-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
بعد أن أضحت الكلمات النابية في قاموس خطاب بعض الفئات

معاقبة الشاتمين والخادشين للحياء خطوة نحو استعادة آداب الحياة العامة

سمير مخربش
  • 4794
  • 2
معاقبة الشاتمين والخادشين للحياء خطوة نحو استعادة آداب الحياة العامة
أرشيف

خلّفت المادة القانونية الجديدة المتعلقة بمعاقبة المتفوهين بالكلام البذيء في الأماكن العامة ردود أفعال واسعة، خاصة بالشرق الجزائري وعلى الخصوص بولاية سطيف التي اشتهرت بالكلام الفاحش، وكذا “الكفريات” وسب الله والكلمات النابية التي تخدش الحياء، والتي استفحلت وآن الأوان للتصدي لها من الناحية القانونية بعد فشل كل الوسائل الأخرى.
هذه المادة الجديدة أدرجها نواب المجلس الشعبي الوطني تحت رقم 333 مكرر 8 وتنص على عقوبة الحبس من شهرين إلى 6 أشهر، وغرامة مالية تتراوح بين 50000 و100000 دج، وبإحدى هاتين العقوبتين كل من قام بفعل أو تلفظ بقول خادش للحياء في مكان عمومي. وتدخل هذه العقوبة الردعية في إطار أخلقة الحياة العامة، خاصة في بعض الأوساط التي نزل بها التواصل إلى الحضيض من خلال ظاهرة السب والتلفظ بالكلام الفاحش في الأماكن العمومية، وهو السلوك الذي تحول إلى ظاهرة امتدت كبقعة زيت في بعض الولايات، أبرزها ولاية سطيف، أين لطخت الكلمات النابية ألسنة الشباب والمراهقين، وهناك من يمارس هذه العادة السيئة على مدار العام، وحتى في شهر رمضان الفضيل.
وقد سبق لنا أن عشنا هذا التصرف مع صور حية سجلتها الأماكن العمومية بعاصمة الهضاب. ففي مشهد مثير بوسط مدينة سطيف، اصطدمت سيارتان، فنزل السائق المتضرر، وقصف خصمه بقذيفة من “الكفريات”، وردّ عليه السائق الثاني بصاروخ أرض – جو من نفس الفصيلة، وفي خلاصة المشهد، لم يكتف الاثنان بسب بعضهما، بل كلاهما سب الله أمام الملأ بدون أن ينهاهما أحد.
وفي مشهد آخر بسوق المدينة، تشاجر تاجران، فكان رد فعل أحدهما ثقيلا، حيث قذف زميله بـ”كفرية” من النوع الغليظ كادت الجدران تنهار من شدتها.
وفي شجار آخر بين طفلين، كانت الكلمات الخادشة للحياء هي اللغة الوحيدة المستعملة في التراشق اللفظي بين الطفلين الذين لم يبلغا الحلم، وكم من شخص ردّد عبارة أصبحنا بسببها لا نقدر حتى على الخروج مع أبنائنا وبناتنا وأمهاتنا وآبائنا بسبب الكلام الخادش المثير للسخط.

الألفاظ القبيحة أضحت فواصل الحديث العادي
وإلى جانب الشارع والسوق، فإن المكان المفضّل لدى البعض لممارسة هذه العادة السيئة هو الملعب، أين اعتاد الأنصار على إشباع اللاعبين بالسب والكلام القبيح، بل هناك عادة لازالت تنتشر في الملاعب تخص حارس المرمى عندما يقذف الكرة، فترافقه الجماهير بعبارة مشينة يسبون من خلالها والدته الكريمة التي لا علاقة لها بهذه اللعبة. وهناك حارس من البطولة الوطنية أبكته هذه العبارة لأن والدته متوفاة، فلم يتحمّل ما سمعه من أفواه لا تعرف في المدرجات إلا الكلام الفاحش.
مثل هذه المشاهد تكاد تتكرر كل يوم في الطرقات والأسواق والملاعب بل في الإدارات والحدائق والشواطئ، ومختلف الأماكن العمومية، وحتى في المنازل والعمارات والحارات، والظاهرة لم تعد مقتصرة على الشباب والمراهقين فقط، بل امتدت إلى الكهول والنساء والأطفال، والبُغض أشد للشيخ الذي يقدم على هذا الفعل المشين، وأصبح اللفظ الفاحش يتدفق من الألسن نتيجة الغضب أو بدونه، وأحيانا حتى في حالات الحديث العادي، فهم يجعلون من الفواصل كلمات نابية أدمجوها عنوة في الحديث اليومي.
والملاحظ عندنا في الجزائر أن حدة انتشار السب و”الكفريات” تختلف من منطقة إلى أخرى، فالمعروف أن أهل الشرق أكثر الناس استعمالا للكلام البذيء، وأكثرهم جرأة على سب الله بدون حياء، بينما تقل حدة الظاهرة في الوسط والغرب الجزائري، وتكاد تنعدم بالجنوب لما يتميز به أهل الصحراء من ميزات حميدة كضبط النفس والحياء.
وحسب المختصين، فإن الظاهرة مرتبطة بالوسط والبيئة التي تربى فيها الشخص، فالمعروف عن أهل الشرق الجزائري أنهم أشد غضبا وأكثر انفعالا عن غيرهم وتنتشر بينهم عقلية “الرجلة” الزائفة، ومحاولة إظهار القوة الوهمية سواء كانت لفظية أو جسدية لإفزاع الآخرين. وهذه العادة السيئة لها ارتباط أيضا بما توارثه الأبناء عن الآباء، حيث اعتاد السابقون على نشر الكلام الفاحش عند الانفعال والتشاجر.

