-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
"الشروق" تكرّم مصباح الإصلاح في الباهية وهران

نعيم رحالي.. 60 عامًا في محاريب الدعوة بين الجزائر وأوروبا وأمريكا

الشروق
  • 3888
  • 4
نعيم رحالي.. 60 عامًا في محاريب الدعوة بين الجزائر وأوروبا وأمريكا
ح.م
نعيم رحالي

في إطار سلسلة التكريمات التي دأبت على تنظيمها مؤسسة “الشروق”، تقديرا وتبجيلا لعلماء الأمة والقامات الفكرية والعلمية التي خدمت المجتمع في شتى المجالات، حطت قافلة “الشروق” الرحال مؤخرا بمدينة الباهية وهران، وتحديدا بالمسجد القطب عبد الحميد بن باديس، لتحتفي بعلم من أعلام الدعوة والإصلاح، الإمام والشيخ الناصح نعيم رحالي، الذي ذاع صيته ليس في الجزائر فقط، بل بعدة دول عربية وأوروبية، طالما أنه قضى عمره في سبيل نشر القيم الدينية والنصائح الدنيوية، من خلال حلقات العلم والخطب التي ظل يلقيها لأزيد من ستة عقود من الزمن عبر المساجد والملتقيات الفكرية، فنال بحق لقب الداعية المتفتح على التكنولوجيا والمتحكم في التقنيات الحديثة، للشرح والتفسير، لتعم الفائدة وتصل الفكرة للمتلقي.
في قاعة المحاضرات بالمسجد القطب عبد الحميد بن باديس بوهران، تلك التحفة المعمارية التي تزيّن مدينة الباهية، حضرت وجوه نيرة وشخصيات ذات وزن بعاصمة غرب البلاد مراسيم تكريم الشيخ نعيم رحالي، فمنحت بذلك رمزية جميلة للاحتفالية، كسرت الحواجز بين الشيخ رحالي ومعجبيه، فكان الحوار أخويا واللقاء حميميا، بدليل أن الشيخ غاص في ذكريات حياته وسرد بطلاقة العديد من مراحل حياته وقصته مع الدعوة، وكشف عن عدة جوانب ظلت لسنوات خفية، بحضور ممثلي جمعيات خيرية ناشطة يتقدمهم الشيخ بغدادي فيزازي رئيس جمعية كافل اليتيم، عبد الله صالحي رئيس جمعية المعالي، الإمام الخطيب الأستاذ عبد الجليل بن عامر، والمقرئ الشاب كمام محمد، وجمع من المثقفين والمصلحات والمرشدات الدينيات، وممثل عن بلدية وهران في صورة الإعلامي عمر الفاروق.
وقد استهل الحفل التكريمي بآيات بينات من الذكر الحكيم بصوت المقرئ الشاب كمام محمد، لتبدأ مراسيم الاحتفالية، والبداية مع تدخل مباشر للشيخ نعيم رحالي الذي حاول بقدر الإمكان تلخيص حياته في كلمات، رغم أنه أشهر داعية بمدينة وهران، وبكل تواضع واحتشام سرد بعض مراحل حياته وحكايته مع الدعوة، لتبدأ الندوة التي حملت شهادة بعض تلاميذ الرجل لتسليط الضوء على أعماله ومناقبه، ثمّ تنطلق بعدها مباشرة أسئلة الحضور التي أجاب عليها الشيخ نعيم بكل رحابة صدر قبل اختتام الحفل بمنح الداعية “درع الشروق”، وعمرة لبيت الله الحرام وإدراجه ضمن الأسماء الأخرى التي نالت شرف التكريم والتبجيل، والتي جاوزت الـ100 شخصية ولا تزال القافلة تسير لغاية بلوغ أكبر عدد ممكن من الأعلام والأسماء التي قدمت للجزائر والإسلام خدمات جليلة ولم تنل حقها.

