أول نوفمبر الـ61، وَبُدُوِّ ندم بعضهم وانسحاب بعضهم، وربما تحول هذا المسعى فيما بعد، إلى تبادل تهم وتراجعات وصيغ للتكيف مع التحولات، التي قد تشهدها الساحة السياسية في قليل أو كثير.

ومع ذلك لا أعتقد أني متأخرا، عن محاولة فهم هذه المبادرة أو المسعى في إطار سياقه، في الحراك السياسي والإجتماعي، بعيدا عن التهوين والتهويل، والتضخيم والتقليل، والتخوين والتخويل.

ذلك أن مثل هذه المبادرات والمساعي عادة ما تكون، نتيجة لحدث أو أحداث معينة يقصد بها ما يلي:

تسجيل موقف

كسر جدار الصمت بسبب الركود

وساطة محايدة بين طرفين متنازعين

البحث عن موقع في المعادلة

إفشال مبادرات قائمة وتسجيل الحضور

وكل المبررات لهذه الأمور قائمة، وموزعة على الفئات المتصدرة للمشهد السياسي والثقافي؛ بل إن المبادرات التي كانت وستبقى، ولا تنتهي إلا بالاستقرار السياسي والاجتماعي؛ بل ستستمر مبادرات التحسين أيضا حتى بعد الاستقرار، وآخرها ربما مبادراتي الأفلان والأفافاس.

والناظر في قائمة الموقعين على هذه الرسالة، لا يرى تجانسا بينهم يوحي بأن لهذه الرسالة غاية محددة أو مقصدا يمكن اعتباره إضافة في الحياة السياسية، وإنما العكس، ربما يجد من التنافر والتباعد بين هؤلاء الأفراد أكثر مما يجد من التلاؤم والتوافق؛ لأن من بين مظاهر التجانس أن تكون الرسالة وفق نقطة محددة من النقاط المذكورة. ومع ذلك لا يحق لنا أن نجزم برأي إلا بعدما نعرض هذا المسعى، على مسلمات الحراك السياسي المشار إليها آنفا.

فإذا اعتبرنا أن هذا المسعى مجرد تسجيل لموقف، وهذا عادي ومشروع؛ بل من الضرورات التي تمليها التحولات على المهتم بالشأن العام، ولكن لتسجيل موقف شروط، وهي لا بد من أن يقدم هذا الموقف شيئا ملموسا في المشهد السياسي، موقفا نقديا جديدا معارضا أو منبها لشيء قديم، مثلما توجهت مجموعة مماثلة إثر أحداث أكتوبر 1988، وكان من بينهم السيدين عبد العزيز بوتفليقة وعبد السلام بلعيد، باعتبارهما مجاهدين، تقدموا بها إلى رئيس الجمهورية الشاذلي بن جديد رحمه الله..، مساهمة منهم في استقبال التحولات السياسية التي ستشهدها البلاد، ولم يطلبوا مقابلة للرئيس ليبلغوه شيئا لم يفصحوا عنه..، وهناك مراسلة أخرى مشابهة للرئيس زروال من قبل مجموعة الـ6 المترشحين لرئاسيات 1999، صرحوا فيها بأن موضوع المقابلة هو أخذ ضمانات من الرئيس عن نزاهة الانتخابات.

