-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

من دروس رحلة الإسراء والمعراج

سلطان بركاني
  • 1075
  • 0
من دروس رحلة الإسراء والمعراج

في ليلة أمس الأولى، ليلة السبت، عاش العالم الإسلاميّ الذّكرى السابعة والأربعين بعد الأربعمائة والألف لمعجزة الإسراء والمعراج؛ هذه المعجزة التي كانت رحلة غُسلت بها أحزان أكرم الخلق على الله وأحبّهم إليه، حبيب الرّحمن محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم.. الذكرى ليست عيدا يحتفل ويحتفى به، وليست يوما أو ليلة تخصّص بطاعة من الطّاعات أو قربة من القربات، ولكنّها مناسبة يقف المسلمون عند دروسها وعبرها الكفيلة بالتخفيف ممّا تعانيه الأمّة في هذا الزّمان العصيب من ذلّ وهوان وغربة للدّين، وتذكير المسلمين بأسباب التّمكين في الدّنيا والفوز في الآخرة.
رحلة الإسراء والمعراج كانت في ليلة السابع والعشرين من شهر رجب من العام العاشر للبعثة، على خلاف بين أهل السير.. وفي الأشهر الأربعة التي سبقت هذه الرحلة المعجزة، مرّت بالنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وأصحابه أيام عصيبة وأوقات حرجة، كابدوا فيها من البلاء والضّيق ما لا يتحمّله إلا من أعدّهم الله لمهمّة عظيمة في هذا الوجود.. فبعد أن مات أبو طالب عمّ النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- الذي كان يحوطه ويمنعه ويذود عنه، وماتت زوجه خديجة -رضي الله عنها- التي كانت تؤنسه وتواسيه وتثبّته؛ لقي المصطفى -صلوات الله وسلامه عليه- من صنوف الأذى ما لم يلقه منذ أن بعث، فكان يقول: “ما نالت منّي قريش شيئا أكرهه حتى مات أبو طالب”.
تجرّأ المشركون على النبيّ -صلى الله عليه وسلم- وألقوا على كتفيه سلى الجزور وهو يصلّي.. خنقوه خنقا شديدا حتى حال بينهم وبينه أبو بكر -رضي الله عنه- بل تجرّأ عدوّ الله ورسوله أبو جهل فعزم أن يطأ بقدمه النجسة عنق خير خلق الله وهو يصلّي صلوات ربّي وسلامه عليه.. ولكنّ الله منعه ذلك.. ضاقت مكّة بالنبيّ -صلى الله عليه وسلم- فخرج إلى الطّائف على بعد 70 كم، علّه يجد المعين والنّصير، ولكنّ أهل الطّائف كذّبوه، وبالحجارة رموه وأدموه.. خرج من الطّائف وبه من الحزن والأسى ما الله به عليم.. طرده أهل الطّائف ومنعه أهل مكّة من دخولها حتى آجره المطعم بن عديّ.
أراد الله -جلّ وعلا- أن يعلي قدر هذا النبيّ الخاتم، فكانت رحلة الإسراء والمعراج، وفتحت لخليل الرحمن أبواب المسجد الأقصى المبارك وصلّى فيه بالنبيين، وهذا الموقف وحده كفيل بأن ينسيه هموم الدّنيا كلّها، لكنّ الله أراد أن يرفعه إليه، ففتح له أبواب السّماوات السّبع ورفعه إلى أعلى ملكوته، إلى مقام لم يبلغه أحد من خلق الله قبل ذلك.. رقى في السّماوات ولقي هناك صفوةً من أنبياء الله جلّ وعلا؛ لقي آدم وعيسى ويحيى ويوسف وإدريس وهارون وموسى وإبراهيم عليهم السّلام.. رقى المصطفى -عليه الصلاة والسلام- حتى تجاوز بروحه وجسده الشّريف السّماء السّابعة ورأى وما فيها.. ثمّ رقى حتى أتى سدرة المنتهى فرأى من عجائب خلق الله ما رأى.. وهناك رأى النبيّ -عليه الصلاة والسلام- جبريل على صورته التي خلقه الله عليها ودنا منه كأقرب ما يكون، وصار جبريل -عليه السلام- كالحصير البالي من خشية الله العليّ الأعلى، وسجد المصطفى -عليه السّلام- في موضع لم يسجد فيه أحد قبله، وكلّمه الله -جلّ وعلا- بغير واسطة ولا ترجمان، ودخل النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- الجنّة ورأى ما فيها من نعيم لا يخطر على بال ولا يحيط به خيال.. كلّ ما آمن به النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- قبل ذلك وعلمه علم اليقين، رآه في السّماوات العلا بعين اليقين، فأيّ أحزان ستبقى بعد كلّ هذا المقام وهذه الكرامة؟!
قبل أن ينزل الحبيب من ذلك المقام، قدّمت له أعظم جائزة في الوجود؛ الصّلوات الخمس التي فرضت عليه وعلى أمّته في ذلك المقام العالي العظيم، لتكون أعظم سبب لتفريج الكروب وكشف الخطوب في الدّنيا، وأعظم سبب للتمكين في الأرض وإعلاء كلمة الله.. وعاد النبي -صلّى الله عليه وسلّم- من رحلة المعراج بأعظم هدية وأعظم كنز وأعظم سبب من أسباب الثّبات على دين الله الصّلاة؛ هدية ربّ الأرض والسّماء للمؤمنين من أهل الأرض، جنّة الدّنيا والآخرة، ملاذ المهمومين والمحزونين، سلوى المستضعفين والمظلومين، حبل متين بين العبد وربّه يرقى بروحه إلى السّماوات العلا، إلى سدرة المنتهى.. النبيّ الأكرم عرج بروحه وجسده إلى سدرة المنتهى، وكلّ عبد مؤمن في وسعه أن يعرج بروحه إلى سدرة المنتهى وهو قائم بجسده يصلّي لله على الأرض. لم ينزل الأمر بالصّلاة من السّماء كما هي الحال مع باقي الفرائض ولكنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- عُرج به إلى السّماء وفرضت عليه هناك بينه وبين الله بغير واسطة.