ما يزال ينشّط حِلق الذكر في الثمانين من العمر
رحالي.. قصّة مجاهد وداعية جزائري وهب حياته للإصلاح

ولد الشيخ نعيم رحالي سنة 1939 بمدينة سيدي بلعباس، وهو أحد أبرز الدعاة المصلحين وخطيب بمسجد زين العابدين بوهران، تتلمذ على يد الكثير من المشايخ، أبرزهم الشيخ حماني علي والعلامة الطيب لمهاجي، الذي لقنه أصول الدين والفقه، ويسروا له القرآن الكريم، فبدأ حفظه في سن الخامسة.
انطلق رحالي في رحلة البحث عن العلم بأهم مدن الجزائر، منها قسنطينة وتلمسان وغيرها، وحتى خارج الجزائر، ليعودإلى وهران وينصهر في تيار مقاومة الاستعمار الفرنسي الغاشم، مدافعا عن بلده الجزائر مدة 3 سنوات إلى غاية استقلال البلاد، وبعدها يؤسَس أول جمعية خاصة بتسيير المساجد بوسط مدينة وهران، لتتحول إلى منارة علمية يقصدها يوميا العشرات من طلبة العلم والمعرفة، وكان السباق في فسح المجال للأطباء والمحامين وغيرهم من المثقفين بالوقوف على المنابر، لتوعية المصلين وإفادتهم في أمور الدين والدنيا من باب العلم والتكنولوجيا، وكان من بين أوائل الأئمة الذين استعانوا على الشرح التطبيقي وليس النظري فقط باستعمال أجهزة متطورة.
يعدّ الشيخ نعيم رحالي من بين أهم الدعاة والمصلحين الذي جمعوا بين الأصالة والمعاصرة، حيث حاول قدر المستطاع فتح أبواب المساجد للأطباء والدكاترة وحتى رجال القانون، ليشرحوا الوضع المعاش، ويقدموا خبرتهم الطويلة في أمور دنياهم، حتى يتعلم منها المصلون ورواد المساجد، ويقتدوا بها وترتفع درجات إيمانهم أكثر.
وقد تحول بمرور السنوات إلى أحد أهم المنارات الدينية التي تفيد كثيرا بتدخلاتها عبر المحاضرات والندوات الفكرية التي تقام هنا وهناك داخل وخارج الوطن، وكان له الفضل في تخرج عدد كبير من المصلحين والأئمة والمقرئين، لأنه ظل طيلة حياته الدعوية يتقرب من الشباب، ويدعوهم بالتي هي أحسن للتقرب إلى الله، ورفع درجات إيمانهم لحد الورع، بأسلوب راق وحضاري، خال من التعصب والغلظة، وفتح مدرسة خاصة بتلمسان لتعليم أصول القرآن والفقه ثم عاد لوهران ويصير إماما خطيبا بمسجد زين العابدين.

طفل فقير تحدّى كلّ الصعاب من أجل العلم والدعوة

وقال الشيخ نعيم رحالي خلال تقديم سيرته الذاتية في حفل التكريم أنه، من حسن حظه، قد عايش عدة حروب، منها الحرب العالمية الثانية التي اشتعلت في أغلب دول العالم، فرأى الناس ما يعانيه الغلابى من هول الحرب القاسية، كما عايش أيضا حرب التحرير الوطني، وما عاناه الشعب الجزائري من بطش فرنسا، وختاما حرب العشرية السوداء التي أحرقت الجزائر سنوات التسعينات، وهي الأخطر يقول الشيخ رحالي، لأنها كانت بين إخوة أعداء من وطن واحد، عكس باقي الحروب التي كانت تندلع بين دول مختلفة.
وفي كنف تلك المعطيات، وجد الشيخ نعيم أن طريق الفلاح والانتصار لا يتم إلا إذا كان أفراد المجتمع واعين ومتعلمين ومتدينين أيضا، فانطلقت رحلة الدعوة، ولم تقتصر على الجزائر فقط، بل كانت له فرصة زيارة دول عظمى، مثل فرنسا وأمريكا وغيرها، والاجتماع بالجالية الجزائرية، المتعطشة هناك لمعرفة الدين وأصول الفقه.

