من وفاة عياش وانطلاق الحراك.. إلى رحيل القائد وسجن العصابة

قصص غريبة وذكريات كثيرة سترسخ في أذهان الجزائريين دخلت عليهم بحادثة الشاب عياش محجوبي وانتهت بوفاة أسد الجزائر أحمد قايد صالح، وقصص أخرى عديدة ومتنوعة بعضها فيه جانب من الإيجابية، وبعضها الآخر جاء عكس ما تشتهي السفن، أحداث كثيرة حملت جزءا من الفرح وآخر من الحزن وكلها دُوّنت حرف بحرف عبر صفحات “الفايسبوك”، الذي بصم متداولوه بالعشرة، على أن لا يفوتوا حادثة صغيرة كانت أم كبيرة، إلاّ ودونوها فيه، لتصب عليها مئات بل آلاف وملايين التعليقات التي تعبر عن واقع المجتمع..

حوادث لن ينساها التاريخ ولن يمحوها الزمن مهما حدث وفات عليها، عاشها الفايسبوكيون خلال سنة 2019 الجارية، التي لم يتبق من عمرها سوى ساعات معدودة، باعتبارها صنعت الحدث وهزّت الرأي العام والخاص..

دخول العام على حادثة البئر الملعونة

لا أحد يمكنه أن ينسى قصة الشاب عياش محجوبي الذي سقط في بئر ارتوازية في قرية أم الشمل ببلدية الحوامد ولاية المسيلة، وظل لمدة 9 أيام عالقا فيها ولم يستطع أي شخص إخراجه رغم المحاولات العديدة لأعوان الحماية، وهي الحادثة التي ألهبت شبكات التواصل الاجتماعي، خاصة وأنها الأولى من نوعها في الجزائر والعالم بأسره.
وقد افتتح الفايسبوكيون السنة الجديدة بها واستمر الحديث عنها في الفايسبوك الذي أولى للحادثة أهمية كبيرة منذ الوهلة الأولى التي انتشر فيها خبر سقوط عياش محجوبي إلى غاية انتشالها، ودفنه وما جاء بعدها، إذ أعقبتها تنحية والي ولاية المسيلة السابق حاج مقداد من منصبه وإنهاء مهامه بعد تلقيه انتقادات كبيرة على خلفية تسييره لقضية الشاب عياش محجوبي.

مظاهرات 22 فيفري.. سلمية ورُقَي

حادثة أخرى خطفت الرأي العام وجعلت العالم بأسره يتحدث عنها، هي مظاهرات 22 فيفري الجمعة الأولى من الحراك الشعبي الذي اتسم بسلمية لا مثيل لها وتحضر ورقي بلغ أعلى درجاته، وما تلتها من مظاهرات الفاتح والثامن ومنتصف شهر مارس، التي خرج فيها الجزائريون يعبّرون عن رفضهم القاطع لترشح الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة لعهدة خامسة، وهي من بين أكثر الجمعات التي ألهبت مواقع التواصل الاجتماعي، فلا أحد كان يتوقع أن يتميز أول حراك شعبي لشعب المليون ونصف المليون شهيد بتلك السلمية وذاك الرقي، حيث قدّم الجزائريون خلالها أنفسهم للعالم بأسره وأعطوه دروسا في السلمية والحضارة.

وكما خطفت تلك الجمعة وما تلتها الأنظار حولها، وجعلت الإعلام الجزائري والعربي يحكي عنها بفخر واعتزاز، فهي أيضا قلبت الموازين في الفايسبوك وعبر مختلف المواقع، فقد كانت الاجتماعات حول الحراك وكل ما يشمله من مطالب وغيرها تعقد في الفايسبوك بين الشعب الجزائري، وساهمت الفيديوهات والصور والتعليقات التي بلغت ملايين الملايين في إنجاح الحراك الذي بفضله تحقق جزء كبير من مطالب الشعب.