وهذه البادرة أو المسعى مفتقر لهذا المعنى رغم أن واقع الغليان السياسي يقتضي ذلك..، يقتضي التنبيه والتحذير والنصح وحتى دق ناقوس الخطر، ولكن كل ما لمسناه من رسالة المجموعة هو طلب مقابلة وكأنها “عيادة مريض”، لا شيء من بين يدي هذا الطلب ولا من خلفه، ولكن عندما نسمع تصريحات الموقعين، نلاحظ أن فكرة البحث عن موقع في المعادلة أكثر بروزا، ولكن مع ذلك يوجد من بين المجموعة من ينزه عن مثل هذا المقصد، وإنما ربما شعر أن هناك انسدادا سياسيا أو احتكارا للممارسة السياسية من قبل فئات محدودة في السلطة والمعارضة، فأراد بالمساهمة بمثل هذه الرسالة أن يشارك في كسر جدار الصمت بسبب الركود الذي لاحظه، وربما أرادت هذه المجموعة تسجيل الحضور كطرف ثالث أمام قوتي المعارضة والموالاة، لتكون بديلا لهما، ورغم أن هذه الفكرة قد صرح بها الأستاذ بوجمعة غشير، وهو أحد الموقعين على الرسالة،  إلا أن غياب التجانس بين أفراد المجموعة، لا يمكن أن تكون غايتهم هذه؛ لأن البدائل يشترط فيها أن تكون بمشروع منافس وليس بمجرد المخالفة وكفى.. فما أظن لطرف ثالث مهما كانت صدقيته الرسمية والشعبية، أن يكون بديلا للسلطة أو الأحزاب المعارضة للسلطة لمجرد طلب لمقابلة الرئيس تقوم بها مجموعة تتمتع ببعض الامتيازات تريد أن تسر للرئيس بشيء.

ولم يبق بين يدي من الاحتمالات، إلا احتمال إرباك الساحة السياسية، التي تسير وفق قانون التاريخ، في تطورها المتدرج، شيئا فشيئا، ورغم بطئها ومحاولات التأثير فيها وتوجيهها، فهي تتطور بالفرض التاريخي وليس بالإرادات الحرة، أي أن التطور والنضج السياسي الذي تشهده الساحة السياسية ليس بإرادة الممارسين للإهتمام بالشأن العام، وإنما هو تطور ونضج يفرضه التاريخ وحاجة المجتمع  وضرورات التحولات الدولية.

لا شك ان النضج السياسي لا نزال بعيدين عنه، فلا السلطة ارتقت إلى الاعتماد على المعارضة ولا المعارضة وصلت إلى القدر الكافي من الثقة في السلطة، ولا الشعب يعتبرهما قادرين على الإضافة، ولكن مع ذلك فإن قانون التاريخ لا يعبأ بالسلطة ولا بالمعارضة ولا برأي الشعب بمعزل عن المتطلبات والواقع، وإنما كل فكرة نضجت بالقدر اللازمة تتجسد رغما عن انف الجميع، أحب من أحب وكره من كره…، وذلك ملاحظ في تصريحات الكل، يعارضون شئيا….، ثم يأتي اليوم الذي يوافقون فيه على ما عارضوا بالأمس، وذلك ليس دائما بسبب النضج سياسي أو تطور للقوى المناضلة، وإنما لأن المرحلة تتطلب ممن يعترض على الموقف يجد نفسه خارج التاريخ، وعلى الهامش يسرح ويمرح مع الذين لا غاية لهم، وربما هذا هو موقف جماعة الـ19، الفاعلون منهم والمغرر بهم.

إن الحياة السياسية بعد تجربة عمرها أكثر من ربع قرن 1988/2015، في تقديري كان لا بد من أن يطرأ عليها تغيير ما، وهذا التغيير سماه الموالون للسلطة تمدينا للحياة السياسية، وهذا اعتراف بشيء لم تعترف به السلطة وا الموالين لها، طيلة حياة النظام السياسي في البلاد التي بلغت أكثر من نصف قرن؛ بل هو اعتراف كانت تنكره نفس القوى، أما المعارضة فيكفيها أنها آمنت بأن التشرذم الحزبي ليس هو النضال الجاد والفعال، الذي يطور الحياة السياسية، وإنما النضال المثمر هو التكتل والتحالف وإيجاد الأقطاب، وكأني بالقوى السياسية الموالية والمعارضة، تحولت برمتها من مدافع عن النظام ومُدِينٍ له، إلى  قوى متصارعة بين السلطة والمعارضة، بعيدا عن النظام الذي هو خلاصة الممارسة السياسية والاجتماعية للمجتمع الجزائري؛ لأن النظام في النهاية هو مجموعة نظم قانونية وقيمية تحكم الجميع، فعندما نقول إن السلطة تفتقد إلى الشرعية، فإن المعارضة تفتقد إلى الشرعية أيضا في جانب او جوانب من ممارساتها، وكذلك علاقتهما معا –السلطة والمعارضة- بالشعب، فهي مهزوزة على الدوام وبنسب متفاوتة، وثقة الكل في الكل منعدمة، وإذا قُبِل شيء ما فيما بين هذه الأطراف الثلاثة، فإنه يقبل بحذر وتوجس وخيف أو على مضض، ذلك هو المفهوم الأشمل للنظام بشكل عام، يبقى من المتسبب في هذه العلاقات المهزوزة خاضع للبحث، لكن الأظهر دائما هي السلطة، أو على الأقل هي صاحبة الحظ الأوفر في الجرم، أما من حيث المبدأ العام فإن الجرم موزع على الجميع؛ لأن السلطة المستبدة لا تستطيع ممارسة استبدادها إن لم تجد المساحات المهيأة لها.