حفظت القرآن بقوة العصا.. وهذه قصتي مع الشيخ لمهاجي

وقد عاد الشيخ نعيم لأيام طفولته وكيف بدأت قصته مع القرآن الكريم، حيث أكد أنه تتلمذ على يد العديد من المشايخ، أبرزهم الشيخ علي حماني، الذي كان يقسو عليه وعلى أقرانه ولا ينجو من يديه من يخفق في حفظ السور الطويلة، وهي المعطيات والعوامل التي جعلته يحفظ القرآن الكريم في سن مبكرة.
كما كان له شرف معايشة العلامة الطيب لمهاجي، والتتلمذ على يده في مرحلة التعليم، إذ كان يعامله معاملة خاصة، ويفضله على العديد من طلبته، بدليل أنه كان يمنحه بين الفنية والأخرى بعض المال، الذي يجعله قادرا على شراء حذاء أو تناول طعام كامل، والسبب هو فقره المدقع، والذي كان يظهر على هندامه، وشكله، موضحا أنه يملك عدة مواقف حدثت له مع العلامة لمهاجي وسيدونها بالتفصيل في كتاب حياته الذي صار جاهزا للنشر.

يوم تكريمي من “الشروق” أغلى ذكرى.. وأسوأها يوم رُجمنا بالقنابل!

وقد أعرب الشيخ نعيم رحالي عن سعادته وفخره بالتكريم الذي جاء بعد 80 سنة من الدعوة والتبليغ، وتمنّى أن تكون الاحتفالية خطوة مشجعة لكل داعية أو مصلح حتى يغرس أفكارا صالحة وهادفة، ويأتي يوم حصد الثمار، وشكر بالمناسبة الشيخ مجمع “الشروق” بكل عماله ومديره العام، متمنيا من المولى العزيز أن يثبت خطوات المجمع، لتكريم وإعادة الاعتبار لباقي العلماء والمصلحين المغيبين سواء الأحياء منهم أو الأموات.
وفي حديثه عن أسوأ الذكريات التي عاشها الرجل، ذكر أن هناك الكثير من الأشياء والذكريات السيئة التي صادفها في رحلته مع الدعوة والتبليغ والنصح، وأبرزها التي لا يزال وقعها كبيرا على نفسيته، هي يوم أسود من أيام العشرية الحمراء التي عرفتها الجزائر، وكانوا وقتها في خضم الاستماع لدرس داخل المسجد، حتى تعالت أصوات خارج أسواره وفوضى وجلبة، تبيّن أن الأمر يتعلق بمناوشات وصدامات بين الشرطة وبعض الشباب المنضوين تحت راية حزب جبهة الإنقاذ الإسلامي المنحل، وما هي سوى لحظات حتى تمّ قذف بهو المسجد بالقارورات والقنابل، و د ولدت الحادثة حالة من الهلع والصدمة وسط المصلين، وتم تسجيل العشرات من حالات الاختناق وسط كبار السن والمرضى، وهي الذكرى السيئة التي لا زال يحتفظ بها الشيخ في ذاكرة أيامه .

لا خوف على الجزائر من التيارات الدخيلة

وعن قضية التيارات الدينية التي باتت تظهر بين الفينة والأخرى، من الكركرية إلى الأحمديّة و غيرها، أجاب الشيخ نعيم أن الجزائر ظلت لعقود صامدة في وجه تيارات جارفة افتعلها المستعمر للدوس وطمس الشخصية الجزائرية، وتزوير الدين، لكنها فشلت بفضل تماسك الشعب وإصراره في الحفاظ على مقوماته الدينية والتاريخية، وهو ما سيصعب على كل تيار جديد تكرار نفس المحاولة، لأن الجزائر مهد الحضارة وتملك رصيدا دينيا وتاريخيا ثريا لا يمكن تجاهله أو الدوس عليه .

كتاب حياتي جاهز للنشر وسأكشف فيه مفاجآت مدويّة

كما تطرَق الشيخ نعيم رحالي إلى كتابه الذي دون فيه أهم مراحل حياته وقصته مع الدعوة والتبليغ، و أمور أخرى ستكون عبارة عن مفاجآت مدوية للقراء، حيث لخص ما عاشه في 300 صفحة سيتم نشرها قريبا بعد الاتفاق مع دار نشر، متمنيا أن يكون الكتاب بمثابة مرجع للشباب الطموح لنهج السبيل الصحيح، لتعلم الدعوة والنصح وأبجديات فن الإمامة وغيرها، وتسليط الضوء على بعض الأعلام التي عايشها الشيخ والتي لم تلق حظها من التكريم والتذكر.