بوتفليقة يرضخ.. ويسحب ترشحه

يوم الاثنين الموافق لـ11 مارس، أول بذرة أمل للجزائريين منذ 20 سنة من الحكم، ظهرت لديهم بعد أن أعلن الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة سحب ترشحه لولاية رئاسية خامسة، وكذا تأجيل انتخابات الرئاسة التي كانت مقررة في 18 أفريل المنصرم وذلك بعد حراك شعبي رافض لترشحه انطلق في 22 فيفري المنصرم، تبعتها إقالة الحكومة الحالية بقيادة أحمد أويحيى إلى جانب تنظيم مؤتمر للحوار.. حيث فتحت هذه الخطوة من الرئيس السابق أبواب التعليقات القوية والبناءة للوطن عبر الفايسبوك، الذي لعب دورا فاعلا في إنجاح الحراك وبعدها نجحوا في دفع الرئيس السابق إلى سحب ترشحه لتأتي بعدها استقالته التي أبهجت الجزائريين وكانت خلال شهر أفريل الفارط.

صور احتراق القردة والأغنام قلبت الفايسبوك

حادثة أخرى هزّت مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، وأخذت هي الأخرى حيزا كبيرا في الفايسبوك، وهي حرائق الغابات التي شهدتها عديد الولايات في سنة 2019 على غير المعتاد، باعتبارها أتلفت الأخضر واليابس، ولم تتوقف عند هذا الحد بل بلغ صداها، المساس بالحيوانات الأليفة، فقد مسّت القردة في كل من بجاية وتيزي وزو، والأمر نفسه بالنسبة لأبقار وكباش احترقوا في حادثة مماثلة بمنطقة جبل الوحش بقسنطينة، وأخذت هذه الحوادث أبعادا كبيرة من التعليقات في الفايسبوك، ممن طالبوا بحماية الحيوانات وممن تأسفوا على الأمر، وممن تبادلوا الصور فيما بينهم، كما شهدت جانبا كبيرا من السخرية، حيث تم نشر صور لقردة محروقة بذيل، وهي ليست القردة التي احترقت عندنا في الجزائر، باعتبار أن قرد “الماغو” هو الوحيد الذي يعيش في الجزائر وشمال إفريقيا، ويتميز بكونه من دون ذيل.

اعتقال رؤوس العصابة

أعظم يوم للجزائريين منذ انطلاق حراكهم الشعبي في 22 فيفري الفارط، كان ذلك اليوم الذي تم خلاله اعتقال سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس السابق ومستشاره، والرئيس السابق لجهاز المخابرات الفريق محمد مدين المعروف بالجنرال توفيق، إلى جانب خليفته في المخابرات اللواء بشير طرطاق، ثم لويزة حنون الأمينة العامة السابقة لحزب العمال، ليتم بعدها إحالتهم على المحكمة العسكرية، ومحاكمتهم في شهر سبتمبر، إذ حكم على أربعتهم بـ 15 سنة سجنا نافذا. ومن ثمة بدأت بوادر الفرح تظهر لدى الجزائريين من خلال التعليقات الفايسبوكية، إذ أنهم عبروا عن سعادتهم بالإنجاز الذي حققوه وتعاهدوا بأن يواصلوا سلميتهم في الحراك وكذا في الفايسبوك حتى يسقط كامل أفراد العصابة.

“الخضر” يحرزون النجمة الثانية

دخلت التاريخ من بابها الواسع بعدما شغلت الرأي العام والخاص عبر مختلف مواقع التواصل الاجتماعي وليس الفايسبوك فقط، وهي بطولة كأس إفريقيا لسنة 2019 التي جرت ما بين 21 جوان إلى 19 جويلية، وخلقت ضجة كبيرة وسط الجزائريين الذين ألهبوا حينها مواقع التواصل الاجتماعي بالصور والفيديوهات سواء الذين تواجدوا هنا في الجزائر أو الذين ناصروا الخضر في مصر، وأكثر حادثة شغلت الفايسبوكيين كانت بكاء بونجاح وعطال أثناء تنفيذ ضربات الجزاء بين الجزائر وكوت ديفوار، ليليها تعليق حفيظ دراجي في النصف النهائي، خلال المقابلة التي جمعت الجزائر بنيجيريا وبالتحديد في الدقيقتين الأخيرتين عندما سجل الفريق الجزائري مخالفة لصالحه، نفذها رياض محرز، وفي تلك الأثناء كان حفيظ دراجي يعلق ويقول “حطها في الغول يا رياض” وفعلا رياض حطّها في الغول.