والجديد في الحياة السياسية، هو هذا النمو الجزئي الذي ارتقى بالممارسة السياسية، إلى مستوى الشعور بالإدانة للذات والتقصير، بحيث لم يعد يخضع كثيرا لمنطق جاء زيد وذهب عمرو، وإنما بدأت تنحصر الإشكالات في جهات معينة.. فعندما تبدأ المعارضة في العمل من أجل ترشيد الحياة السياسية و على توفير أسباب النجاح والعمل على استبعاد مبررات الفشل، نقول إنها حصلت على ما كان مفقودا، كان يمكن أن يتحقق منذ بداية التحلات، مع مطلع تسعينيات القرن الماضي، ولكن أن يتحقق بعض المطلوب بعد 25 سنة خير من أن لا يتحقق، فالواقع أننا متأخرون عن التاريخ بعقود طويلة. وما تحقق في أحداث 1988 أيضا، كان يمكن ان يتحقق في صائفة 1962، والقفزة التي كانت في 1999 كان يمكن أن تحقق ما نبشر به اليوم.. ولكن القاعدين منا دائما كوابحهم أقوى من تفاعل المجتمع ونشطائه.

 

إن الحياة السياسية في اعتقادي، تسير في اتجاه التنافس الحقيقي، إذا ما صدقت النوايا، بين تكتلين رئيسيتين، وهما الموالاة والمعارضة، بحيث تلتقي الأسر السياسية على قواسم مشتركة هنا وهناك، ليفضي النقاش والصراع والتدافع إلى الالتقاء بين المعارضة والموالاة على قواسم مشتركة لترشيد السلطة أو تقويم أسس الدولة. وفي تقديري أن مجموعة الـ19 ومن وراءها، كأنما ظهرت لإرباك الحياة السياسية؛ لأنها ألفت النضال في ظل القطب الواحد الذي يملي كل شيء، هو الذي يصنع السلطة، وهو الذي يصنع المعارضة، وهو الذي يصنع الحياد، ففرض التاريخ منطقه بإيجاد الأقطاب المتعددة، فظهر المال كقوة جديدة في المجتمع لها آلياتها المختلفة عن منطق المولاة والمعارضة، وهذا لا يعني أنه غير موالي أو غير معارض، وإنما له منطقه المختلف، وظهرت قوى شبابية جديدة من مواليد الاستقلال لا تعترف بمنطق التسيير القديم، وظهرت هيمنة القوى الخارجية –سلطات واموال واقتصاد-، وظهرت الأزمات الحقيقية والمفتعلةالتي تهدد البلاد بين الحين والآخر ، كل هذه الأمور تعد أقطابا جديدة قادرة على رهن المجتمع.. وليس هناك حل في التعامل معها إلا الخضوع لمنطق الإصلاح السياسي، وفق قانون التاريخ، وإن كنت لا أراه قريبا، لما أعرف عن ذهنياتنا المتخلفة، ومع ذلك أتمناه ألا يكون أبعد مما أتصور.  

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!