الإمام عبد الجليل بن عامر:
محاضرات رحالي تدرّس في أمريكا.. وبحنكته أنقذ عائلات من الشتات

وفي شهادته حول سيرة الداعية نعيم رحالي، اعتبر عبد الجليل بن عامر، أحد شيوخ وهران الأجلاء، أن أستاذه ومعلمه بمسجد زين العابدين وسط مدينة وهران، هو مثل في التواضع والسيرة الحسنة، وهو رجل صادق ومحب ولا يزال طموحا وراغبا في إعطاء المزيد بالرغم من تقدمه في السن، مؤكدا أن علاقته مع أئمة ومشايخ مسجد زين العابدين ومساجد أخرى كثيرة بالوطن، هي علاقة الأب مع أبنائه والأخ مع إخوانه، إذ إنه بالرغم من كونه المعلم الأول لهم لم يتوان في أي مرة عن إعطاء فرصة إمامة المسجد لتلامذته، فلم يحتكر كرسي الإمامة أبدا، بل كان في كل مرة يترك لهم المجال في الإمامة سواء في المناسبات كالأعياد أم خطبة الجمعة وصلاة التراويح، حيث كان الإمام عبد الجليل يردد في كلامه طوال حفل التكريم: ” أنا حسنة من حسنات الشيخ نعيم رحالي، علمني ووجهني وكان في غيابه يترك لي دائما فرصة إمامة المصلين، فلن أنسى فضله علي ما حييت”.
وأكد الإمام عبد الجليل بن عامر أن أبناء الحي الشعبي “سان بيار” الذي به مسجد زين العابدين، تربطهم علاقة وطيدة بالشيخ نعيم رحالي، بفضل خطبه ونصائحه الهادفة التي قضت على نسبة الإجرام والانحراف التي كانت في أوساط أبناء الحي، وجعلت سمعته سيئة منذ سنوات طويلة، إلاّ أن الأنشطة الدينية التي يقوم بها المسجد أسهمت في إنقاذ أبناء الحي من الضياع الذي كانوا فيه، كما أن الشيخ رحالي يضيف الإمام عبد الجليل كان له الفضل في لمّ شمل عشرات العائلات التي كانت على وشك الشتات بفضل حنكته وخبرته في الحياة.
وساق الإمام عبد الجليل أمثلة عن أبناء الحي الذين تتلمذوا على يد الشيخ وتربوا على مكارم الأخلاق التي لقنهم إيّاها، فمنهم المهندس والطبيب والأستاذ الذين لا يزالون يتذكرون الدروس التي كان يلقيها الداعية نعيم رحالي.
وذكر الإمام عبد الجليل أن دروس الشيخ رحالي وندواته كانت تتداول بين أبناء الجالية الإسلامية في أمريكا.

المقرئ محمد كمام:
ألّف 15 كتابًا ويطمح إلى المزيد من البحث

بعد تلاوته العطرة التي أبهرت الحضور، في حفل تكريم مجمع “الشروق” للشيخ نعيم رحالي، راح المقرئ الشاب محمد كمام يمدح في خصال “أبيه الروحي”، الذي ترعرع على يده بمسجد زين العابدين الكائن بحي سان بيار الشعبي بوهران، منذ الرابعة من عمره إلى أن أصبح شابا يفقه أصول الدين، حتى لقّب “بابن الشيخ” نعيم رحالي، الذي يتميز حسبه بالخلق الحسن والتواضع مع أهل المسجد وحتى خارجه، حيث سمح له بأن يؤذن في المسجد وعمره لم يتجاوز 14 سنة، وأعطى له الفرصة لإمامة المصلين في التهجد وهو في نفس العمر، كما فتح له المجال بعد ذلك حتى أصبح خطيبا بمسجد زين العابدين، وأكد كمام أن أهل هذا المسجد تجمعهم روح المحبة والأخوة وهو للأسف ما أصبحنا نحتاجه في مساجد أخرى، على حدّ قوله، مضيفا أن الشيخ نعيم رحالي لديه سجل طويل من الإسهامات في مجاله الذي أفنى كل عمره للبحث فيه، حيث بلغ عدد مؤلفاته إلى يومنا هذا 15 مؤلفا، وهو يطمح إلى المزيد في الأيام القادمة.