وقد اشتعلت حينها مختلف المواقع بالتعليقات عن تعليق دراجي وهدف محرز الذي أهل الجزائر إلى النهائي، دون أن ننسى هدف بونجاح بغداد الخيالي الذي كان في الدقيقة الثانية من عمر المباراة، والذي سجله ضد السنغال بطريقة في منتهى الغرابة وقاد الجزائر للتتويج بكأس أمم إفريقيا، وصنع هو الآخر حديث العام والخاص عبر الفايسبوك ولم يتوقف الفضاء الأزرق الافتراضي عن الحديث والكتابة عنه إلا بعد أشهر.

حفل “سولكينغ”.. مأساة لا تنسى

لم تنطفئ شمعة الفوز بكأس إفريقيا عبر الفايسبوك، حتى اشتعلت شمعة أخرى مع اقتراب حفل المغني العالمي “سولكينغ”، حيث كان الفايسبوكيون في بادئ الأمر يتحدثون عن الفنان وعن حفلته والتذاكر وغيرها، قبل أن يُصبح شغلهم الشاغل الكارثة التي ألمت بالحفل، إذ تحوّل إلى مأساة حقيقية بعد أن توفي 5 أشخاص وأصيب العشرات بجروح متفاوتة الخطورة بسبب التدافع، وقلبت هذه الحادثة المؤلمة الفايسبوك رأسا على عقب، بين مترحم على الوفيات ومتأسف على الكارثة وبين من انتقد التسيير وحمّل المسؤولية للمشرفين على تنظيم الحفل، وأيضا بين من طالبوا بمحاسبة ومعاقبة المتورطين الذين فشلوا فشلا ذريعا كما علق الفايسبوكيون في تنظيم وتسيير الحفل، وظل الحديث يكبر في الفايسبوك والتعليقات تزداد حجما حتى تم توقيف ثلاثة متهمين في قضية تنظيم الحفل، وإيداعهم الحبس ويتعلق الأمر بكل من المدير السابق للديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة “ONDA”، والذي تمت إقالته بسبب هذه الحادثة، بالإضافة إلى شخصين من أفراد الشركة المكلفة بالأمن وتنظيم الحفل الذي تحوّل إلى مجزرة حقيقية.

شرطي يقتل طليقته وأفراد عائلتها بالرصاص

مجزرة أخرى، أشعلت نيران الفضاء الأزرق، وخلفت تذمرا كبيرا وسط المجتمع الجزائري، الذي لم يجد مكانا آخر يفرغ فيه مكبوتاته غير الفايسبوك، فيجرد فيه كل ما يحلو له ويعبر عن كل ما يدور في داخله، فكلما وقعت حادثة حتى ولو لم تكن تعنيه، يعتبر نفسه جزءا منها فيظهر تلاحمه بشدة عبر “الفايبسوك” وكأنه جسد واحد إذا اشتكى منه عضو واحد تظاهر له سائر الجسد بالسهر والحمى، وتأكد ذلك خلال المأساة التي وقعت في بلدية سيدي لحسن بولاية سيدي بلعباس خلال أكتوبر المنصرم، بعدما أقدم شرطي على قتل طليقته وثلاثة أشخاص من عائلتها رميا بالرصاص، عندما قصد المسكن العائلي لطليقته..

وهي الجريمة التي اهتز على وقعها جميع سكان ولاية سيدي بلعباس، وألهبت مواقع التواصل، وقعت في 13 أكتوبر الفارط، حيث قام شرطي بإطلاق النار على طليقته بعدما قامت بخلعه ورفض تقديم النفقة لابنته ذات الأربع سنوات، كما أقدم على قتل شقيقتها التي بلغ سنها 43 سنة، ووالدها البالغ من العمر 87 سنة ووالدتها وعمرها 75 سنة وشقيقتها رميا بالرصاص.