مرّ النبيّ الخاتم -عليه الصّلاة والسّلام- في رحلة المعراج -أيضا- بمكان شمّ فيه رائحة من أطيب ما يكون، فلمّا سأل عنها جبريل، قال: “هذه رائحة ماشطة ابنة فرعون وأولادها، كانت تسرح شعر ابنة فرعون وتمشطه فسقط المشط من يدها، فقالت: باسم الله، فقالت ابنة فرعون: أبي. قالت: لا، ربي وربك ورب أبيك، فقالت: أأخبر أبي بذلك؟ قالت: أخبريه، فأخبرته، فدعاها فرعون فقال لها: ألك رب غيري؟ قالت: نعم، ربي وربك الله، فأمرها أن تحضر هي وأولادها وقال: إما أن ترجعي عن دينك وتدخلي في ديني وتؤمني بأنني أنا الله الرب وإما أن أقتلك، فقالت، اقتلني بما شئت ولكن لي طلب عندك، قال: لك ما تريدين، قالت: إذا قتلتني فاجمع بين عظامي وعظام أولادي وادفنا في قبر واحد، فقال: لك ذلك، فأتي بنقرة من نحاس، فأحماها وبدأ يضع أولادها واحداً بعد واحد فيها وهي تصبر وتحتسب حتى ألقاهم جميعاً وبقي بين يديها ولد صغير لا يزال رضيعاً في المهد فأشفقت عليه وخافت، فلما أخذوه منها ليلقى في هذه النقرة ارتاعت وتغيرت، فظن فرعون أنها سترجع عن دينها شفقة على ابنها الصغير، فقال هذا الغلام الصغير: يا أماه إنك على الحق فاصبري وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، فلما قال لها الغلام هذا طرحت الولد في النقرة ثم أخذوها وألقوها مع أولادها فاحترقوا جميعاً فجمع فرعون – عليه لعنة الله – عظامهم ودفنهم في قبر واحد”.
ثبتت الماشطة على الحقّ، وواجهت فرعون وجبروته، فكان جزاؤها أن تنبعث من قبرها وقبر أبنائها ريح طيّبة تصل إلى السماوات العلا، وتبقى كذلك إلى قيام السّاعة.. عبرة أيّ عبرة لكلّ مسلم يبتلى في دينه ويساوم فيه مقابل عرض من الدّنيا قليل. عبرة لكلّ مسلم يتخلّى عن صلاته لأجل منصب فان، لكلّ مسلمة تتخلّى عن حجابها لأجل منصب زائل وعرض من الدّنيا قليل. لكلّ مسلمة تخرج متعطّرة متبرّجة لأجل كلمات إعجاب من رفيقاتها ونظرات إعجاب من هذا وذاك.. إنّها مظاهر زائلة وما عند الله خير لكلّ امرأة تثبت على دينها أمام الفتن والمغريات ولا تغرها كثرة الهالكات والمتساقطات.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!