عبد الله صالحي، رئيس جمعية المعالي للعلوم بوهران:
الشيخ رحالي واجه فتنة العشرية السوداء بشجاعة وحكمة

وبدوره أثنى، عبد الله صالحي، رئيس جمعية العلوم والمعالي، على الدور الفعال الذي مارسه الشيخ رحالي خلال العشرية السوداء في الحفاظ على استقرار البلد وطرد الفتنة، حيث كان له الفضل حسبه في إرشاد الشباب آنذاك وحثهم على التحلي بروح المسؤولية لإنقاذ الوطن من المأساة التي ألمت به، حيث كان من منبر مسجد زين العابدين بوهران يعمل جاهدا على إلقاء خطب هادفة للشباب من أجل توعيتهم وتفسير معنى حب الوطن والتمسك بالدين الحقيقي وليس ذاك المزيف الذي كانت تدعو إليه بعض الجماعات في ذلك الوقت، كما أن الدولة كانت لديها ثقة كبيرة في دور الشيخ، لأن لديه شعبية كبيرة في الأحياء الوهرانية وخصوصا مع فئة الشباب، لحيويته ونشاطه وحنكته وسلاسته في وقت واحد، وبالرغم من تعرضه للمضايقات، إلا أنه أصر على أن يكون في تلك الفترة العصيبة الرجل المناسب في المكان المناسب.
وقال رئيس جمعية المعالي التي كرّمت الشيخ نعيم رحالي مؤخرا، إنّ صفحة الجمعية على “فايسبوك” حققت 14 ألف نقرة إعجاب، مع كم هائل من التعليقات، عقب نشر خبر التكريم الذي حظي به الشيخ، وهو رقم كبير يعكس مدى الحب والاحترام الذي يكنّه ساكنة عاصمة غرب البلاد لشيخهم الداعية المصلح، الذي ترك الأثر الطيّب في نفوسهم، على حدّ وصفه.

الداعية بغدادي فيزازي:
بفضل الشيخ رحالي خرجت إلى الدعوة والخطابة

كشف الشيخ بغدادي فيزازي عن العلاقة المميزة التي تربطه بالشيخ نعيم رحالي، التي كانت نتيجة صدفة حسنة كما ذكر فيزازي، حيث جمعهما أول لقاء منذ أزيد من 29 سنة، حين كان ينتظر على حافة الطريق أي سيارة تقله إلى المشاركة في إحدى مسابقات حفظ القرآن الكريم، ليمرّ عليه الشيخ نعيم رحالي وهو يمتطي سيارة من الطراز القديم وتوقف أمامه وأقله إلى المكان الذي رغب الشيخ فيزازي في التوجه إليه، والصدفة خير من ألف ميعاد، فمنذ ذلك الحين تطورت العلاقة بين الشيخ وتلميذه، ليتعلم منه طرقا جديدة في تفسير القرآن، حيث أبهره منهج الشيخ رحالي الذي يتسم بالوسطية وتفسير القرآن بطرق تتواكب والعصر، باستعمال تقنيات ووسائل حديثة في إلقاء المحاضرات، والنظرة المعتدلة للشيخ نعيم رحالي هي التي شجعت الشيخ بغدادي فيزازي على الخروج إلى الدعوة والخطابة والتدريس، كما أن مسجد زين العابدين بفضل الشيخ رحالي ظلّ نشطًا في وهران، فهو يقدم محاضرات وخطبا ونشاطات دينية وثقافية وخيرية في المستوى، أعطت صورة حسنة عن عاصمة غرب البلاد، كما أن المحاضرات التي تقام في المسجد أصبحت بفضل حنكته تجمع كل التخصصات، ولا تقتصر على الشريعة فقط، بل ويشارك فيها مختصون وإطارات في شتى المجالات، ومخطئ من يظن أن مهام الشيخ كانت محصورة داخل مسجد زين العابدين أو في ولاية وهران فقط، بل قدم محاضرات وخطبا دينية في كل ربوع الوطن، وخصاله الحميدة أثنى عليها كل سكان الجزائر وليس فقط أبناء الباهية.
وأرجع فيزازي الفضل إلى الشيخ نعيم رحالي في تأسيس جمعية كافل اليتيم التي يترأسها، حيث كان من بين مؤسسيها واستفاد طاقم الجمعية من نصائحه وإرشاداته خلال حفل التكريم الذي خصه به مجمع “الشروق”، حيث دعا الشباب المتطوع في جمعية كافل اليتيم إلى الصبر على كل الظروف المحاطة بهم والتحلي بالإرادة والعزيمة في هذا العمل التطوعي الإنساني الذي يقومون به.