رحيل علي فضيل.. فاجعة للصحافة الوطنية

لا أحد داخل الجزائر أو خارجها، يمكنه أن ينسى أو يتناسى يوم 24 من شهر أكتوبر المنصرم، الذي كان يوم حزن كبير على الأسرة الإعلامية داخل وخارج الوطن وعلى الشعب الجزائري ككل إثر وفاة المدير العام لمجمّع “الشروق” علي فضيل بعد أسبوع من إصابته بسكتة قلبية وهو في فرنسا حيث كان في مهمة عمل، وقد ترك الراحل وراءه دمارا كبيرا وحزنا أليما عبر مختلف مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة الفايسبوك الذي ارتدى الثوب الأسود بعد سماعه بنبأ الوفاة مباشرة، وشيّع جنازة فايسبوكية لا مثيل لها عبر صفحاته شارك فيها جميع رواده للراحل علي فضيل، وسماها جنازة العظماء، ولم يتوقف الحديث عن الراحل إلى غاية يومنا هذا، حيث ظل “الفايسبوك” يحكي عنه وعن مسيرته الإعلامية ونجاحه وتألقه بداية من تأسيس المجمع وصولا إلى جعله من بين أكبر وأنجح المؤسسات الإعلامية في الجزائر والعالم، وقد بصم الفايسبوكيون بـ”العشرة” كما قطعوا عهدا على أنفسهم بأن لا ينسوا الراحل علي فضيل، وكما ترك خلفه مؤسسة شامخة، سيذكرون له تألقه وإبداعه ونجاحاته طوال العمر.

محاكمة العصابة.. عيد آخر احتفل به الجزائريون

عيد آخر احتفل به الجزائريون عبر الفايسبوك على غرار الأعياد الأخرى، وهو محاكمة العصابة: أويحيى، سلال، حداد، زعلان، معزوز، عرباوي، بايري، بدة، يوسفي، والوزيرة السابقة يمينة زرهوني، حيث اعتبروها محاكمة القرن التي وضعت فيها العصابة لأخذ حساب الدنيا قبل حساب الآخرة، وقد خلّفت المحاكمة بلبلة كبيرة عبر مواقع التواصل، وخطفت العالم بأسره، الذي صار يحكي فيها ويتابع أنباء محاكمة العصابة على الفايسبوك، الذي نشط بقوة قبل متابعتهم لها من خلال وسائل الإعلام، خاصة وأن الفايسبوك ينقل التفاصيل وفيديوهات مباشرة، وقد كانت التعليقات تدور حول أرقام المليارات التي كان القاضي يحقق مع العصابة حولها، كما لاقت المحاكمة طيلة أيامها الخمسة الكثير من السخرية من قبل الفايسبوكيين، وحطمت التعليقات الرقم القياسي بعد النطق بالأحكام، الأمر الذي جعل الجزائريين يقيمون احتفالية كبيرة في الفايسبوك قبل خروجهم للاحتفال في الشارع.

اغتيال الراقي بلحمر في عقر داره

قضية اغتيال المرقي أبو مسلم بلحمر داخل مسكنه العائلي بغيليزان، صنعت هي الأخرى الجدل على مواقع التواصل، باعتبار الضحية كان مشهورا بتقديم يد المساعدة من أجل الشفاء بالرقية وقد تمكن من علاج الكثير من المرضى خاصة أولئك المصابين بالأمراض النفسية، وقد أثارت قضية اغتياله بسبع طعنات خنجر، ضجة كبيرة وجعلت الفايسبوكيين ينتفضون ويندّدون بالجريمة الشنعاء، ويطالبون بالقصاص وحكم الإعدام في حق المتهم في جريمة القتل.

وفاة القايد صالح وجنازته التاريخية

الأمر الجيد أيضا في الفايسبوك وغيره من المواقع، أنه عندما يرسخ ذكرى أو يتحدث عن أمر، لا يتم نسيانه أو محوه بعدها، مثلما فعل عند وفاة نائب وزير الدفاع الفريق أحمد قايد صالح، حيث كتبوا عن الراحل سطورا لن يمحوها الفايسبوك ملأها الحزن والشجن، وتحمل في طياتها الكثير من الألم على فراق أسد الجزائر الذي رحل إلى الدار الآخرة بعد أن أدى واجبه على أكمل وجه تجاه البلاد والعباد، دون أن ننسى الجنازة التاريخية التي جعلت العالم أجمع يحكي عنها وخطفت أنظار الصحافة الوطنية والدولية، وقد أولاها الفايسبوك أهمية كبرى، وأقسم الفايسبوكيون على أن لا ينسوا الراحل وأن تظل ذكراه خالدة في قلوبهم وعقولهم، كما جعلوا لها حيزا كبيرا عبر مختلف مواقع التواصل التي سرعان ما ارتدت الثوب الأسود الذي مازال يخيّم على الفايسبوك إلى غاية يومنا هذا.