-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

من المهد إلى اللحد

عمار يزلي
  • 845
  • 5
من المهد إلى اللحد

اليوم، يصادف ذكرى مرور 81 سنة على المجازر التي وقعت في حق الفلسطينيين ما بين ديسمبر 1937 وأفريل 1938، إثر الاحتجاجات الكبرى على احتلال فلسطين. آلاف القتلى ومثلهم من الجرحى في انتفاضات وثورة دامية احتجاجا على نهب الأرض وتقسيم العرض، بالطول والعرض.
واليوم، شتان ما بين خريطة الأمس المرفوضة عربيا وفلسطينيا، وما تبقى من جيوب عربية في جبة مرقعة من أرض فلسطين، التي يراها اليوم بعض المنهزمين، قسمة عادلة، كانت قبل 80 سنة قسمة ظيزى.
أي شيء تغير فينا؟ قوّتنا؟ صرنا أكثر قوة؟ عددنا؟ صرنا أكثر عددا وعدة؟ ثروتنا؟ صرنا أكثر غنى وثروة. وهذا بيت القصيد: لأننا صرنا كذلك، صرنا أكثر جبنا وأكثر وَهنا وأكثر ضعفا، والحديث النبوي الشريف: “فو الله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تُبْسَط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوا فيها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم” خيرُ دليل.
الأمم تقوى بقوَّتها وثروتها، ونحن نضعف بقوتنا وثرائنا.. السبب لا يكمن في الثروة والغنى والرفاه فقط، بل يكمن في طبيعة الأنظمة الحاكمة وطبيعة الحكّام.. التناوب على السلطة يعطي القوة للشعب، والمكوث فيها رغما عن الشعب يُبقي الحاكم حاكما من المهد إلى اللحد ويُضعف سلطة القرار.
البقاء طويلا، والتعمير كثيرا، وانتقال الحكم من فرد إلى فرد ضمن السلالة القرابية الواحدة، أو ضمن العائلات الزبائينة، التحالفية، أو في يد الجيوش والقوى القهرية، كل هذا من شأنه أن يؤسس لأنظمةٍ شمولية استبدادية لا ينتظر منها تقدمٌ ولا تطور إلا تطور ونمو الثروة الخاصة للعائلة الحاكمة. هذه الأنظمة، لا يمكنها أن تتقوى، لأنها تقوى لنفسها لا لشعبها، ولا تقوى بشعبها بل بجيشها ضد شعبها وشعوبها المجاروة، فكما يقال في الأنظمة السياسية: إذا كان لكل دولة في العالم الحرّ جيش، فإنه في العالم المتخلف، لكل جيش دولة. وهذا ما يفسِّر اليوم ضعف دولنا العربية الاسـ (تس)لامية، رغم الثراء، وكيف أن ضعفها يكمن في ثرائها، ثراء الحاكم والعائلة الحاكمة. هذه العائلات، تعمل ما في وسعها لتعمِّر طول الأعمار، بأن تتخلى عن كل أساليب المقاومة ضد الاحتلال، بل إنها تتعاون معه كي يُبقي عليها قائمة قاعدة.. عسكرية.
هذا ما يحدث في أنظمة فاقدة لسياستها الخارجية والداخلية، بفقدان استقلالها الاقتصادي والسيادة المنقوصة.. تبعية مطلقة في كل شيء.. حتى الأموال التي بين أيديها لا تتصرَّف فيها هي، بل توكلها لمن يتصرَّف فيها، لأنها لا تريد أن تترك للشعب ما يتقوى به عليها، وتُبقي الثورة في أيدي محتكرين من الأمراء والمديرين والوزراء وقادة الجيش.. هذه الأنظمة لا يمكنها أن تحرِّر ولا أن تطالب بتحرير فلسطين لأنها تخشى على مصالحها الشخصية من الضياع.. ألم يقل ترمب، وهو على حق وإن كان كاذبا، بأنه لولا أمريكا لما بقيت بعض الأنظمة الخليجية أسبوعين في السلطة ولما بقيت تسافر في طائرات خاصة؟
لهذا، لا نتوقع من أهل الترف كما سماهم الله في القرآن الكريم أن يقوموا بالثورة.. لهذا، من لا يتطور ولا يتقوى بشعبه، مصيره الزوال..
لهذا، نفهم قول ابن خلدون: “من أسباب ضياع المُلك الحصول على الترف”، انطلاقا من الآية الكريمة التي ألهمته نظرية الدولة، لكي يعطينا بعد المقدمة.. الخاتمة: “إِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
5
  • شاوي