مدير الشؤون الدينية لوهران مسعود عمروش:
رحالي داعية لم يحد عن الوسطية والاعتدال في عزّ الأزمات

كما أشاد مسعود عمروش، مدير الشؤون الدينية والأوقاف لوهران، بخصال ومناقب الشيخ نعيم رحالي، الذي ترك بصمته في مسار الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
وقال عمروش إن الشيخ نعيم رحالي من الأئمة كبار السن، ولكن رغم تقدّمه في السن، إلا أنّه لا يزال يؤدي رسالة الدعوة، التي تحملها وهو في صغره وواصل تأديتها في كبره، فلا يزال يحضر الجلسات العلمية ويناقش مختلف المسائل الدينية. ودليل وفائه لهذه الرسالة هو مواصلته الإمامة متطوعا في مسجده زين العابدين في حي “سان بيار” الشعبي.
واعتبر مدير الشؤون الدينية أن الشيخ نعيم رحالي لديه باع في الدعوة وفعل الخير والنهي عن المنكر؛ فهو يدعو إلى الاعتدال والوسطية، وهو الذي عاصر الثورة التحررية ضد المستعمر الفرنسي، وشهد حركة الإصلاح والصحوة الإسلامية منذ بدايتها.
ورغم الأزمات يقول عمروش، التي مرت بها الجزائر، إلا أنّ الشيخ رحالي حافظ على وسطيته واعتداله، ودعوته إلى الله بالتي هي أحسن، ولم تؤثّر فيه الأفكار الدخيلة، وتلك التي تحمل بذور التطرف في طيّاتها، فلم يحد عن الخطاب الوسطي والمعتدل بالرّغم من الظروف سالفة الذكر.
الشيخ رحالي، يضيف مدير الشؤون الدينية لوهران، يتميز بالصمت والابتسامة التي لا تفارقه، وهو يحضر الأفراح ولا يفوّت المآتم، فيحزن لحزن الناس ويفرح لفرحهم، ويستغل جميع الفضاءات التي يحلّ فيها لقول كلمة الحق وقد عاصر كثيرا من العلماء، ولديه مؤلف في علماء وهران.
وأشاد ذات المتحدّث بالسيرة العطرة للشيخ الإمام نعيم رحالي الذي حسبه يعتبر مثلا في التواضع والأخلاق الحميدة ورابط بين الفكر الأصيل والمعاصر، ومن الأئمة القلائل الذين يمتلكون فن البساطة والسلاسة في تعليم وتفسير قواعد الدين والفقه.

رئيس شعبة الإعلام بجامعة مستغانم الدكتور العربي بوعمامة:
رحالي سفير المدرسة الوهرانية في الدعوة والإصلاح

من جهته، يرى رئيس شعبة الإعلام بجامعة مستغانم، الدكتور العربي بوعمامة، أنّ الشيخ نعيم رحالي يمثل المدرسة الوهرانية في الدعوة والإصلاح في المجتمع، حيث يتبنى حسبه خطابا وسطيا ومعتدلا، نهل من روافد علمية عدّة، من بينها إسهامات شيوخ الباهية على مرّ التاريخ، وفي مقدمتهم، العلامة الطيب المهاجي، ومن سار على دربه من شيوخ ومصلحين على شاكلة سعيد زموشي، الذي كان ضمن أعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين إبّان الحقبة الاستعمارية.
وأشاد كثيرا الدكتور بوعمامة بتكريم مجمّع “الشروق” للشيخ نعيم رحالي، الذي يعدّ تأصيلا من منبر إعلامي ذائع الصيت، دأب على الاحتفاء بالعلماء والمصلحين في هذا البلد، منوّها في الوقت ذاته باختيار الخامس ماي لتنظيم الاحتفالية على شرف رحالي، وهو تاريخ يحمل دلالات رمزية لكونه ارتبط بميلاد جمعية العلماء المسلمين.
ويبقى الشيخ نعيم رحالي حسب الدكتور بوعمامة أيقونة الدعوة والإصلاح في عاصمة غرب البلاد، ذلك أنّه لم يحد عن المرجعية الدينية الوطنية في أحلك الظروف، فكان مدافعا عنها بفكره المستنير، متخذا مسجده الذي يتوسط حيّا شعبيا منبرا للدعوة إلى الله بالموعظة والكلمة الطيّبة.