العقوبة مهمة.. لكنها بحاجة إلى آلية
وعن هذه العقوبة التي تطارد أصحاب الألسن الخبيثة، يحدثنا المحامي نور الدين بهلولي، فيقول: “هذه المادة مهمة وبإمكانها أن تنظم الحياة العامة، وتعيد الاحترام والحرمة للأماكن العمومية، فالشارع مثلا له حرمته وهو بحاجة إلى ضوابط ينبغي أن يلتزم بها كل الناس، حتى يسود النظام في المجتمع المطالب بالتخلص من نظام الغاب. والملاحظ أن هناك إلحاح ورغبة لدى أغلب الناس لتطبيق هذه المادة القانونية، ويجب أن نفهم أن الأمر يتعلق بالتفوه بالكلام البذيء أي بدون توجيهه لشخص بعينه، لأن عقوبة سب الآخرين موجودة منذ القدم في قانون العقوبات الجزائري، ومنصوص عليها في المادة 297 التي تنص على أن السب هو كل تعبير مشين أو عبارة تتضمن تحقيرا أو قدحا لا ينطوي على إسناد أي واقعة، وبالنسبة للعقوبة المترتبة عن ذلك، فقد تطرق لها المشرع في المادة 299 التي تحدّد عقوبة السب الموجّه إلى شخص أو أكثر بالحبس من شهر إلى 3 أشهر وبغرامة مالية تتراوح بين 10000 دج و25000 دج، فالسب هنا موجّه للأشخاص بينما الجديد هو التفوه بالكلام البذيء في الأماكن العامة، حتى إن لم يكن الكلام موجّها لشخص أو أكثر، يعني يكفي أن تنطق بالكلام الخادش للحياء لتجد نفسك تحت طائلة القانون، لكن الإشكال يكمن في آلية تطبيق هذه المادة القانونية، هل يتطلب الأمر إحضار شهود ورفع شكوى بالمتهم الذي أخل بالآداب العامة، أم الأمر يستدعي تفعيل شرطة الآداب، وهل ستطبق المادة القانونية على الذين يتعمدون السب والشتم في مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك الذين يستعملون العبارات الخادشة في الأغاني الهابطة؟

الإنسان ابن بيئته والكل مطالب بالتحرك
لمعرفة الظاهرة من الناحية الاجتماعية، تحدثنا مع بروفيسور علم الاجتماع، بلقاسم نويصر، أستاذ بجامعة “لمين دباغين” بسطيف، الذي يقول في تصريح لـ”الشروق”:”السب والتلفظ بالكلام البذيء ظاهرة مشينة تنتشر في المجتمع الذي لا يملك آليات التوجيه والرقابة على الأفراد، والمجتمعات التي فقدت صفة ضبط السلوك ودخلت في خانة لا حسيب ولا رقيب، والظاهرة تزداد حدتها عندما تفقد المؤسسات التي أخذت على عاتقها تنشئة المجتمع دورها المنوط بها، ويتعلق الأمر بالأسرة والمنظومة التربوية والمسجد.”
وعن انتشار الظاهرة في مكان من دون آخر، يقول الأستاذ نويصر: “الإنسان ابن بيئته، كما يقول ابن خلدون، والبيئة هنا لا يقصد بها المناخ فقط، بل بيئته الاجتماعية، فهو يستلهم من الأفراد المحيطين به، والذين يتداولون سلوكيات فيما بينهم، كما أن الطبيعة لها تأثير على الفرد وسلوكه، فمثلا في مصر والسودان، الفرد بحكم المجتمع يميل إلى اللهو، وفي أماكن أخرى يميل إلى الغلظة، فالبيئة لها تأثير على السلوك والأفعال والثقافة الاجتماعية”.
وعن سؤالنا حول المادة القانونية الجديدة التي تعاقب المتفوهين بالكلام البذيء في الأماكن العامة، يقول محدثنا: “إن العقوبة لا تكفي وحدها لأن الردع نتيجة وليس سببا، بل ينبغي أن يحصن المجتمع بإشراك مختلف المؤسسات كالأسرة والمدرسة، بالإضافة إلى الجمعيات التي ينبغي أن تلعب دورها في تهذيب المجتمع، وكل هذه المؤسسات مطالبة بتنشئة المجتمع في الاتجاه الصحيح، والاهتمام بمصدر الظاهرة ومعالجتها وتجفيف منبعها، ويكون ذلك بإعادة الاعتبار لهذه المؤسسات التي ينبغي أن تعمل على ثلاثة محاور وهي الرعاية والتوجيه والضبط الاجتماعي، فالمسألة إذن ليست ردعية فقط، بل لها أبعادها الاجتماعية.”