    واليوم، شتان ما بين خريطة الأمس المرفوضة عربيا و فلسطينيا، كأن فلسطين ليست عربية
    أي شيء تغير فينا؟ قوّتنا؟ صرنا أكثر قوة؟ عددنا؟ صرنا أكثر عددا وعدة...

    على الأقل أنت لا تخفي أصلك العربي
    أجيبك لا شيء تغير فيكم منذ ؟؟
    تحتلون المراتب الأولى في الخيانة الخداع التجارة الدينية التقاتل بينكم حبكم للإستعمار والذل و.العداء للأمازيغ و.ـالدليل إبن خلدون

  • الطيب

    ذكّرتَ و أوجزتَ فأوصلتَ ....بارك الله فيك أستاذ خير الكلام ما قلّ و دل . عندما ينزل الحكاّم إلى حيث تعيش شعوبهم و يقاسمونها الحلو و المر يبدأ التغيير و يبدأ عهد جديد من تلك اللحظة ، و الكثير من القضايا المستعصية ( التي يُراد لها أن تبقى مستعصية في الحقيقة ) الكثير منها يذهب هباءًا منثورًا بما في ذلك قضية فلسطين ....فمثلاً عندما تتحول الزكاة في خلد المسلم إلى مسألة إيمانية و ركن من أركان الدين الذي يؤمن به لا فرق بينها و بين الصلاة عندما نصل إلى هذه اللحظة فستحل لنا الزكاة لوحدها آلاف القضايا الاقتصادية و الاجتماعية ...

  • صالح بوقدير

    عين الصواب

  • شاوي

    نفس التغليط والتبلعيط
    حكام العرب رؤساء العرب مسؤليي العرب وكأن الشعوب العربية شعوب ترفض التطبيع وشعوب مقاومة وشعوب لا ترضى بالذل و.....
    أنا لا أضن أن عربا كحفيض دراجي لا يعلم أن ـ ـ عرب قطر ــ مطبعون مع من يغتصبهم مع ذلك سي حفيظ وجماعته باقون ويعملون بقطر
    والأمثلة عديدة
    إذا لا تستحمروا أكثر فاأكثر شعوبكم العربية
    ماذا ستفعل فيكم بريطانيا أكثر حتى يرحل الشعب العربي منها؟
    لافرق بين عربي وعربي حاكما ومحكوما سني أو وهابي علماني أو ...

  • عادل ابو العدالة

    الآية " اذا أردنا ان نهلك قرية امرنا متريفيها ففسقوا فيها ...." التفسير يقول أمرنا مترفيها (ان لا تفسقوا ) ففسقوا فيها فدمرناها تدميرا و ألا ليس من المعقول أن يامر الله المفسقين أن يفسقوا , و الله اعلم و ثانيا هذا الكلام يهيج الكراهية عند المسلمين و خاصة الفلسطينيين لكي يكرهوا اليهود لا و الذي حدث و نحن الان مع البطل محمود عباس و مشروع حل الدولتين اسرائيل و الدولة الفلسطينية و عاصمتها القدس الشرقية و سياسة الرئيس عباس المتوازنة و المسالمة قد جلبت المؤيدين للقضية الفلسطينية و ما تصويت الجمعية العامة للامم المتحدة الاخير و يكاد يكون بالاجماع الا على صحة هذه السياسة .