الدكتور بوعبد الله بن عجايمية:
تعلمنا من رحالي كيف نعيش للآخرين

يعتبر الأستاذ الجامعي الدكتور بن عجايمية بوعبد الله، أنّ الشيخ نعيم رحالي قامة علمية ودعوية وتربوية كبيرة جدا، ليس في وهران فقط بل في الجزائر كلها.
وقال بن عجامية: “إنّ الشيخ رحالي تعرفه ساحات الدعوة ومنابر المساجد وآلاف الذين تربوا على يديه”، وتابع المتحدث قائلا: “أقول هذا لأنني ثمرة من ثماره الكثيرة، فقد تربينا على يديه أيام الجامعة.. تعلمنا منه الفهم الوسطي والمعتدل للإسلام… تعلمنا منه كيف تكون خادما لمحيطك… نافعا لغيرك… محبا لوطنك”، أما عن تواضعه وابتسامته وسمته يقول بن عجايمية فحدث ولا حرج، فهو نصوص تمشي وأخلاق كبيرة تسري كبر شخصيته وعلمه.
ليختم الباحث في الإعلام والاتصال شهادته بالدعاء للشيخ رحالي بالحفظ وأن يمد الله في عمره ويرزقه موفور الصحة والعافية.

الداعية أحمد بريكسي:
رحالي فتح رياض الأطفال لتنشئة الأجيال على الإسلام

وقال الداعية أحمد بريكسي إنّه عرف الشيخ نعيم رحالي رجلا محبّا للجزائر، حيث كان مجاهدا وشارك في تحرير الوطن من المستعمر الفرنسي، معتبرا في الوقت ذاته أنّه من أتباعه وجنوده وتلامذته ومريديه، حيث كان أول لقاء بينهما في بداية الثمانينيات لمّا حلّ رحالي بوهران، كما كانا يبرمجان معا جلسات وسفريات، وأحيانا يلتقيان في جلسات تربوية.
وتحدّث بريكسي عن مناقب الشيخ رحالي، قائلا: “لا يزال ينشط في الساحة الدعوية رغم كبر سنّه، عهدته محافظا على الثوابت في بلدنا، وأشهد له أنّه مثابر، مرابط في حقل الدعوة إلى الله ويدعو إلى وحدة الصّف والغاية”.
وأضاف المتحدّث أن رحالي كان دائما يحرص على تربية الجيل الجديد على نهج الرعيل الأول، ولم يغفل مكانة المرأة في المجتمع، فحرص على تربيتها على القيم وحب القرآن والسنة، وخير دليل فتحه عدة رياض يقول بريكسي.
وواصل الداعية بريكسي حديثه عن خصال رحالي: “عرفت عنه التضحية ونحن نسافر ليلا وكأنه شاب في حقل الدعوة، معروف عنه الإيثار، يتنازل عن حقه ويدفع الشباب إلى منابر الدعوة”.
هذا وتحدّث بريكسي عن الدور المهم، الذي أداه رحالي في حقن دماء الجزائريين في العشرية السوداء، لمّا كان يدافع عن وحدة الصّف في عزّ الأزمة الأمنية.