الشاتمون بلغوا درجة الكفر
مسألة الكلام البذيء التي وصلت إلى حد سب الله، تعد من القضايا الخطيرة التي قد تؤدي بصاحبها إلى الهلاك، ولذلك، طرحناها على الشيخ الداعية الدكتور علي حليتيم، وهو في نفس الوقت طبيب مختص في مرض الأعصاب وإمام متطوع ورئيس مركز “الشهاب” للدراسات والبحوث الإسلامية الكائن مقره بمدينة سطيف، فأكد لنا بأن “من يسب الله كافر بإجماع العلماء، ولا شك في كفره المخرج من الملة والمخلد في النار، حيث يقول الإمام مالك: من يسب الله قتل لردة ولم يستتب”.
ويقول الإمام أحمد بن حنبل: “من يسب الله مرتد عن الإسلام”، ويؤكدها الإمام الشافعي إذ يقول: “من يسب الله، فهو كافر”، ويقول محدثنا أن الظاهرة لها جذورها في التاريخ، وكل الأئمة والعلماء السابقين أعدوها كفرا، وأقاموا الحد على مرتكبي هذا الذنب العظيم، كما حدث في عهد ابن زيد القيرواني لما كان قاضيا بالقيروان، فامتثل أمامه رجلا سب الله، ولما سئل، قال أردت أن أسب الشيطان، فسببت الله، ورغم ذلك أمر ابن زيد بقتله.
وعن أسباب تفشي هذه الظاهرة في وقتنا الحالي، يقول الدكتور أنها مرتبطة بالجهل بالدرجة الأولى، وضعف الصلة بالله، عز وجل. كما أن التفكّك الذي حلّ بالمجتمع له دور في التردي الذي شمل مختلف نواحي الحياة، “وقد أصبحنا مجتمعا نستهلك الخير والشر على حد سواء، وطغت فيه معان أخرى لا علاقة لها بالمبادئ والأخلاق الحسنة، فأصبحنا ننظر إلى الشخص الذي يثور ويغضب ويتلفظ بكلمات نابية ويسب الله على أنه شجاع ولا يخاف، وهي الصورة التي حملها الصغار عن الكبار، ولذلك، تجد حتى الأطفال يسبون الله ويتفوهون بالكلام البذيء لجلب الانتباه وإظهار بأنهم يستحقون الاهتمام وهذا أمر خطير جدا، وحتى المؤهلات تغيرت، فالطفل أصبح يرى بأن الظلم والخصومات والجدال والاعتداء من المؤهلات بدلا عن المؤهل العلمي والأخلاقي”.
ومن جهة أخرى، يقول الدكتور حليتيم: “غياب التوعية خاصة في المساجد ساهم في انتشار الظاهرة، فعلى الأئمة أن يولوا اهتماما كبيرا لهذه المسألة الخطيرة.”
والمؤكد أن العامة تنكر الكلام البذيء وتنفر منه، وقد عمدت بعض الجمعيات إلى تنظيم حملات لمحاربة ظاهرة السب والكلام الفاحش، الذي لازال يسجل حضوره في الأماكن العامة، ومهما تعدّدت الآراء، تبقى نتائج تفعيل القانون لمعاقبة المتفوهين بالكلام البذيء خطوة إيجابية، وأداة تنبيه للحد من الظاهرة واستعادة الحياة الآمنة المطمئنة في الطرقات والأماكن المشتركة بين الناس، فالخير يكون في كلمة والشر كذلك.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • فريد

    يجب الضرب بقوة وبدون رحمة ضذ هؤلاء الحثالة أصحاب الرجلة الزائفة هؤلاء عديمي الاخلاق حتى إن اقتدى الأمر تطبق عليهم أقصى العقوبات مثل النفي إلى أقصى الصحراء لفترة لا تقل عن 6اشهر

  • خليفة

    التلفظ بالكلام الفاحش في الساحات العامة ،لا يدل على شجاع اصحابه ، انما يدل على جبنهم نتيجة لاتباعهم لشهواتهم ،و سوء تربيهم ،و انعدام حياءهم ، و القانون المعاقب على هذا التصرف ،مهم و ضروري ،و لكن الأشكال يكمن في كيفية تطبيقه؟ و يبدو لي ان الوسيلة الفعالة في اثبات هذا التصرف المشين،هو إستعمال الهاتف المحمول لتسجيل صورة و صوت الجاني.