أبو جرة سلطاني:
رحالي من مؤسّسي الصّحوة المسجدية في الجزائر

كما أكد الرئيس الأسبق لحركة مجتمع السلم، أبو جرة سلطاني، أنه تعرّف على الداعية والإمام والمصلح نعيم رحالي قبل 35 سنة؛ فعرف فيه المصلح الهادئ، الذي يكره الغلو والتطرف ويحاربهما بالفكر المعتدل وبالموعظة الحسنة وبالجدل المقنع، على حدّ تعبيره.
وراح أبو جرة يعدّد مناقب الشيخ رحالي، عندما وصفه بالرقيق في خطبه المسجدية، وفنانا في كتاباته وقديرا على إصلاح ذات البين، حيث نذر نفسه لخدمة الإسلام وتفرّغ لهذه المهمة من كل ما كان يربطه بالناس من انتماء حزبي أو نقابي أو مجتمعي، فصار في نظري يقول أبو جرة: “ملكا للمجتمع.. من يتقرب منه لا يطلب منه شيئا، إلا أن يعينه على طاعة الله وعلى الهداية إلى الصراط المستقيم، لذلك أحبه الناس وتأثروا بمواعظه وبتعليمه للقرآن الكريم وبسعيه إلى فض النزاعات وإصلاح ذات البين”.
واسترجع أبو جرة ذكرياته مع الشيخ رحالي قائلا: “كان يزورني في بيتي وأزوره في بيته في عين تموشنت قبل أن ينتقل إلى وهران، كانت غالبية أحاديثنا تدور حول بناء الأسرة وإصلاح المجتمع”.
وذكر أبو جرة أنّ رحالي جرّب أن يحقق هذين الهدفين من خلال الوسائل التي استخدمها بعض الدعاة، لكنه اهتدى في النهاية إلى ضرورة أن يتحرّر من أي لون سياسي وأن يتفرّغ لتحقيق مساعيه النبيلة بالقرآن في المسجد، ومع من يؤمنون أن صناعة الرجال أولى من إقامة العمران وتغيير الواقع بالتدافع السياسي وبالعمل الحزبي؛ فهو مرابط على ثغر عظيم من ثغور الإصلاح الاجتماعي على حدّ قول أبو جرّة، الذي ختم حديثه بالدعوة إلى: “أن يبارك الله عز وجل في جهود الشيخ رحالي وألا ينسى الذين يحبونه وهم كثير في هذا الوطن”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • 1

    أنا احسبت الجائزة كانت في سبيل مابذله من جهد في محاربته الإرهاب .

  • لمباركي ج

    السلام عليكم في الحقيقة الشيخ نعيم رحالي هو من كرم الشروق وكرم الحظور قامة علمية دعوية كبيرة يتشرف ويتكرم كل من جلس بين يديه ينهل من أدبه قبل علمه فوفق الله شيخنا وعالمنا لكل خير وجزاه عنا خير الجزاء وشخصيا عند مزاولتي للدراسة الجامعية في الباهية لم أفوت الفرصة لحظور خطب الجمعة وبعض الدروس بين المغرب والعشاء فكان نعم الواعظ ونعم الناصح .نسأل الله لك يا شيخنا الفردوس الأعلي .

  • أحمد بناني

    للشيخ نعيم رحالي فضل كبير بعد الله تعالى في تنوير العقول في ولاية عين تموشنت و ضواحيها. ما ترك مسجدا إلا و ترك بصمته فيه قبل أن ينتقل إلى مدينة وهران التي احتضنته - خاصة مسجد زين العابدين- و عرف رجالها معدنه النفيس فأعطوه المكانة اللائقة به حتى داع صيته. حفظ الله شيخنا و جازاه كل خير، و شكرا للشروق على هذه الالتفاتة الطيبة و تكريمها له.

  • عبدالرحمان ب

    أسأل الله عز و جل أن يحفظ شيخنا الجليل على ما قدمه للجزائر و الإسلام و أن يطيل في عمره، فقد انبهرت للمبادرة العظيمة التي قامت بها الشروق و هي مشكورة جدا على عملها. و أنا أقرأ هذا المقال رجعت بي الذاكرة إلى سنوات الجامعة 2000-2005 بمعهد الإتصالات بوهران، حيث كان لشيخنا الجليل دور عظيم في الصحوة الإسلامية حيث حضرت له محاظرة بالمعهد نظمت من طرف لجنة المسجد وكان شيخنا متواضعا جدا و بسيطا في إلقائه و نسأل الله العلي القدير أن يمده بالصحة و العافية و العمر المديد.